يوم السبت (4 آذار/ مارس)
تغنجت النقابة أمام الانقلاب محاولة بث جمل التمنع
القاسي، لكنها لم تنطق الجملة الحرام. لن يكون دستور 2014 على جدول النقابة، ولا
تعتزم حتى الآن الإقرار بدورها التخريبي للعشرية الناصعة التي تنعتها بالسواد. ويوم
الأحد قامت المعارضة الديمقراطية باستعراض محدود للقوة أو باستعراض ما تبقى من قوم
بهم أمل في النضال الديمقراطي، وفاز السيد النجيب بصورة تاريخية وهو يقتحم حاجز
الأمن بهبّة هصورة، وشكل المعطف البني فيها لبة تسجل في الحوادث الباهرة، لكن هل
تكفي الصورة لرج الأجهزة؟
كانت الأجهزة مستنفرة، وكان المحافظ قد أرسل تهديدات قاسية لكن الحاجز
انخذل بسرعة وترك الطريق؛ هل الأجهزة غير متوافقة إزاء تحركات المعارضة؟ هل نقرأ
لطف الأمن يوم الأحد كإشارة لأن تتقدم المعارضة خطوة أوسع نحو تغيير الوضع، أم أنه
مسرح سياسي له أجندات؟ من الذي يعتقل قيادات سياسية كل ليلة؟
هل الأجهزة غير متوافقة إزاء تحركات المعارضة؟ هل نقرأ لطف الأمن يوم الأحد كإشارة لأن تتقدم المعارضة خطوة أوسع نحو تغيير الوضع، أم أنه مسرح سياسي له أجندات؟ من الذي يعتقل قيادات سياسية كل ليلة؟
الساحة تدور في فراغات
خطاب النقابة الرافض للتنسيق مع المعارضة بنبرتها المتكبرة على الاعتذار لم
يمر إلا على جماعة الباحثين عن توافقات مغشوشة، يبثون حسن النية في الأمين العام هروبا
من مواجهة حقيقة قاسية. النقابة لا تزال جزءا من الانقلاب ولن تتراجع، وإنما هي
تحسن شروط تفاوضها على المرحلة القادمة. وحتى حديث اختلاف النقابات القطاعية
والجهوية عن رأي المكتب التنفيذي لم نر منها بارقة تحرر القطاعي من المركزي، اللهم
إلا لجهة التراجعات عن مطالب سبق أن أغلق من أجلها البلد. ما زالت النقابة تقاد
من قبل جماعة شعار سحقا سحقا للرجعية، لا شيء يأتي من هذه الناحية وهذا الثور لا
يعطي حليبا.
مظاهرة المعارضة ورغم الاقتحام الرومانسي للحاجز فإن عددها كان قليلا
مقارنة بمظاهرات سابقة. جيل المحرقة النهضوي لم يحضر كله، انقطع النفس أو طالت
الطريق أو رأت القيادة الاكتفاء بالإشارة بالإصبع دون اليد. (لن ننظر في فرضية أن
ذلك كان أقصى الجهد المتاح بعد عامين من الشارع وأعوام من الفتن الداخلية).
كان المطلب الأساسي صيانة الحريات بإيقاف الملاحقات وإطلاق سراح المساجين،
وهو مطلب دفاعي وإن تجمل برفع الصوت، يذكر بنضالات النخبة المعارضة زمن بن علي.
السلطة تستبق، تعتقل، تصطنع الملفات، والمعارضة تصدر بيانات وتساندها الديمقراطية
الفرنسية في جريدة لوموند بمقال صغير يكتبه فيلسوف حداثي ثم يتعفن السجين في الداخل.
كانت رائحة دولة بن علي فوق الرؤوس يوم الأحد في الشارع الكبير رغم أن الأمن كان
متفرجا.
