نشر موقع "
ميدل إيست آي" مقالا للكاتبين كارلوتا ريناودو، وزينو ليوني، عن زيارة الرئيس الصيني، شي جينبينغ، إلى المملكة العربية السعودية، والتقارب الخليجي الصيني، والصفقات الكبيرة التي من شأنها أن تعزز العلاقات الخليجية الصينية، وتزيد من التحدي الذي تواجه به الهيمنة الأمريكية.
وقال الكاتبان: "منذ بداية جائحة كوفيد 19، لم يغادر الرئيس شي جين بينغ الصين إلا مرة واحدة، عندما زار قازختسان وأوزبكستان في سبتمبر / أيلول 2022. والثانية كانت إلى الرياض للقاء نظرائه السعوديين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في إشارة إلى أهمية الزيارة".
وأضافا: "الإعلان عن انعقاد قمة صينية عربية أمر مهم، خاصة أنها تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين الرياض وواشنطن حالة من الشد، وبذلك يمكن اعتبارها شهادة على التحول الحاصل في ديناميكيات القوة داخل منطقة الخليج، ومهمة جداً من حيث تقييم المصالح التي سيتم التداول بشأنها، ونقاط التلاقي التي سوف يتم التأكيد عليها. فما الذي تريده
الصين؟ وماذا عن الممالك الخليجية؟ وبالذات، ماذا عن المملكة العربية
السعودية؟"
وفيما يلي نص المقال كما ترجمته "عربي21":
قمة الصين والعرب: ماذا يوجد على الطاولة؟ ربما مستقبل الخليج
اتفاق تجارة حرة محتمل، وصفقات نفط باليوان، وعضوية في كتلة بريكس زائد، كل ذلك من شأنه أن يعزز العلاقات الخليجية الصينية ويزيد من التحدي الذي تواجه به الهيمنة الأمريكية
منذ بداية جائحة كوفيد 19، لم يغادر الرئيس شي جين بينغ الصين إلا مرة واحدة عندما زار قازختسان وأوزبكستان في سبتمبر / أيلول 2022. من المقرر أن يقوم هذا الأسبوع برحلة ثانية، حيث سيهبط في الرياض ليلتقي بنظرائه السعوديين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
بمناسبة زيارة شي جين بينغ، قررت المملكة العربية السعودية استضافة أول قمة صينية عربية على الإطلاق، والتي من المقرر أن تنعقد في التاسع من ديسمبر / كانون الأول. بالرغم من عدم تقديم أي تفاصيل أخرى إلا أن بطاقات الدعوة وجهت إلى زعماء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كثيرون يتساءلوا ما الذي يمكن توقعه من هذه القمة.
الإعلان عن انعقاد قمة صينية عربية أمر مهم، وخاصة أنها تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين الرياض وواشنطن حالة من الشد، وبذلك يمكن اعتبارها شهادة على التحول الحاصل في ديناميكيات القوة داخل منطقة الخليج، ومهمة جداً من حيث تقييم المصالح التي سيتم التداول بشأنها، ونقاط التلاقي التي سوف يتم التأكيد عليها. فما الذي تريده الصين؟ وماذا عن الممالك الخليجية؟ وبالذات، ماذا عن المملكة العربية السعودية؟
وكما سنرى، تتلاقى أهداف الصين ودول الخليج في العديد من المجالات، بما يعني أن القمة يتوقع لها أن تفرز أوجه جديدة للتآزر.
مرت المحادثات حول اتفاق تجارة حرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين بطريق طويل ومليء بالمطبات، فقد بدأت في العام 2004، ثم ما لبثت أن توقفت في عام 2009، واستؤنفت من بعد في عام 2016، لتتوقف ثانية في عام 2017، عندما وصلت الانقسامات بين دول مجلس التعاون الخليجي ذروتها بتفجر الأزمة الدبلوماسية مع قطر.
