حقوق وحريات

منظمة حقوقية: تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب محدودة

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: استمرار الإفلات من العقاب يشجع على تكرار انتهاكات حقوق الإنسان (الأناضول)
رأت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن تجربة "العدالة الانتقالية المغربية" بعد أكثر من 17 سنة على انطلاق مسلسلها، "ظلت موضوعيا محدودة ولا تستوفي كل المعايير المتطلبة فيها، وليست تجربة رائدة وغير مسبوقة في تجارب العدالة الانتقالية العالمية، كما تقدمها الدولة ومروجو ومسوقو خطابها".

وأكدت الجمعية في بيان لها أصدرته بمناسبة مرور 17 سنة على إطلاق مسلسل ما يُعرف بـ "الإنصاف والمصالحة"، أن ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب لا زال مفتوحا؛ وهو ما يستدعي من الدولة المغربية العمل في اتجاه التجاوب مع المطالب الدنيا للحركة الحقوقية المغربية.

وطالبت الجمعية الدولة المغربية بتشكيل آلية وطنية مستقلة للحقيقة، هدفها مواصلة الكشف عن الحقيقة في كافة ملفات الاختفاء القسري العالقة، ووضع حد للمعاناة المستمرة لعقود من الزمن لعائلات المختطفين مجهولي المصير.

وطالبت الجمعية بجبر الأضرار الجماعية المناطقية، وما تبقى من الأضرار الفردية وأساسا منها الحالات المسجلة خارج الأجل، وكذا ملفات الإدماج الاجتماعي والرعاية الصحية؛ والاعتذار الرسمي والعلني للدولة المغربية للضحايا والمجتمع من خلال ممثلها الأسمى وهو الملك؛ وحفظ الذاكرة، بدءا بالتحفظ على أماكن الاختطاف والاعتقال التعسفي.

كما دعت الجمعية الدولة المغربية إلى تصديق الدولة على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي لم تصادق عليها بعد، وعلى الخصوص البروتوكول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ورفع التحفظات والإعلانات التفسيرية المتعلقة باتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والاستجابة لتوصيات لجان المعاهدات والمقررين الأمميين والتوصيات الأخيرة للاستعراض الدوري الشامل؛ والتعجيل بالقيام بالإصلاحات المؤسساتية والقانونية والتربوية ووضع استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب، حتى لا يتكرر ما جرى ويجري لحد الآن، في أفق تشييد وبناء دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق.

ورأت الجمعية أن تجربة "العدالة الانتقالية المغربية" تأسست على أنقاض تجربتين، الأولى؛ هيئة التحكيم لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، "التي اختزلت معالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في جبر الضرر الفردي وبشروط مجحفة". والثانية؛ العمل الذي نهضت به تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة.

وذكرت الجمعية أن هذه التجربة تختلف عن التجارب العالمية الأخرى، من حيث إنها محملة بعدد من "المفارقات الغريبة"، مشددة على أن إنشاء هيئة لمعالجة ملف ماضي الانتهاكات، "لم يأت بناء على تحول سياسي فعلي، بل جاء في إطار استمرارية نفس النظام الذي عرف انتقالا للسلطة فقط، وجاء محملا، في بداية عهده، بوعود لم تتحقق، فيما ظل جوهره الاستبدادي على حاله، حتى في دستور تموز / يوليو 2011".

ولفت البيان الانتباه إلى أنه من المفارقات، اعتبار الفلسفة التي قام عليها مسلسل الإنصاف والمصالحة والمتمثلة في عدم التكرار في الحاضر والمستقبل، "تزامن عند انطلاق عمل الهيئة مع تجدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بعد الأحداث الإرهابية في 16 أيار / مايو 2003 بالدار البيضاء".

وقد صاحب تلك الأحداث ـ وفق البيان ـ اعتقالات شملت الآلاف ممن سموا بالسلفية الجهادية، واختطافات مع التعذيب المؤدي إلى الموت، وإقامة للمحاكمات غير العادلة بقانون مكافحة الإرهاب، وهو ما تراه الجمعية ما يزال مستمرا.

وفي مفارقة أخرى، ترى الجمعية أن استمرار الإفلات من العقاب "يشجع على تكرار الانتهاكات، خاصة مع وجود مسؤولين عن الانتهاكات في الماضي، ما زالوا يحتلون مواقع رئيسة في الأجهزة الأمنية والمخابراتية المختلفة، بل وتتم ترقيتهم".



يذكر أن هيئة الإنصاف والمصالحة هي لجنة مغربية لحقوق الإنسان والحقيقة والمصالحة أنشئت بموجب مرسوم ملكي في السابع من كانون الثاني / يناير 2004 بهدف مساعدة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والنظر في عددٍ من القضايا بما في ذلك قضايا التعذيب والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية التي ارتكبها المخزن (النخبة الحاكمة) خلال سنوات الرصاص، وتعزيز حقوق الإنسان في المغرب.

حقَّقت اللجنة في ما يقربُ من 20.000 حالة وقدمت عديد التوصيات للدولة بناءً على الحالات التي نظرت فيها بما في ذلك توصيتها للدولة بتقديمِ تعويضاتٍ (مالية ونفسية وطبية واجتماعية) وكذا التوصيّة بتعديل الدستور والتصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فضلًا عن توصيّات أخرى.

وأكملت هيئة الإنصاف والمصالحة مهامها بتقديم تقريرها النهائي إلى ملك المغرب في كانون الأول / ديسمبر 2005، وقد نشرت منظمة العفو الدولية نقداً مفصلاً لعمل اللجنة ومتابعتها.