نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للباحثة في مركز بيركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفونيا داليا داسا كاي، حذرت فيه من مخاطر حرب الظل التي تخوضها
إسرائيل مع
إيران.
وقالت في
تقرير ترجمته "عربي21"، إن "إسرائيل" طالما عبرت وبشكل واضح عن استعدادها لممارسة الضغط العسكري؛ لمنع إيران من إكمال مشروعها
النووي وصادرات الأسلحة، وفي الفترة الأخيرة المسيرات العسكرية.
ولكن شهية "إسرائيل" للمخاطر زادت في الأشهر الأخيرة. وأشارت لغارات الطيران الإسرائيلي في بداية كانون الثاني/ يناير استهدفت مواقع مؤيدة لإيران في مطار دمشق الدولي، وعطلته عن العمل مؤقتا.
وفي نهاية الشهر ذاته، استهدفت مسيرات إسرائيلية موقعا عسكريا في مدينة أصفهان الإيرانية. وجهزت تل أبيب ردا على أهداف مدنية في الخارج، حيث ردت إيران باستهداف ناقلة شحن تجاري في بحر العرب ويملكها رجل أعمال إسرائيلي، حسب المصادر الأمريكية. وفي الأسبوع الماضي، هاجم الطيران الإسرائيلي اجتماعا مهما للمسؤولين الإيرانيين في ضواحي دمشق.
وتعتبر الهجمات الأخيرة، مواصلة لأشكال المواجهات القديمة القائمة على الضرب والرد المضاد، ومضى عليها عقود، وأطلق عليها "حرب الظل".
وتوقفت الغارات لفترة قصيرة، عندما دخلت إيران في محادثات حول ملفها النووي مع الدول الغربية عام 2013. وظلت فترة الهدوء حتى خروج دونالد ترامب من اتفاقية عام 2015 أو خطة العمل المشتركة الشاملة عام 2018.
وواصلت "إسرائيل" العمليات العسكرية فيما عرفت باسم "حرب بين الحروب"، واستهدفت المليشيات الإيرانية وشحنات الأسلحة عبر العراق وسوريا وهي في طريقها لجماعات مثل حزب الله في لبنان.
وترى الباحثة أن فترة ترامب فتحت المجال لتحركات إسرائيلية أكثر وضوحا، وضربت بشكل متزايد الأهداف النووية في داخل إيران نفسها. ورحب معظم قادة إسرائيل بالعقوبات القاسية التي فرضتها إدارة ترامب على إيران.
وتلاشى هذا الموقف المشترك مع وصول إدارة بايدن التي استأنفت الدبلوماسية في محاولة لإحياء الملف النووي، لكن المواقف تغيرت الآن في
الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، ما زاد من مخاوف
التصعيد من جديد. ولم تتوقف تل أبيب عن هجماتها كما في السابق عند دخول الإدارة الحالية وحلفائها في محادثات مع إيران.
وفي البداية، كانت أفعال تل أبيب قابلة للاحتواء، وربما مفيدة لتشجيع إيران على العودة لطاولة المفاوضات وزيادة النفوذ الأمريكي فيها. وتم التعامل مع المواجهة بين الجانبين كحالة عادية من مشهد الشرق الأوسط. فقد كانت هناك قدرة على التحكم بالتصعيد، ولأن إيران لم تهتم كثيرا بالرد على الغارات الإسرائيلية أو لم تر ضرورة بالرد عليها، ولأن الإيرانيين كانوا مهتمين بالحصول على تنازلات في تخفيف العقوبات.
وانتهى الوضع الذي تلعب فيه الدبلوماسية دورا، ليس لإدارة بايدن ولكن الدول الأوروبية التي كانت ميالة للتعامل مع إيران. ولم تعد القيادة الإيرانية مهتمة بالدبلوماسية مع تقدم قدراتها النووية. ومن هنا لم تعد استراتيجية الردع داعمة للدبلوماسية، بل وتحولت استراتيجية الغرب وبشكل متزايد، ما يعني أن الإستراتيجية الصدامية الإسرائيلية أصبحت مقبولة.
ولعبت عدة عوامل محلية وجيو استراتيجية في هذا التحول، منها التظاهرات العامة في البلاد منذ أيلول/ سبتمبر إلى الحرب الأوكرانية وزيادة التعاون العسكري الإيراني- الروسي. وهي عوامل في الغالب أنها ستزيد من المواجهات بين إيران و"إسرائيل"، بشكل تزيد من مخاطر انتشار تداعيات النزاع للمنطقة بشكل أوسع، وتعرض ما تبقى من قوات أمريكية في كل من العراق وسوريا لمخاطر عظيمة.