ولكن في عام 2021، استعادت ممالك الخليج الروابط فيما بينها، وعادت تعمل ككتلة واحدة من جديد. وفي الوقت الحالي، لا يتكتم زعماء الصين ودول مجلس التعاون الخليجي على ذلك، ويبدو أن الوقت قد حان أخيراً لإنضاج ما لم يزل منتظراً منذ وقت طويل، ألا وهو إبرام اتفاق تجارة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. وكان سفير الصين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة قد قال مؤخراً إن المفاوضات بشأن اتفاق التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي دخلت "المرحلة الأخيرة والحرجة"، وإن الجانبين "توافقا فيما بينهما على معظم الأمور".
من المتوقع أن يجلب ذلك فوائد متبادلة كبيرة، كان من المتوقع أن تحل الصين في عام 2020 محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي، حيث تقدر قيمة التجارة المشتركة بما يقرب من 161.4 مليار دولار. ومن المروض أن يزيد اتفاق التجارة الحرة منسوب التجارة الدولية بين الصين والكتلة الخليجية.
نفط مسعر باليوان
خلال السنين الست الماضية، كانت تجري محادثات بين بكين والرياض حول إبرام عقود نفط مسعر باليوان، ولعل القمة توفر منصة لمحادثات تركز على هذا الموضوع.
تجد جهود الصين لتدويل اليوان شريكاً جذاباً في الرياض، وذلك أن بكين تشتري أكثر من 25 بالمئة من صادرات المملكة النفطية، وفيما لو تم تسعير هذه الصفقات باليوان، فمن الممكن أن يساعد النفط السعودي الرينمنبي الصيني على تعزيز مكانته في سوق العملات العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمثل هذا التحرك أن يشكل سابقة ويدفع البلدان النفطية الأخرى نحو اللحاق بالركب وتسعير صادراتها باليوان.
ولكن من المهم النظر إلى هذه السيناريوهات بشيء من الحذر؛ فلم يزل الدولار، ومنذ أمد بعيد، هو العملة الرسمية للتعامل داخل سوق الطاقة، فالمملكة العربية السعودية تستخدمه منذ عام 1974، وذلك بعد اتفاق تم إبرامه مع إدارة الرئيس نيكسون أوجد الصيغة التي تعرف على نطاق واسع بصفقة "النفط مقابل الأمن".
يرتبط الريال السعودي بالدولار، بمعني أن أي ضعف يطرأ على العملة سيكون له أثر مباشر على الرياض أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك، قد تتردد المملكة في مراكمة كميات كبيرة من الرينيمبي الصيني، ومع ذلك فقد أثارت العقوبات التي فرضت على روسيا المخاوف من جديد بشأن المنظومة التجارية التي يهمين عليها الدولار. ونتيجة لذلك، قد تبحث بلدان مثل المملكة العربية السعودية عن سبيل لتقليص اعتمادها على تلك العملة.
تبدي الصين استعداداً لتدويل اليوان من خلال منح حوافز مغرية للمملكة، على سبيل المثال من خلال الاستثمار بمبالغ ضخمة في المشاريع الضخمة الطموحة التي يرغب السعوديون في إنجازها. من المؤكد أن تجدد النقاش حول صفقات نفطية بالبيترويوان (عملة الصين للتجارة النفطية) يحمل مؤشراً على أن أعراف النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة آخذة في التآكل بشكل متزايد بفعل بدائل جديدة باتت متوفرة.
توسيع كتلة البريكس -وهو التجمع الذي تنتمي إليه الاقتصاديات الصاعدة في العالم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- أفق آخر تنسجم من خلاله غايات مجلس التعاون الخليجي مع مصالح بكين. وكان وزير خارجية الصين وانغ يي قد أعلن مؤخراً عن فكرة بريكس زائد، كإطار يسمح بانفتاح المنظمة والترحيب بانضمام أعضاء جدد.
حينها، سارعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كلاهما إلى التعبير عن اهتمامهما ورغبتهما في الانضمام. بالإضافة إلى المحادثات حول اتفاق تجارة حرة وحول صفقات نفط يتم إبرامهما بالبترويوان، يمكن للمرء أيضاً أن يتوقع أن تشهد القمة الصينية العربية محادثات حول بريكس زائد.
