نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية
تقريرًا، سلطت فيه الضوء على ما أسمته "السجل الحافل" للحوثيين بخرق ما تنص عليه المفاوضات.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إنه بعد ثماني سنوات من جمود الوضع في اليمن استؤنفت الجهود
المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية بمساعدة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعطى
الأولوية لإنهاء الصراع في اليمن في بداية ولايته. وعاد العمل بالهدنة التي توسطت
فيها الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة، وعمل على إنجاحها المفاوضون العمانيون.
اشتمل اتفاق وقف إطلاق النار على عنصرين
رئيسيين: إيقاف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل
اليمن وخارجه، ووضع تدابير بناء الثقة التي من شأنها أن تهيئ بيئة لتسوية سياسية
مستقبلية بين الأطراف المتناحرة. لكن العديد من اليمنيين لا يزالون متشككين بشأن
آفاق محادثات السلام مع الحوثيين الذين لا يبدو أنهم صريحون بشأن السعي إلى حل
سلمي للنزاع، نظرًا لاستمرار "عنفهم وشدة خطاباتهم ضد خصومهم"، بحسب المجلة.
وأشارت المجلة إلى أن الحوثيين أنفسهم لم
يظهروا أي استعداد للانخراط في عملية سلام أو تسوية، كما أنهم لا يسعون بنشاط إلى
المشاركة في جهود خفض التصعيد. عكست تصريحاتهم العلنية واجتماعاتهم الخاصة موقفًا
ثابتًا جعل أي محادثات سلام تستجيب لمطالبهم، مثل فتح مطار صنعاء، ما يمنحهم ميزة
نسبية في حالة تراجعهم عن تنفيذ جانبهم من الاتفاق.
كل هذا يثير سؤالاً أساسياً حول ما إذا كان
الحوثيون على استعداد لتقديم تنازلات. فصعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن التدابير
الإنسانية البسيطة، مثل تخفيف الحصار المستمر منذ سنوات على مدينة تعز، تشكك في
مدى استعدادهم لتقديم تنازلات بشأن القضايا الأساسية المتعلقة بتقاسم السلطة
والحكم، وتطبيق نظام سياسي يمكن لجميع اليمنيين تأييده.
وفقًا لتحليل البيانات الذي قدمه مرصد الهدنة
اليمني، شكل استخدام الحوثيين لهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة والمدفعية 97
بالمئة من انتهاكات الهدنة. كما استنكرت الأمم المتحدة هجوم الحوثيين على حي سكني
في تعز في تموز/ يوليو، قبل أسبوعين فقط من تجديد الهدنة، أسفر عن إصابة 11 طفلاً
وقتيل.
وأشارت المجلة إلى أن الحوثيين استفادوا
مؤسسيًا وشخصيًا من اقتصاد الحرب، إلى جانب التزامهم الأيديولوجي بالسعي إلى تحقيق
أهدافهم السياسية والدينية من خلال الصراع والعنف. وكلما استطاع الحوثيون الحفاظ
على استمرار الحرب، تمكنوا من التحكم في المزيد من موارد الدولة، مع الاعتماد على
المساعدات والضرائب غير القانونية، وتحقيق المزيد من التمكين الاقتصادي الذي يحافظ
على رضا قياداتهم عن الوضع الراهن.
تتدفق ملايين الدولارات إلى المناطق التي يسيطر
عليها الحوثيون بفضل سيطرتهم على خزائن البنوك، هذا إلى جانب الضرائب المفروضة على
السفن الراسية في الحديدة، وأرباح قطاع الاتصالات، فضلًا عن الضرائب المفروضة على
الصناعات الرئيسية.
أشار الخبراء في أحيان كثيرة إلى أن الحوثيين
قد يرون في الحد من العنف وسيلةً لتحقيق الشرعية الدولية، في حين يمكن القول إن
هذه الشرعية قد تحققت بالفعل. تعترف الأمم المتحدة بهم كطرف صراع رئيسي في اليمن، وعملت على تأمين مطالبهم في مبادرات السلام المختلفة، وتمت الإشارة إلى زعيمهم
بلقبه الديني "سيد" الذي يرفض العديد من اليمنيين أنفسهم استخدامه.
وأشارت الأمم المتحدة ووكالات أخرى إلى الحركة باسم "أنصار الله"، وهو
اسم يعتقد العديد من اليمنيين أنه يضفي الشرعية على الحركة الحوثية كمؤسسة سياسية
- وهو ما سعت له الحركة بالفعل.
وبينت المجلة أن سجل الحوثيين حافل بانتهاك
الاتفاقيات، وقد توسطت الأمم المتحدة في المفاوضات مع حكومة عبد ربه منصور هادي في
أيلول/ سبتمبر 2014، ومفاوضات ستوكهولم في كانون الأول/ ديسمبر 2018. في حالة
ستوكهولم، نصت الصفقة على وقف فوري لإطلاق النار في الحديدة.