وتراهن واشنطن على بقاء المواجهة في معدلات متدنية، وأنه يمكن تجنب مواجهة شاملة أو ثنائية. وترى الحكومة الأمريكية أن الردع ضروري في غياب الدبلوماسية من أجل منع التقدم الإيراني النووي والعسكري وعرقلته.
وتقوم الحسابات الإسرائيلية على فكرة عدم قدرة إيران على الرد نظرا لعزلتها ومكامن الضعف الداخلية والتنسيق مع الولايات المتحدة. مع أن التغيرات الإقليمية قد تتحدى هذه الافتراضات السائدة.
وتواجه الحكومة الإيرانية تحديات نابعة من وفاة مهسا أميني عندما احتجزتها الشرطة، ورغم ما يبدو من تلاشي التظاهرات بسبب سياسة القمع والسجن والقتل والإعدام للمتظاهرين، إلا أن الأسباب التي نقف خلف التظاهرات ستظل قائمة. وبدون تحسن للأوضاع الاقتصادية وغياب الإصلاحات، فمسألة عودة التظاهرات من جديد هي مسألة وقت.
وفي أجواء كهذه، سترى القيادة المتشددة في إيران أعداءها في كل زاوية، بما فيها دول الجوار. وشنت إيران هجمات ضد مناطق الأكراد في العراق، حيث تنظم الجماعات الكردية الإيرانية تاريخيا نفسها هناك. وتعتقد طهران أن عناصر كردية ربما سهلت من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. وكلما زادت الهجمات الإيرانية زادت الضغوط على الحكومة في بغداد والإدارة المحلية في أربيل لقمع نشاطات الأكراد الإيرانيين في وقت تتسم فيه السياسة العراقية بالهشاشة.
ووجهت إيران اتهامات لإسرائيل بإثارة التظاهرات والاضطرابات داخل البلاد. وردت إيران في الماضي من خلال استهداف الإسرائيليين في الخارج. وأحبطت إسرائيل في العام الماضي سلسلة من الخطط واحدة منها في تركيا.
ولو أدت هجمات إيران لعدد من القتلى الإسرائيليين، فإننا لا نعرف كيف سترد إسرائيل.
ولا نعرف أيضا متى وكيف سترد إيران لأنها ستتعامل مع الهجمات الإسرائيلية على أنها تهديد للنظام نفسه. وخلق فشل المحادثات النووية رغم 18 شهرا من الجهود الدبلوماسية وضعا جديدا، لم تعد فيه المفاوضات على الطاولة، في وقت وصلت فيه إيران لعتبة إنتاج القنابل النووية، بعدما زادت من قدراتها وعمليات تخصيب اليورانيوم.
ولم يعد المجتمع الدولي قادرا على معرفة التطورات في داخل البرنامج النووي بسبب رفع القيود التي فرضتها الاتفاقية النووية وبرامج التفتيش الصارم للمنشآت النووية، ما يعني عدم تمكن العالم من معرفة الوقت الذي تقرر فيه إيران تحويل برامجها النووية إلى عسكرية نووية.
وربما احتاجت إيران وقتا لتطوير أسلحة نووية، إلا أن غياب الوضوح وفي المرحلة الانتقالية، قد تفكر "إسرائيل" بضرب المنشآت النووية وإرجاع الجهود إلى الوراء، وأبعد مما فعلته عمليات التخريب والهجمات الإلكترونية.
ولا يعرف إن كان لدى الولايات المتحدة القدرة أو الاستعداد لضبط إسرائيل لو قررت الهجوم. وأضافت الحرب في أوكرانيا بعدا جديدا للتصعيد، حيث أكد الدعم العسكري الإيراني لروسيا وإمدادها بالمسيرات القتالية على فكرة أن إيران لاعب معاد. بل وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تأطير الهجمات على إيران بأنها مساعدة إسرائيلية لجهود أوروبا ضد روسيا، رغم أنه نسي الحديث عن تردده في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.
وربما ترددت أمريكا بمساعدة الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، ونفت في الماضي أي دور فيها، إلا أنه وفي ظل المناخ الحالي باتت فكرة الردع جذابة، خاصة أن أمريكا وحلفاءها يريدون إضعاف القدرة العسكرية الروسية. وربما لن تعترض واشنطن على أي هجوم إسرائيلي في العمق الإيراني.
