أثار رفض الولايات المتحدة إبداء أي تجاوب مع مطالبات بغداد في تأجيل تطبيق نظام "
سويفت" لمراقب حركة الدولار، العديد من التساؤلات عن أسباب التشدد الأمريكي حيال الموضوع، وفيما إذا كانت واشنطن تستخدم ورقة الاقتصاد من أجل فك الهيمنة
الإيرانية على العراق.
وبعد عودة وفد العراق إلى بغداد بعد زيارة إلى واشنطن استمرت نحو أسبوع، بدءا من 9 شباط/ فبراير الجاري، وجّه
البنك المركزي العراقي بإلزام جميع المصارف بالتعامل مع "المنصة الإلكترونية" (سويفت)، والتي اعتبرها محافظ البنك، علي العلاق، "حماية للقطاع المصرفي بالبلد".
تحقيق التوازن
وتعليقا على ذلك، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي، إحسان الشمري، إن "امتثال العراق لاشتراطات البنك الفيدرالي تمثل بما لا يقبل الشك خطوة متقدمة لحماية الثروات العراقية، وهذا يرتبط بأسباب عديدة، منها عمليات تهريب الدولار الذي استفز الولايات المتحدة".
وأوضح الشمري في حديث لـ"عربي21" أن "الولايات المتحدة الأمريكية كانت متمسكة بشكل كبير لم تبدِ فيه أي مرونة تجاه منح مهلة في تطبيق المنصة الإلكترونية، إضافة إلى عدم السماح بوصول أي دعم من رصيد الدولارات العراقي إلى كل من إيران وروسيا".
وأشار إلى أن "الموضوع قد لا يرتبط بالعراق في مسألة التضييق الاقتصادي بقدر ما أنه تضييق موجه ضد إيران، خصوصا أن الأخيرة استطاعت في السابق الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والحصول على الدولار عن طريق العراق".
ورأى الشمري أن "ائتلاف إدارة الدولة، والإطار التنسيقي التي تبنى تشكيل الحكومة الحالية، يدرك جيدا أن العودة إلى عهد مشابه لما كانت عليه حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، التي انكفأت على إيران، قد كلفها الكثير".
وأردف: "بالتالي تجد هذه الأطراف العراقية أن الذهاب نحو التوازن مع الولايات المتحدة الأمريكية قد يساهم في استقرار معادلة السلطة التي رسمها ائتلاف إدارة الدولة، الذي يضم (الإطار التنسيقي الشيعي، وتحالفي السيادة والعزم السنيين، والحزبين الكرديين الديمقراطي والاتحاد الوطني)".
وخلص الشمري إلى أنه "في نهاية الأمر، فإن هذا التوازن غير مقبول من بعض الأطراف داخل الإطار التنسيقي (الشيعي)، ما قد يولّد أزمة حقيقية في المستقبل للحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني".
وأفضى اجتماع ضم قوى "الإطار التنسيقي"، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عقد الاثنين في بغداد، إلى توصيات تؤكد على أهمية تفعيل "اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن"، التي وصفها البيان بأنها بين "الشعبين الصديقين".
ووقع العراق والولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، اتفاقية بين البلدين أطلق عليها "الإطار الاستراتيجي"، ودخلت حيز التنفيذ في شهر يناير/ كانون الثاني من العام التالي 2009.
وترسي هذه الاتفاقية واسمها الكامل: "اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق" أسس تعاون مشترك وطويل المدى بين البلدين في سبعة مجالات رئيسية هي: "السياسة والدبلوماسية، الدفاع والأمن، الثقافة، الاقتصاد والطاقة، الصحة والبيئة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تطبيق القانون والقضاء".
خنق أمريكي
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي مخلد حازم لـ"عربي21" إن "ذهاب الوفد العراقي إلى أمريكا لم يأت بثمار ما كان يطمح إليه البنك المركزي، ذلك لأنهم ذهبوا للحصول على بعض التمديدات في عمل المنصة الإلكترونية الجديدة لمراقبة العملة".
