أول ما يلفت انتباه الزائر إلى
الشمال السوري المحرر، حُسن
الاستقبال على معبر باب الهوى الذي يتألق جمالاً ونظافة، تدعمه بذلك بنى تحتية من
صالات مغادرين وقادمين، وأجواء تعكس حسن الترتيب والإدارة، وقبل هذا الأمن الكامل
الذي لم ينغصه طوال سنوات شيء، باستثناء قصف طيران الاحتلال الروسي المجرم. وما
إن يواصل الزائر مشواره باتجاه
إدلب حتى يجد طريق الأوتستراد المضاء في الوسط وعلى
الجانبين. تتوسطه جزيرة جميلة مزروعة بشجر النخيل الذي تم جلبه من الجزيرة السورية.
ويواصل الزائر تعمقه إلى إدلب حيث الشارع على اليسار
متجهاً إلى أطمة، والتي زرتها أيضاً هذه المرة، فكانت المفاجأة الكبرى بالنسبة لي
ولقريبي السائق، حيث ظهر لنا حجم الفارق الكبير في حالتها وحال طريقها، بين سنوات
ماضية زرتها حيث كانت رحلة عذاب حقيقية، ورحلة اليوم، فقد اختصر الطريق المعبّد
الجديد المسافة كثيراً، مما وفّر فرص عمل للمئات من الذين اشتغلوا في الطريق،
وحسن من الظروف الاقتصادية للقرى والبلدات الموجودة على جانبيه، فضلاً عن التسهيل
على حركة الرائحين والقادمين.
نهضة الخدمات التي يعيشها الشمال السوري المحرر رغم قلة الإمكانيات والموارد، وكلها من خلال الاعتماد على الذات، نهضة لافتة ومميزة، ويلمسها الزائر بسهولة
المدينة الصناعية التي استأجر الكثيرون محلاتها،
والواقعة قرب الحدود التركية، تستعد أيضاً لإطلاق ثانوية المهن الصناعية وذلك لرفد
المدينة بالإمكانيات والكوادر البشرية، مما سيوفر فرص عمل حقيقية لأعداد ضخمة من
المقيمين في الشمال السوري المحرر، وهو ما سيساعد في انتشال شبابه وعائلاته من
الفقر والجوع والحرمان. ومما أشاع الأمل أكثر ما تردد أخيراً عن إقدام مئات من
الشباب السوري العائد من تركيا طواعية وهو يمزق هوية إقامته (الكيملك)، مصمماً على
العيش في الشمال السوري المحرر والعمل فيه.
نهضة
الخدمات التي يعيشها الشمال السوري المحرر رغم
قلة الإمكانيات والموارد، وكلها من خلال الاعتماد على الذات، نهضة لافتة ومميزة،
ويلمسها الزائر بسهولة، فالكهرباء التي غطّت كل أجزاء المحرر تقريباً بحيث انتشرت
أكثر من 200 ألف ساعة كهرباء، لتتبقى حاجته لـ200 ساعة، أشعر أهالي الشمال السوري
المحرر بالنعمة الكبيرة بوجودها، وهو الأمر الذي سهّل عليهم الكثير من حياتهم،
فانعكست إيجاباً على حياتهم اليومية في بيوتهم من انعكاس على المطبخ والدراسة
والعمل وغير ذلك، لا سيما حين يقارنون بين حالة مناطق النظام السوري وما تعانيه
تلك المناطق من صعوبة العيش وانعدام الكهرباء، بل وحتى بين ما كانوا عليه وما هم
عليه اليوم.
وعلى الرغم من انقطاع متقطع لبعض المحروقات، لكن
موادها لا تزال بالمجمل متوفرة في المحرر، لا سيما فيما يتعلق بمواد التدفئة.
وتستعد حكومة الإنقاذ السورية في الشمال المحرر اليوم إلى إطلاق حملة ضخمة لتدفئة
32 ألف عائلة، بحيث توفر لها مواد المحروقات، على مدى فصل الشتاء، وسيكون التركيز
في الحملة حسب التسريبات على مناطق التماس مع النظام ثم المخيمات، وهو مشروع ضخم
سيصنع فرقاً حقيقياً في ظروف الناس الاقتصادية الصعبة.
إدلب المدينة التي كانت منسية ومهملة بحسب تعبيرات ومصطلحات
النظام السوري، وذلك انتقاماً وثأراً للإهانة التي ألحقتها به يوم زار رئيس النظام
المؤسس حافظ الأسد لأول مرة المدينة عام 1970 وتم قذفه بالحذاء وبالبندورة، والتي
تعد عاصمة الشمال المحرر، تعيش نهضة نسبية وتحديداً في نظافة شوارعها، وترتيب
أسواقها، وتجديد بعض المباني الضخمة التي تعرضت للقصف البربري الأسدي والروسي والإيراني.
وعلى رأس هذه المباني المركز الثقافي في المدينة الذي يعد صرحاً ثقافياً مميزاً،
وهناك الصرح المكتبي وهو كتاب كافيه بالقرب من فندق كارلتون الذي دمرته العصابات
الأسدية بطائراتها، ولاحقته حتى طائرات المحتل الروسي، ليتحول اليوم إلى صرح يضج
بالحياة والنشاط والندوات، يلجأ إليه الطلبة والطالبات للدراسة في أجواء هادئة
جميلة، وكان قد استضاف قبل فترة معرض كتاب مميزا شاركت فيه دور نشر تركية.
الكل هنا يقارن بين حالة مناطق النظام السوري والحالة التي وصل إليها الشمال المحرر، من حيث الكهرباء وحالة الجامعات، والشوارع، وحالة البناء، حيث يومياً نشهد هروب مقيمين عند النظام إلى مناطق الشمال
ومن الأدوات الناعمة التي يحق للمحرر الافتخار بها؛
جامعة إدلب التي تحتضن اليوم أكثر من 22 ألف طالب وطالبة، ضمن 19 كلية مميزة، ويقف
عليها أساتذة كبار ممن انشقوا عن النظام السوري. ومما لفت انتباهي قول عميد كلية
الهندسة المعمارية الدكتور عبد الرزاق الحسين؛ إن عدد الطالبات في الكلية يصل إلى
125 طالبة، بينما عدد الطلاب لا يتجاوز الثلاثين طالباً، وهو أمر يعكس حالة
التمكين الحاصلة للمرأة في الشمال السوري المحرر، ولعل هذا موضوع آخر ينبغي التطرق
إليه.
الكل هنا يقارن بين حالة مناطق النظام السوري والحالة
التي وصل إليها الشمال المحرر، من حيث الكهرباء وحالة الجامعات، والشوارع، وحالة
البناء، حيث يومياً نشهد هروب مقيمين عند النظام إلى مناطق الشمال المحرر، ولعل
هروب التجار ورؤوس الأموال أكثر ما ألحق الضرر بالنظام، حيث يفر هؤلاء إلى الشمال
المحرر، وقد عزم بعضهم على الأقل قراره في الاستثمار هنا، لا سيما مع توافر
التسهيلات، وانتفاء الضرائب والإتاوات.
طبعاً كل هذا لا ينفي وجود حالة مخيمات صعبة يعيشها
ملايين
النازحين، وإن كان التفات منظمات الإغاثة التي تنسق مع حكومة الإنقاذ في
تسليم آلاف الشقق لساكني المخيمات يعكس حالة من الاهتمام والانتباه لهذه المخيمات،
مع بقاء الكثيرين تحت خيام لا تقي برداً ولا حراً، وهو أمر لا يمكن حلّه دون عودة
طوعية بعد رحيل سبب وجذر المشكلة وهو وجود النظام السوري.