أهداف المقال:
1- بيان حقيقة
القيم بين الإسلام والعلمانية.
3- بيان الدور الوظيفي للقيم بين الإسلام والعلمانية.
2- بيان الفرق بين النتائج التطبيقية لمفهوم القيم بين
الرؤية الإسلامية والعلمانية.
4- الكشف عن الآثار الجيواستراتجية لانحراف وشذوذ الرؤية
العلمانية للقيم.
5- تفسير التباين القيمي التطبيقي بين الدول العربية
والغربية.
القيم في الرؤية
الإسلامية
القيمة لغويا بمعنى قدر الشيء، وقدر ومكانة الفرد، والشيء
القيّم أي الشيء الغالي النفيس، والإنسان القيّم هو الفاضل في ذاته ذو المكانة
والقدر الرفيع. والفعل قيَّم الشيء أي قدّره وقيّمه وحدد قيمته.
مدلولات
القيم في القرآن الكريم
1- "ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ" (التوبة:
36)، أي الدين القيّم في ذاته عدولا وقوة، والمقوم لأمور الخلق جميعا.
2- "يَتْلُو
صُحُفًا مُّطَهَّرَةً، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ" (البينة: 3)، أي صحفا ذات قيمة سامية وعالية
وموضع اعتبار واهتمام.
3- "قُلْ إِنَّنِي
هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ
حَنِيفًا" (الأنعام: 161)، أي دينا مستقيما لا عوج فيه، له مرجعيته التاريخية
العملية المعروفة بالإضافة إلى مرجعيته الدينية.
4- "وَكَانَ
بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا" (الفرقان:
67)، أي عماده ومعياره ونظامه ومقياسه.
معايير
وشروط القيم في الإسلام:
1- الفضيلة في ذاتها؛ فكل القيم القرآنية قيم إيجابية.
2- النافعة للناس كافة أفرادا ومجتمعا ومجتمعات
إنسانية متنوعة، والنافعة في دورها الوظيفي في بناء وتعظيم قدرات الإنسان الذهنية
والنفسية والمعرفية والسلوكية، والنافعة مجتمعيا في تحسين سلوك وأداء وعلاقات
الأفراد، وتعزيز التعايش المتكامل الآمن فيما بينهم.
3- مصدرها إلهي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولها
درجة تشريعية بحسب كل قيمة وقوتها المفاهيمية والتربوية تبدأ بالفرض والواجب
والمندوب، وغيابها وإحلالها بعكسها، محرم ومكروه وشبهة.
4- القيم في الإسلام كلها إيجابية نافعة وتحسب قوتها
وقيمتها ومكانتها في سلّم القيم، من حيث قوتها المفاهيمية، وفاعليتها التربوية والاجتماعية،
ومرات ودرجة تناولها في القرآن الكريم.
5- القيم محددة المفاهيم متطورة التطبيقات
السلوكية
بتطور حركة الحياة.
6- القيم مصدر للقدرات والسلوك، ومعيار حاكم على صحته
وجودته.
7- القيم مطلقة وعامة لكل الناس ولكل زمان ومكان.
وفى قوله تعالى "ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ" (التوبة: 36)، أي الدين الحق العدل المطلق الشامل الكامل، حيث حدده تحديدا
بأداة التعريف (أل)، أي القيّم في ذاته، المنتج لكل قيم من عقائد وعبادات وقيم
ومقاصد وسنن وقوانين وتشريعات وأحكام، وأنه أصل القيم ومرجعها ومانحها للإنسان
ومشرعها له، تكريما وتشريفا للإنسان، وتعزيزا لقدراته على خلافة الله تعالى في كوكب
الأرض، وأداء رسالته ومهامه في عمارة الحياة.
الدور
الوظيفي للقيم في الإسلام
القيم تعمل على بناء وتعظيم القدرات البشرية الستة للفرد، وتعظيم قوته على الفعل والإنجاز والبناء والتعمير الحضاري.
1- القيم تنمّي التفكير: بتعلم التفكير بطريقة عملية من خلال ممارسة المهارات السلوكية والواجبات
العملية لكل قيمة من القيم، وتنظيم العقل وطريقة تفكيره، والتفكير بشمولية وعمق، وفتح
آفاق واسعة للتفكير العملي لتطبيق القيمة وتفعيل دورها في مجالات الحياة كافة؛ الفردية والمجتمعية.
2- القيم تنمي المعرفة: بالفهم الشامل العميق للبناء المفاهيمي لكل قيمة وعلاقة كل مفهوم ببقية
المفاهيم في إطار السياقي المفاهيمي للقيمي، وأهداف ومقاصد القيم، وبعد ذلك ترجمتها
في شكل واجبات عملية متعددة ومتنوعة في مجالات حياة الفرد كافة، ومعايشة وفهم واستيعاب
نتائج تطبيق القيمة والتمسك بها، وتداعياتها الإيجابية على الفرد والمجتمع بما يثري
معارف الفرد عن القيمة الواحدة، وكلما تعددت القيم وتنوعت، اتسعت وقويت وعظمت
البنية المعرفية للفرد.
3- القيم تحسن السلوك: من خلال تحديد الواجبات التطبيقية العملية والمهارات السلوكية لكل قيمة من
القيم، في شكل الأفعال التسعة المرئية أو غير المرئية: أن يفهم- أن يشعر- أن يتصور-
أن يتمنى - أن يعزم- أن يقول- أن يعمل - أن يحافظ على- أن يدعو إلى ويدافع عن.
هذه الأفعال التسعة كلها أفعال إيجابية حسنة، وفي ذاتها
نفي وتطهير للفرد من السلوك السلبي العكسي لها.
