نشرت مجلة
"
فاينانشال تايمز" البريطانية مقال رأي للكاتب برايت سيمونز تحدث فيه عن
جدوى إلغاء ديون
أفريقيا وسط ضعف مؤسسات الدولة وغياب المحاسبة وفشل المبادرات
السابقة لإلغاء الديون.
وقال الكاتب،
في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن إجمالي رصيد الدين العام في أفريقيا
في سنة 2002 ارتفع إلى ما يقارب 300 مليار دولار مقارنة بـ 40 مليار دولار قبل
عقدين من ذلك، وهو ما جعل حملات اليوبيل مصرة على الإلغاء الفوري لهذه الديون
بموافقة من البابا.
وعادت حملات
المطالبة بإلغاء الديون بعد أن تجاوز الدين الخارجي لأفريقيا 700 مليار دولار، ليوافق
البابا مرة أخرى على ذلك. لكن تكرر نفس السيناريو سيجعل الأمور تبدو كأن شيئًا لم
يحدث على الإطلاق في العشرين عامًا الماضية.
وبعد ما طال
الصيغ السابقة وما تلاها من تبادل للأفكار من انتقادات شديدة، ضُخّت موارد إضافية
تقدر بـ 125 مليار دولار في البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، مع دعم المبادرة
متعددة الأطراف لتخفيف عبء الديون التي أنشأتها مؤسسات بريتون وودز وشركاؤهم من
البلدان الغنية في سنة 2005.
وما بين 2000
و2015، ألغيت أجزاء كبيرة من الديون الإجمالية لـ 31 دولة أفريقية (من أصل 36 دولة
مستفيدة). فمثلا ألغيت 90 بالمئة من الديون الخارجية لكل من مالاوي وليبيريا،
وتلقت سيراليون إغاثة بنسبة 95 في المائة، بينما سجلت الاقتصادات الأكبر مثل غانا
انخفاضًا طفيفا في الديون عن نسبة 70 في المئة.
وبناء على هذه
المعطيات، يرى الكاتب أنه من الغريب إطلاق حملة جديدة لإلغاء الديون تتجاهل الدروس
المستفادة من الجولات السابقة لتخفيف الديون وتأثيرها على التحول والنمو
الاقتصادي.
وقد اعتُبرت
بعض البلدان الأفريقية - بما في ذلك
كينيا وأنغولا ونيجيريا - غير مؤهلة للانضمام
إلى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون لأسباب مختلفة. لكن لم يكن أي منها من
بين البلدان التي اضطرت إلى السعي لإعادة هيكلة الديون مؤخرًا.
ورغم ضبابية
الصورة، لا يمكن تفويت التحولات الكبرى على مستوى تمويل التنمية العالمية. وقبل
ثلاثة عقود، كانت بلدان أفريقيا جنوب الصحراء مدينة بنحو 80 في المئة من ديونها
لما يسمى بالدائنين الرسميين - البلدان الغنية والمؤسسات المالية متعددة الأطراف.
وحسب تقدير
الكاتب، فإن البلدان التي تعاني من أكبر أعباء الديون تدين اليوم بأكثر من 70 في
المئة من التزاماتها تجاه مستثمري القطاع الخاص المحليين ومالكي السندات الدوليين
والبلدان غير الغنية مثل الصين والهند وتركيا. ومهما كانت مزايا حملات إلغاء
الديون، فإن حجج الأمس تبدو غير مناسبة اليوم.
وبدأت الجهود
الجذرية لإعادة هيكلة ديون غانا في الأسابيع الأخيرة على الصعيد المحلي في كانون
الأول/ ديسمبر الماضي. وشملت هذه الجهود أصحاب المعاشات والنقابات العمالية الذين
أصروا على عدم تخصيص فلس واحد من ممتلكاتهم من السندات لدعم جهود الحكومة لتخفيف
الديون، علما بأن 75 في المئة من نفقات خدمة ديون غانا مخصصة للدائنين المحليين.
فما الهدف من حملة إلغاء ديون تفشل في معالجة هذا الواقع؟
الآن بعد أن
أصبح دائنو نادي باريس وبريتون وودز مسؤولين عن نسبة أقل بكثير من الديون، تركز
بعض الحملات بشكل أكبر على الدائنين التجاريين في الغرب. ومع أن البنوك الغنية
تمتلك بالفعل بعض السندات السيادية الأفريقية، إلا أن الكثير منها تملكه الصناديق
المؤسسية التي تأتي أموالها من أصحاب المعاشات والعمال العاديين.
ويعتقد الكاتب
أن حملة الإلغاء في الظروف الحالية يجب أن تهدف إلى أكثر من مجرد الإشارة إلى أن
الدائنين لن يطالبوا بأموالهم. ولا يمكن التغاضي عن مدى وجاهة الحجة الإنسانية حول
كيفية استنزاف خدمة الديون المرتفعة لأموال الخدمات الاجتماعية، لا سيما في بلدان
مثل غانا ونيجيريا حيث تقترب تكاليف خدمة الديون من 70 في المئة من عائدات الضرائب
المحلية. ولكن لا يمكن أيضا منع طرح أسئلة حول مآل عائدات المليارات التي تم
اقتراضها.
واجه قادة
غانا، مثلا، انتقادات على نطاق واسع لإعطاء الأولوية لتمويل مشاريع
"كاتدرائية وطنية" و"متحف الكتاب المقدس" و"حدائق الكتاب
المقدس" بتكلفة تزيد عن مليار دولار في خضم عملية إعادة هيكلة الديون
المتعثرة. ورغم التأكيدات المتكررة لصندوق النقد الدولي، الذي قدم خطة إنقاذ
للبلاد كل أربع سنوات تقريبًا منذ الاستقلال لتمرير جميع مدخلات الإنفاق العام عبر
منصة محاسبة وطنية، إلا أن ما يقارب 90 في المئة من نفقات جائحة كورونا تجاوزتها.
وذكر الكاتب
أن الخبيرة الاقتصادية غانية المولد إليزابيث أسيدو نشرت في سنة 2003 بحثًا توقعت
فيه أن تخفيف عبء الديون سيكون له تأثير ضئيل على البلدان الفقيرة المثقلة بالديون
بسبب ضعف مؤسساتها. ويبدو أن هذا التوقع يفسر ما يحدث اليوم. ورغم جاذبيته من الناحية
العاطفية، فإن إلغاء الديون وحده لن يشجع أو يعزز الجهود للمطالبة بمساءلة أقوى
وفرض إصلاح مؤسسي مطلوب بشدة.