وقّع رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، يوم أمس الجمعة،
مرسوماً رئاسياً يقضي بإجراء
الانتخابات العامة في البلاد في 14 أيار (مايو)
المقبل، منهياً بذلك جدلاً استمر لبعض الوقت وتعزّز بفعل الزلزال المدمّر الذي
أصاب أجزاء واسعة من جنوب البلاد في شهر شباط (فبراير) الماضي.
يأتي هذا التطور في وقت كان فيه كثير من المراقبين يعتقدون أنّ الحزب
الحاكم سيقوم بتأجيل الانتخابات إلى أن يكون قد انتهى من التعامل مع مفاعيل
الزلزال، لكن
الرأي السائد على ما يبدو داخل الحزب الحاكم هو أن يتم التسريع
باتجاه الانتخابات لعدم إعطاء الوقت الكافي للمعارضة لرصّ صفوفها، خاصّة أنّ
خلافات واسعة قد ظهرت إلى العلن بعد انشقاق زعيمة الحزب الجيّد، ثاني أكبر أحزاب
المعارضة، مؤخراً قبل أن تعود وتنضم بعد تسوية يقول البعض إنّها قد لا تبقى
متماسكة.
تسمية تحالف المعارضة لمرشّحهم المشترك الموحّد سيعطي المعارضة زخماً
غير مسبوق في الساحة السياسية التركية، كما أنّه سيمهد لإنتخابات هي الأسخن على
الإطلاق منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في العام 2002. لكن هذا لا يعني أنّ
المعارضة ليس لديها مشاكل وتحدّيات، أو أنّها تطرح بالضرورة البديل المقبول
والأفضل "وجهة نظرها". الحقيقة أنّ المعارضة تعاني هي الأخرى من مشاكل
جوهرية على أكثر من صعيد، لعلّ أبرزها:
أولاً ـ ينتمي أعضاء تحالف المعارضة التركية إلى أحزاب وتيّارات
فكرية واتجاهات أيديولوجية متعارضة ومتضاربة، تنقسم بين اليسار واليمين، وبين
النخبة والعامة، وبين الليبرالي والإسلامي، ويكاد لا يجمع بينهم أي شيء على
الإطلاق باستثناء الرغبة في الإطاحة برجب طيب أردوغان. إذا ما التزمت القاعدة
الشعبية لأحزاب تحالف المعارضة بالتصويت في الإنتخابات الرئاسية وفق الإتجاهات
الحزبيّة، فهذا سيشكّل خطراً على مرشّح التحالف الحاكم، أي رجب طيب أردوغان. لكن،
يرى البعض أنّه من الصعب جداً أن يلتزم جمهور تحالف المعارضة وأن يجمعوا على دعم
المرشّح الذي تمّ تسميته، وهو ما ينقلنا إلى معضلة كيليتشدار اوغلو.
إن اتّهم البعض أردوغان بأنّه متسلّط بالرغم من وصوله بأصوات الناخبين، فإنّ زعيم المعارضة رفض التخلي عن منصبه في رئاسة الحزب خلال أكثر من عقد من الزمن بالرغم من خسارته كل المعارك الانتخابية مع حزب العدالة والتنمية،
ثانياً ـ مرشح تحالف المعارضة، كيليتشدار أوغلو، يعاني من عدّة مشاكل
مستعصية من بينها أنّه ينتمي إلى الأقليّة العلوية، وهو ذو توجّه يساري علماني.
ومن التعارف عليه أنّ الشريحة الأكبر من الناخبين في
تركيا خلال السنوات العشر
الأخيرة على الأقل هي شريحة المحافظ واليمين، وهذين الخطّين يتعارضان مع اليسار
بشكل واضح. علاوةّ على ذلك، فإنّ كيليتشدار أوغلو كبير في السن، ويفتقد إلى
الكاريزما وحس القيادة والخبرة العملية في إدارة الدولة.