مثال1: تعلم
مهارة صدق اللسان، تمنح الفرد تلقائيا طهارة للسانه من الكذب والفحش.
مثال 2: مهارة احترام الأشخاص والأفكار، تطهر الفرد من سلوكيات العصبية والتجاوز والتعدي.. إلخ، ثم يتدرب على ممارستها عمليا؛ حتى تصير خلقا متمثلا في شخصيته وجزءا أصيلا منه.
وكلما تعلم مهارة سلوكية أضافت له سلوكا جديدا جميلا،
ساهم في تحسين وتجميل سلوكه وشخصيته، علما بأن لكل قيمة واحدة ما يقارب العشرين
مهارة سلوكية بحسب طبيعة القيمة وعمر الفرد والمجال السلوكي له.
4 - القيم تبني وتعزز الحافزية على التعلم الذاتي:
مع تعلم وتمسك الفرد ببعض القيم، تتحسن شخصيته وجودة حياته
بشكل عام، ويتحفز ذاتيا لتعلم المزيد من القيم، مع الخبرة العملية التي يكتسبها
ويطورها ذاتيا عن مراحل بناء والتخلق بالقيم، بداية من المعرفة ثم الفهم والاستيعاب، ثم ترجمتها لدليل سلوك تربوي، والتدرب على تنفيذ كل مهارة وتكرارها حتى يتقنها
ويتمثلها خلقا دائما، وذلك يكسبه أمرين:
الأول: خبرة
عملية عميقة، وحرفية في تعلم واكتساب القيمة.
الثاني: ثقة في
الذات وقدرة على التعلم والتطور الذاتي، بما يعزز حافزيته بشكل عملي نحو التعلم المستمر
للقيم وغيرها من العلوم المفيدة.
5 - القيم تبني وتبرز الكاريزما الشخصية:
كما أن لكل إنسان بصمة يد وعين خاصة لا تتكرر في باقي
البشر، وذلك من دون إرادة بشرية، كذلك فلكل إنسان بصمة شخصية خاصة مميزة تميزه عن
بقية البشر، بيد أن الإنسان مخيّر في تحديد ملامح هذه الشخصية ومقدار تميزها
وعظمتها وندرة تكرارها، عن طريق ما يمكن تعلمه وجمعه والتخلق به من القيم.
حديث؛ إن من أحبِّكم
إليَّ، وأقربِكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقا.
حديث: ما من شيء في
الميزان أثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وبمقدار وعمق ما يتخلق به الإنسان من قيم، تتشكل ملامح
شخصيته الخاصة في التفكير والاهتمامات والقول والفعل والإنجاز..إلخ، بما يشكل
ويرسم بنفسه لنفسه البصمة الشخصية الخاصة به، ويعلنها ويوثقها ويبرزها في المجتمع.
مثال: المجتمع المكي يوسم محمد بن عبد الله قبل الرسالة بالصادق
الأمين.
حديث: اَللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ
خُلُقِي.
6 - القيم تعزز قوة الحضور والتأثير الشخصي للفرد:
القيم القرآنية كلها إيجابية، ولكل قيمة تطبيقات سلوكية
متنوعة، ولكل سلوك لون خاص وعبير وعبق خاص وجمال خاص بها، ومع تنوع منظومات القيم
التي يختارها كل شخص لذاته بحسب مواهبه وميوله وتنشئته ومعارفه وتوجهاته.. إلخ، تتعدد
وتتنوع شخصيات المسلمين والمؤمنين والمحسنين والمتقين، بما يزيد الشخصية جمالا
وإبهارا وتميزا، ويصنع الجاذبية الشخصية للآخرين نحوه، ويفرض عليهم الاستسلام
الناعم لقوة تأثير أخلاقه، ويفرض لهذا الإنسان القيمي حضورا بارزا مميزا مؤثرا في
كل مكان يوجد فيه، ويجبر الجميع على احترامه وتقديره والتأثر به، وربما تقليده
وتبعيته تلقائيا.
الأبعاد الحضارية الاستراتيجية في المفهوم الإسلامي- الرباني
للقيم:
- القيم مطلقة لكل البشر معيارية المفاهيم والقياس للجميع،
مطلقة التطبيق مع كل البشر وفي كل مكان وزمان.
- التمسك بالقيم لذاتها تحت المراقبة الإلهية والضمير الشخصي
إرضاء لله عز وجل، ورغبة في الفوز برضاه وجنته في الآخرة، واستفادة منها في بناء
وتعظيم قدرات المؤمن في الدنيا.
- المؤمن عليه أن يلتزم بالقيم (الصدق، الاحترام، البر.. إلخ) بشكل مطلق مع كل الناس، بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم وأعمارهم، وفي كل الأماكن
والأحوال والأزمنة.
- هذا الفهم المطلق للقيم بذاتها، وربطها بالله عز وجل، يعزز من فاعلية القيم في بناء المجتمعات القوية ونشر الرحمة والعدل فيما بين جميع
المجتمعات، بعيدا عن حسابات المنافع والمصالح، وإنما تمسكا بالقيم في ذاتها، ويصبح
المعيار القيمي والأخلاقي معيارا وقانونا حاكما بين البشر يعزز من تواصل وتعاون
وتكامل المجتمعات الإنسانية، قويها وضعيفها فقيرها وغنيها، بما يعزز الأمن والاستقرار
العالمي.
بيد أن فلاسفة ومفكري وقادة الدول العلمانية لهم رأي آخر
في القيم، مخالف لما جاءت به السماء، له تداعياته الخطيرة على الفرد والمجتمع
والمجتمعات الإنسانية بشكل عام، يهدد الأمن والاستقرار العالمي، وهذا نتناوله في
المقال القادم إن شاء الله.