خلاصة الأمر أن الساحة السياسية والنقابية (والنقابة حزب مموه) مشتتة
وتتراجع وتغطي برفع الصوت، وظني أن هذا سر طمأنينة الأجهزة التي سمحت بكسر الحواجز
متيقنة من أن ارتفاع الصوت يكشف ضعفا لا قوة، كأني أراها تستنزف آخر جهد المعارضة
قبل الحلول في الموقع الأول للحكم. هل الأجهزة مستعدة لإدارة البلد؟ وما الحلول
التي بين يديها لأزمة اجتماعية واقتصادية تتوسع على اليابس واليابس، فتونس لم تعد
خضراء؟
الساحة السياسية والنقابية (والنقابة حزب مموه) مشتتة وتتراجع وتغطي برفع الصوت، وظني أن هذا سر طمأنينة الأجهزة التي سمحت بكسر الحواجز متيقنة من أن ارتفاع الصوت يكشف ضعفا لا قوة، كأني أراها تستنزف آخر جهد المعارضة قبل الحلول في الموقع الأول للحكم
ليس للأجهزة حلول إلا القمع
أمام عجز المعارضة الديمقراطية عن العمل الموحد للوصول إلى حلول حاسمة
تستعاد فيها الديمقراطية على قاعدة دستور مجمع عليه، وأمام عجز الرئيس عن الاقتراح وتسهيل الحلول، فإن الأزمة تستفحل، وليست معركة
الميز العنصري ضد
الأفارقة إلا تعقيدا إضافيا وتخامرنا شكوك قوية بأن الأمر كله مدبر من الأجهزة
للقضاء على آخر قطرة من سمعة الرئيس ومصداقيته في الخارج، فأي نظام يدعي
الديمقراطية يمكنه أن يدافع عن رئيس عنصري يؤمن بالنقاء العرقي؟
الغرام بالتجربة المصرية وخاصة تولي الجيش مقاليد الاقتصاد وإدارة الشركات
العمومية يبدو حلا مضمرا لدى الأجهزة، لكن أصداء الفشل المصري وصلت قبل أخبار
النجاحات، وليس أدل على ذلك من قيمة الجنيه المصري التي نزلت إلى درك العملات. هل
نجرب المجرب رغم تلك النتائج؟
الغرام بالتجربة المصرية وخاصة تولي الجيش مقاليد الاقتصاد وإدارة الشركات العمومية يبدو حلا مضمرا لدى الأجهزة، لكن أصداء الفشل المصري وصلت قبل أخبار النجاحات، وليس أدل على ذلك من قيمة الجنيه المصري التي نزلت إلى درك العملات. هل نجرب المجرب رغم تلك النتائج؟
هل تجد الأجهزة مخارج سياسية تهيمن بمقتضاها على العملية الاقتصادية بواسطة
أيادي التكنوقراط، وفيهم كثير يتربص بالمناصب دون خشية من عار سياسي. هذا ممكن،
لكن هل تحصل الأجهزة على سند خارجي يضمن لها التمويل الأجنبي؟
ماذا ستفعل الجهات الغربية وبالتحديد الولايات المتحدة بخصوص خطابها
المساند للديمقراطية؟ هل ستفاوض الأجهزة ثم تدعمها مقابل حالة استقرار سياسي تمنع
بالخصوص أساطيل الهجرة السرية التي تنتظر هدوء البحر المتوسط (رغم أن ذلك شاغل
أوروبي أولا)؟ لن تكون المرة الأولى التي تلحس فيها هذه الجهات خطابها وتنقلب على
الديمقراطيات الناشئة، ولفرنسا تاريخ طويل في ذلك ولديها وسائلها ضمن التكنوقراط
الذي ربته في جامعاتها ويكفي أن تشير بإصبعها لتجد حكومات جاهزة.
كان مطلوبا من الثورة تفكيك دولة الريع والمرور إلى حالة ليبرالية، وقد
عجزت فكان الانقلاب لتحقيق نفس الهدف ولا نراه يتقدم رغم رفع الدعم عن المواد
الأساسية بطريقة التقسيط المريح والآن (نقرأ تخبطه عجزا عن المرور إلى حسم أمر المؤسسات
المفلسة)، وهو ما يستدعي قوة أشد بأسا، لا تفاوض النقابات ولا الأحزاب التي هي
عنوان التردد الأبرز في ما يتعلق بالمسألة الاجتماعية والاقتصادية، وليس خطابها إلا
استنساخا لخطاب النقابة منذ السبعينات. هل يكلف الجيش والأمن بتفكيك دولة الريع؟
أذكر القارئ بأن الكتابة بدون معلومات تظل احتمالات معلقة، لكني في ظل
اليقين من عجز المعارضة المدنية عن التوحد والخروج بجناحيها وبسرعة في وجه
الانقلاب وأمام عجز الرئيس وتهافت سياساته، فإننا نتوقع أن تتحرك القوى الغربية
المهووسة بالأمن قبل الديمقراطية في اتجاه حل أمني يتحول بسرعة إلى حل دائم، أو
على الأقل إلى حدود تنفيذ برنامج تفكيك وهْم الدولة الاجتماعية الذي هو هدف كامن
وراء كل الحراك السياسي الذي عرفه البلد. لقد تلاشت فكرة الجيش
التونسي الذي لا
يمارس السياسة منذ دبابة البرلمان.
هل ستعجز اللغة العربية عن تبرير فعل مماثل؟ إني أسمع الجُمل الوطنية عن
إنهاء الفوضى وإحياء البلد وللعسكر تاريخ في الخطابة ولهم صوت العرب، خاصة بعد
التطهير العرقي.