ومع إزالة التهديد عن
معقلهم، أعاد الحوثيون نشر جميع قواتهم لترسيخ قبضتهم على
الحديدة، والتوسع بشكل أعمق في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة في الجوف
والضالع، وبدء هجوم وحشي في مأرب، ما أدى إلى تشريد ملايين الأشخاص، وتعريض جميع
المكاسب التي حققتها الحكومة اليمنية منذ بدء الصراع للخطر أو عكسها.
ومن المرجّح أن تتجنب قيادة الحوثيين التسوية
السياسية لأن أي اتفاق لتقاسم السلطة سيترك جزءًا جوهريًا من مؤسستهم السياسية
والاستخباراتية دون سيطرة كاملة. وهذا يعني أيضًا أنهم سيفقدون قدرًا كبيرًا من
القوة السياسية والاقتصادية التي لن تكون متاحة لهم في حالة الحاجة لتسوية سياسية تفاوضية.
كما تسببت الانقسامات
القائمة بالفعل بين أعضاء مليشيات الحوثي، وخاصة من جانب الأعضاء غير الممتنين
لإيران، في انعدم الثقة الداخلية، وهو ما لا يريد الحوثيون كشفه. وتشير هذه
الديناميكيات إلى أن الحوثيين ليسوا مستعدين تمامًا للتسوية السياسية.
ونبّهت المجلة إلى أن التخلي عن المفاوضات لا
يعد خيارًا واردًا، لأن فشلها قد يعني نتيجة أسوأ لمستقبل اليمن، كما أنه سيجعل
بلا شك من الحوثيين قوة لا منازع لها في المناطق التي يسيطرون عليها حاليًا، وهو
أمر ليس في مصلحة اليمن أو المنطقة الأوسع. والقضية بالنسبة للحكومة اليمنية
والمجتمع الدولي الذي يدعم حل النزاع هو كيفية ضمان أن يتضمن أي اتفاق سلام شروط
حماية مناسبة لمنع الحوثيين من التراجع.
من شأن الانفراج الأخير في الوضع الإقليمي أن
يزيد من فرص نجاح المفاوضات. وتوفر عودة السفيرين الإماراتي والكويتي إلى طهران،
فضلاً عن المقترحات السعودية لرفع مستوى حوارهما الثنائي مع إيران إلى المستوى
الوزاري، قنوات ثنائية للتواصل مع النظام الإيراني وفرصة للضغط من أجل التعاون
الإيراني في المفاوضات السياسية اليمنية التي توسطت فيها الأمم المتحدة.
وبالمثل،
فإن إمكانية العودة المتفق عليها إلى إنفاذ الاتفاق النووي الإيراني يمكن أن تعمل
أيضًا على التقليل من حدة التوترات الإقليمية، وتحسين احتمالات نجاح المفاوضات.
لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة
الإيرانية على استعداد أو قادرة على الضغط على الحوثيين للتوصل إلى حل سياسي في
غياب التزام الحوثيين، حتى إن تحسنت الأوضاع. وقرار مثل سحب الحرس الثوري الإسلامي
وأفراد حزب الله من اليمن، فضلاً عن إنهاء إمدادات الأسلحة للحوثيين، سيكون كافياً
لإمالة الكفة نحو تسوية سياسية.
وبينت المجلة أن التحدي الذي يواجه الأمم
المتحدة والمجتمع الدولي سيتجاوز مجرد التوصل إلى اتفاق وضمان التزام الحوثيين
بشروطه. وسيتعين على الأمم المتحدة ضمان إلغاء أي دوافع للعودة إلى العنف، وتهيئة
الظروف لاتفاقية سلام مستدام تعامل جميع الأطراف المعنية بإنصاف.
وحتى تكون
العملية عادلة، يجب التعامل مع انتهاكات الاتفاق بشكل فوري، وتحديد الجزاءات مسبقًا؛ للتصدي لعدم الامتثال. ونظرًا للنشاط العسكري المتزايد حول مدينة تعز، على الأمم
المتحدة اتخاذ تدابير لحفظ السلام لمنع توسع الحوثيين في مناطق جديدة.
وأكدت المجلة أن أي اتفاق سيتطلب مشاركة ممتدة
من المجتمع الدولي لمراقبة عملية التنفيذ، بما في ذلك وحدة حفظ سلام تابعة للأمم
المتحدة لفرض شروط الاتفاقية، والإشراف على أي عناصر سياسية للاتفاقية، وضمان
التمثيل المتساوي للنساء والشباب والمجتمع المدني في مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى
الإشراف على أي جولة جديدة من المحادثات في إطار الحوار الوطني.
مشرعون يضغطون على بايدن لتتبع تصرفات "التحالف" باليمن
مطالب في بريطانيا بالشفافية حول صفقات السلاح مع الرياض
خبير: بقاء "الإصلاح" باليمن معلق في الميزان بسبب الحرب