وفي الوقت ذاته، يتزايد التعاون العسكري الأمريكي- الإسرائيلي، ما يؤشر لعدم معارضة أمريكية، بل مساعدة للهجمات الإسرائيلية. وعقد البلدان مناورات عسكرية ضخمة ضمت على ضرب أهداف عسكرية بعيدة. وليس من الصعب تفسير المناورات بأنها رسالة ردع لإيران، مع أن الهدف المعلن منها هو تأكيد الفاعلية الأمريكية للأزمات في المنطقة، وتطمين شركائها في المنطقة باستمرار التزامها بتوفير الحماية الأمنية لها.
ومع تأكيد مسؤولين في إدارة بايدن أن المفاوضات النووية لم تعد أولوية، فالمناورات هي رسالة عن عودة أمريكا للردع كسياسة فعلية. ورغم عدم الرغبة في الخيار العسكري إلا أنه عاد إلى الطاولة.
وقال السناتور الديمقراطي كريس فان هولين، الذي دعم الدبلوماسية النووية، إن نزاعا جديدا قد يكون "وضعا رهيبا جدا جدا"، لكنه "يظل خيارا".
وربما افترصت واشنطن أن دول التطبيع في الخليج قد ترحب باصطفافها مع إسرائيل، ذلك أن فكرة التطبيع قامت على فكرة العداء المشترك لإيران والمخاوف من القدرات الصاروخية والمسيرات. لكن دول خليجية تعتبر في مقدمة التطبيع مثل الإمارات لا تبدو متحمسة للضغط العسكري على إيران. وتخشى أن تكون هدف الانتقام الإيراني وليس "إسرائيل"، كما ظهر في الهجمات على المنشآت النفطية في السعودية وقصف أبو ظبي بالصواريخ المصنعة إيرانيا.
ووضعت أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ "إسرائيل" حلفاءها العرب في وضع صعب؛ بسبب تصعيدها مع الفلسطينيين. وربما دفع الجو المحتقن بسبب ممارسات تل أبيب دولا للإحجام عن الانضمام إلى التطبيع، بل وسيدفع دولا مثل الإمارات للحذر في التعامل مع أي تحالف عسكري مع أمريكا تشترك فيه إسرائيل.
ورغم ترحيب دول مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع أمريكا في مجال الدفاع الصاروخي وتشترك معها بالمخاوف من إيران، إلا أن هذه الدول تركت الباب مفتوحا على مصراعيه للمحادثات مع إيران، وهو ما حدث مع السعودية التي أجرت محادثات معها. كما واستقبل العراق والأردن قمما إقليمية شاركت فيها إيران. ورفعت الإمارات مثل الكويت من مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران بعد ست سنوات من قطع العلاقات. وحتى حلفاء أمريكا مثل الأردن والإمارات طبعوا العلاقات مع نظام بشار الأسد.
إلا أن المخاوف في المناطق المنطقة، وبخاصة حلفاء أمريكا من حرب جديدة، لن يمنع إسرائيل وأمريكا من محاولة منع التقدم في البرنامج النووي. فمع تجمد المحادثات وفشل العقوبات بتغيير سلوك النظام في طهران، فواشنطن ميالة لدعم أي عمليات تقوم بها إسرائيل ضد أهداف عسكرية داخل إيران.
لكن استراتيجية الردع ليس ناجعة دائما، وعلى إدارة بايدن ودول أوروبا تحضير نفسها لردود أبعد وانتشار واسع؛ لأن حكام طهران يرون في أي عمل عسكري محاولة لتغيير النظام. ولأن روسيا لن تسعى لضبط إيران بسبب الحرب في أوكرانيا، فالتصعيد هو خيار خطر وكلفته عالية.
ولا بد من الحفاظ على قنوات الاتصال لمنع تطور الوضع، ففي الوضع الحالي لا يمكن الاتصال مباشرة مع إيران بسبب القمع الداخلي، لكن هناك قنوات أخرى مثل قطر التي تتوسط في موضوعات مثل تبادل الأسرى. ويمكن لأمريكا وأوروبا الاستفادة من هذه القناة لإيصال رسائل تتعلق بهجمات بعينها تجنبا للتصعيد. ويجب على الدول الغربية تطوير استراتيجية لما بعد الاتفاقية النووية. وفي غياب هذا فالعمليات العسكرية ستملأ الفراغ بطريقة لا تقود إلى نتيجة جيدة لإيران والمنطقة والمصالح الغربية.