حينما كشف محمد بن سلمان في عام 2016 عن خطة الإصلاح المعروفة برؤية 2030، صرح بما يلي: "لقد أصبح لدينا حالة من الإدمان على النفط في المملكة العربية السعودية".
التنويع
وفعلاً، غدت "الرؤى" كلمة مفتاحية مألوفة في منطقة الخليج، بحيث إن كل واحدة من الممالك الست رسمت لنفسها خطة استراتيجية لتنويع مصادر الإيرادات، والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الاقتصاد القائم على النفط.
أطلقت قطر "الرؤية الوطنية للعام 2030"، بينما أعلنت الكويت عن "رؤية 2035"، وسلطنة عُمان عن "رؤية 2040"، وأعلنت البحرين عن "الرؤية الاقتصادية 2030"، والإمارات العربية المتحدة عن "نحن الإمارات 2031".
من القطاعات الأساسية في عمليات التنويع هذه قطاع التجارة البحرية، الذي سيشهد إنشاء بنى تحتية للموانئ، وتطوير قطاع يعتمد بقوة على التكنولوجيا الحديثة. وفي هذا المجال، لا يوجد أفضل من مبادرة الحزام والطريق الصينية، بما تشتمل عليه من بنى تحتية وفرص تكنولوجية، لمساعدة دول الخليج على التعافي من "إدمانها على النفط".
وفي هذا المجال، تلعب تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية دوراً أساسياً في مساعدة الإماراتيين والسعوديين على تطوير "الموانئ الذكية" لديها، وتعزيز كفاءاتها التشغيلية.
ففي أبو ظبي، تقوم مؤسسة الكهرباء الذكية الصينية "إن دبليو تي" إن بإنشاء مرفق لإنتاج العربات الكهربائية. وفي الجوار، في مدينة دبي، المركز الحضري العصري، تم للمرة الأولى إطلاق السيارة الطائرة التي صنعتها شركة جبينغ إيروهت الصينية، وهي سيارة تتميز بالقدرة على تفادي الازدحام المروري، يقول الخبراء إنها ستكون جاهزة لاستخدام الجمهور خلال ما يقرب من خمسة أعوام على الأكثر. ذلك هو الواقع المتنامي في الخليج.
التوترات الأمريكية السعودية
جاءت القمة الصينية العربية في زمن تدهور العلاقات بين واشنطن والرياض، خاصة أن قرار المملكة الأخير خفض إنتاج النفط، ورفع أسعار الخام، اعتبر في الولايات المتحدة بمثابة صفعة على الوجه من قبل حليف قديم.
كما أن استضافة الرياض لقمة صينية عربية يبعث برسالة إلى الأمريكيين، مفادها أن المملكة العربية السعودية تنوي بكل وضوح سلوك طريق أكثر استقلالاً في صناعة قرارها.
وهو طريق من شأنه أن يجعل الرياض تتردد في السماح للولايات المتحدة بالتحكم بتحالفاتها، بل على العكس من ذلك، ما من شك في أن الخليج من خلال هذه القمة إنما يمهد لتحصيل مزيد من الفوائد من وجود الصين في المنطقة.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد كتب في صحيفة ذي نيويورك تايمز، في شهر يوليو/ تموز، أنه سوف يسافر إلى الشرق الأوسط لفتح "صفحة جديدة واعدة فيما يتعلق بدور ووجود الولايات المتحدة في المنطقة".
وزعم كذلك أنه من أجل التفوق على الصين، فإن الولايات المتحدة تحتاج لأن تشتبك مع بلدان مثل المملكة العربية السعودية. حتى الآن، لا يبدو أن تلك الجهود أثمرت ما يمكن أن يعول عليه.
ليس واضحاً بعد كيف سترد واشنطن في المستقبل. قد يكون من الضرورة بمكان صياغة سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط إذا ما أرادت أن تستعيد النفوذ الذي يبدو واضحاً أنها فقدته.