وإن اتّهم البعض أردوغان بأنّه متسلّط بالرغم من وصوله بأصوات
الناخبين، فإنّ زعيم المعارضة رفض التخلي عن منصبه في رئاسة الحزب خلال أكثر من
عقد من الزمن بالرغم من خسارته كل المعارك الانتخابية مع حزب العدالة والتنمية،
وقد أدى ذلك في كثير من الأحيان إلى انشقاقات داخل الحزب وإلى طرد المنافسين أو
المعترضين. فإذا كان هذا هو حال الرجل في الحزب والمعارضة، فكيف من المتوقع أن
يكون حاله في السلطة؟
ثالثاً ـ إدارة الدولة. يطرح تحالف المعارضة إدارة الدولة عن طريق
التوافق. هذا يعني أنّ القرارات الأساسية في الدولة وربما غير الأساسية أيضاً ستستلزم
موافقة جميع أطراف التحالف، وفي حال اعتراض أيّ منهم على أي من القرارات، فسيؤدي
ذلك إلى فشل وشلل في أجهزة الدولة. فضلاً عن ذلك، فإنّ فكرة أن يكون لرؤساء أحزاب
غير موجودين في هرم السلطة تأثير أو كلمة على رئيس جمهورية أو رئيس وزراء منتخب،
تضرب جوهر النظام الديمقراطي في الصميم وتتعارض مع الدستور التركي. بمعنى آخر، هي
تتعارض أيضاً مع ما يروّج له تحالف المعارضة عن رغبته في تعزيز نظام حكم ديمقراطي.
رابعاً ـ تقاسم السلطة. فضلاً عن حقيقة أنّه لم يُعرف بعد أنّ هناك
دول ناجحة يتم إدارتها بالتوافق، فإنّ تقاسم السلطة بين عدد من الزعماء هو تعبير
عن قمّة التخلّف في الفكر السياسي وفي الممارسة السياسية. النموذج المطروح ليس
تحالف أحزاب لتشكيل حكومة موحّدة، وإنما تقاسم السلطة ومؤسسات وهياكل الدولة.
يُعرف هذا النموذج جيّداً في العالم العربي باسم "المحاصصة"، وهو نموذج
متخلف وساقط ويستخدم في دول فاشلة. تبني مثل هذا النموذج سيدمّر الدولة والمؤسسات
التركية.
المعركة لن تكون سهلة لأي من الطرفين في جميع الأحوال. لكن، من المهم بمكان أن يتم تقييم المعسكرين بشفافية ذلك أنّ التصويت بناءً على معيار "الضد" وليس بناءً على معيار الأجندة أو البرنامج ستكون له تداعيات كارثية على مستقبل البلاد.
خامساً ـ الأقلّية الكردية. تلعب الأقليّة الكرديّة دوراً بارزاً في
ترجيح كفذة المتنافسين عندما تكون الأمور محتدمة. هناك شعور عام بانّ حزب الشعوب
الديمقراطية الكردي هي الحليف السابع غير الموجود على طاولة التحالف السداسي
للمعارضة لأسباب لوجستية أكثر منها أيديولوجية، خاصّة أنّ الحزب يريد دعم
كيليتشدار أوغلو باعتباره يساريا علمانيا ينتمي إلى أقلية ويسعى الى الإطاحة
بأردوغان.
بمعنى آخر، وبغض النظر عن حقيقة أنّ المعارضة تضم حزباً يمينيّا يرفض
وجود حزب الشعوب الديمقراطية، إلاّ أنّ فكرة عدم وجود الحزب رسميا على الطاولة
تخدم المعارضة لأنّها تحرم التحالف الحاكم من مهاجمة المعارضة بدعوى تحالفها مع
حزب يدعم إنفصاليين ويتعاطف مع إرهابيين. لكن المشكلة أنّ عدم وجوده على الطاولة
لا يضمن له تحصيل مكاسبه لاحقاً. فضلاً عن ذلك، فإنّ الناخبين الأكراد لا ينتمون إلى
طيف واحد، فهناك من هم بالفعل مع الحكومة وحزب العدالة والتنمية، وهناك شريحة من
المحافظين الأكراد لن تصوت على الأرجح لكيليتشدار أوغلو نظراً لما يُمثّله.
خلاصة القول، أنّ المعركة لن تكون سهلة لأي من الطرفين في جميع
الأحوال. لكن، من المهم بمكان أن يتم تقييم المعسكرين بشفافية ذلك أنّ التصويت
بناءً على معيار "الضد" وليس بناءً على معيار الأجندة أو البرنامج ستكون
له تداعيات كارثية على مستقبل البلاد.