وأضاف حازم أن "وزارة الخزانة الأمريكية رفضت رفضا قاطعا إبداء أي مرونة في هذا الصدد، وأصرت على العمل ضمن المنصة الإلكترونية، لأن قيمة ما جرى تهريبه من أموال كان مرتفعا، إذ توصل الأمريكيون إلى أن هذه الأموال تذهب إلى إيران وروسيا، بل دخلت في صناعة الطائرات المسيرة، والتي تعتبرها الولايات المتحدة خطرا في الحرب الروسية".
وأوضح الخبير العراقي أن "الولايات المتحدة رأت أن استمرار تهريب الأموال العراقية وذهابها إلى تللك الجهات يشكل خطرا عليها، بالتالي فرضت واشنطن على الجانب العراقي خلال المحادثات أمورا بعيدة ما عدا المنصة الإلكترونية والعمل بها، على اعتبار أنها طُبقت وانتهى الأمر".
ولفت إلى أن "هناك اتفاقات قد أبرمت في واشنطن بين الوفد العراقي والمسؤولين الأمريكيين، وسيتم بموجبها مرور جميع الاستثمارات العراقية عن طريق الجانب الأمريكي، سواء فيما يتعلق بموضوع الطاقة أو غيرها من الاستثمارات".
وأشار حازم إلى أن "العقود التي أبرمها العراق مع ألمانيا وفرنسا، خلال الأيام القليلة الماضية، لن تتم إلا عن طريق موافقة الجانب الأمريكي، وبالتالي أغلقت الأخيرة الطرق أمام أي استثمارات يمكن أن يذهب بها العراق إلى جهات أخرى"، بحسب قوله.
هاجس الاقتصاد
ورغم حديث وزير خارجية العراق، فؤاد حسين، خلال مؤتمر صحفي في بغداد، الاثنين، أن الزيارة كانت إيجابية -دون الكشف عن نتاجها- إلا أن سفير واشنطن السابق في بغداد، دوغلاس سليمين، أكد أن الهاجس الاقتصادي وتهريب الدولار كان مسيطرا بالكامل على التفكير الأمريكي.
وأوضح السفير الأمريكي السابق خلال مقال نشره موقع "معهد دول الخليج العربية في واشنطن"، الجمعة، أنه "ثمة رواية قوية في واشنطن بأن حكومة السوداني متواطئة في توسيع النفوذ الإيراني في العراق".
وأشار إلى أن "وزير الخارجية، فؤاد حسين، أوضح أن تصرفات رئيس الوزراء ضد الأهداف الإيرانية في العراق، لا سيما بيانه العلني في كانون الثاني/ يناير الماضي، بدعم استمرار الوجود الأمريكي في العراق".
وبحسب سليمين، فإن "وفد العراق تحدث بأدب من أجل دعوة السوداني لزيارة البيت الأبيض في المستقبل غير البعيد كإشارة على دعم واشنطن، وهو أمر قالوا إنه يمكن أن يساعد رئيس الوزراء في اتباع سياسات، مثل الإصلاح الاقتصادي والإداري، التي لا تملك دعم الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران".
وسبق أن اتهم النائب عن قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي، عقيل الفتلاوي، الإدارة الأمريكية بفرض الإرادة والابتزاز عبر تطبيق "سويفت"، مبينا أن واشنطن تجاوزت مرحلة الهيمنة العسكرية، واتجهت نحو الهيمنة الاقتصادية عن طريق تلك المؤسسات تحت الغطاء الأممي، ومنها البنك الدولي ونظام "سويفت".
وقال النائب عقيل الفتلاوي، خلال تصريح له في 9 شباط/ فبراير الجاري، إن "تلك المؤسسات نموذج سيئ للهيمنة وتجويع الشعوب"، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة في الوقت الحاضر ما زالت العنصر المقيد والضاغط على الاقتصاد العراقي، خاصة بعد خروج العراق من البندين السابع والسادس".