أفكَار

باحث عراقي يتهم الصدر بالانحراف العقائدي ويدعوه للعودة للعلم

أحمد الكاتب يدعو الصدر إلى التوقف عن تقديم اجتهادات دينية من شأنها دعم الغلو والتطرف في العراق (الأناضول)

حذّر الكاتب والباحث العراقي في شؤون الفكر الإسلامي أحمد الكاتب من أن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بدأ بنشر بعض المقالات الدينية التي تحمل أفكارا متشددة من شأنها تعميق أزمات العراق الطائفية.

جاء ذلك في سلسلة حلقات نشرها الكاتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب" تعليقا على اجتهادات دشنها مقتدى الصدر في تفسير بعض النصوص الدينية بعد إعلانه اعتزال العمل السياسي.

وشرع زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر منذ عدة أيام في تقديم اجتهادات فقهية في خطابه الديني عامة وفي الفكر الشيعي تحديدا.

وقدم الصدر في سلسلة تغريدات متتالية في الأيام الأخيرة جملة من الآراء والأطروحات الفكرية المتصلة بالفهم الشيعي للنص الديني، أثارت جدلا واسعا في الأوساط الشيعية فضلا عن الأوساط السياسية والدينية بشكل عام.

وفي تفسير له للآية القرآنية: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"، قال الصدر: "على الرغم من إفاضة علمائنا الأعلام بتفسير هذه الآية فإنها ما زالت محط خلاف بين السنة والشيعة كما يعبرون.. فالسنة والجماعة يتبنون تطبيقا على (نساء النبي) أو إنها شاملة لهن، على عكس الإمامية فإنهم يخصصونها بالمعصومين سلام الله عليهم أجمعين".

وأضاف: "وبطبيعة الحال فإنني أميل للرأي الثاني، ولي على ذلك بعض القرائن الداخلية إن جاز التعبير أو قل قرائن مستوحاة من نفس الآية ومنها:

ـ القرينة الأولى: (عنكم) فإن الآية الكريمة جاءت بسياق الكلام عن نساء النبي وهذا يحتم أن تكون: يريد الله ليذهب (عنكن) الرجس، وليس (عنكم). فإن قيل إنها شاملة لأزواج النبي ولغيرهم من أهل البيت. قلنا: إذن فالقدر المتيقن هو (غير الأزواج) لأنه مجمع عليه من كلا الطرفين، مضافا لعدم إمكان تحديده بنساء النبي فقط".

وتابع: "القرينة الثانية: أيضا (عنكم) ولم يقل منكم، (ليذهب / منكم الرجس أهل البيت) فالرجس لا ينسب إلى أهل البيت الحقيقيين. وبتعبير آخر فإن هناك رجسا قريبا منهم مكانا، وهو الرجس الممكن صدوره من نساء النبي كالإتيان بالفاحشة في قوله تعالى من نفس السياق (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان على الله يسيرا)".

ورأى الصدر أن "تلك الصفات السلبية التي وصفها الله بالرجس يجب أن تكون بعيدة عن أهل البيت الحقيقيين لما لهم من وحدة مكانية في الدار أو المنزل أو الوحدة الاجتماعية في حينها".

أما القرينة الثالثة التي استند إليها الصدر في تفسير آية التطهير، فهي برأيه، "أن الرجس معناه النجاسة، وأنه من المجمع عليه لا يمكن إسناد الرجس إلى النبي ولا إلى منزله بصورة مباشرة فهم رحمة للعالمين".

وقال أيضا: "لست هنا بصدد إسناد أو إثبات الذنب على نساء النبي، بل غاية الأمر هو إمكان صدور الذنب من نساء النبي أو زوجاته حصرا وغلا لما تكررت آيات وعظهن بشدة".

 

pic.twitter.com/CLfNh2iVUO



أما الاجتهاد الثاني المثير للجدل، الذي قدمه زعيم التيار الصدري في العراق، فيتصل بالحديث النبوي القائل: (حسين مني وأنا من حسين)، ورأى أنه يعني "أن الحسين بثورته وجهاده كان سببا رئيسيا ومهما في بقاء ذكر رسول الله، بمعنى إن بقاء ذكر الرسول من الحسين وسببه الإمام الحسين".

وأورد الصدر حديث الكساء ونصه: (فقال الله عز وجل: يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا ملكا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء).

وقال الصدر تعليقا على ذلك: "إذن فالأنوار الخمسة سلام الله عليهم أجمعين هم سبب الخلق ومن أجلهم ومن أجل محبتهم خلق الله الخلق.. فيكون الإمام الحسين خامس الأنوار الخمسة جزءا من سبب الخلق ولولاه لما خلق الله بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله"، على حد تعبيره.

 

pic.twitter.com/PhbEnRGwW6



وقد اعتبر الكاتب والباحث العراقي في الفكر الشيعي أحمد الكاتب، أن اجتهادات الصدر تمثل انحرافا فقهيا خطيرا من شأنه التأثير ليس فقط على التيار الصدري وحده وإنما على مستقبل الاستقرار في العراق.

وقال الكاتب في رد مطول نشره على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب": "الآن السيد مقتدى الصدر ينتقل إلى صفحة فكرية جديدة، فقد بدأ بنشر تغريدات هي عبارة عن مقالات في تويتر وهي أخطر من التعبئة السياسية.. وأخطر من الأخطاء السياسية التي اقترفها.. آراء تعمق جذور الانحراف والفساد والمشاكل في المجتمع العراقي الشيعي بالذات، وبالتالي لها مردودات معكوسة على الشيعة وعلى التيار الصدري كما لامست ذلك من بعض الإخوة المعلقين.. وأنا أعرف هذا الشيء من قديم.. يعني هذا التطرف والغلو في أهل البيت يؤدي بالناس إلى تكفير التيار الصدري ويكفرون مقتدى الصدر، ويكفرون الشيعة من ورائهم، وبالتالي يُحدث شرخا في المجتمع العراقي الشيعي".

ورأى الكاتب أن الفكر العام المغالي الذي يصدر باسم أهل البيت وباسم الإمام الحسين يبتعد عن القرآن الكريم وعن السنة النبوية وعن أحاديث أهل البيت الصحيحة والمتواترة ويبتعد حتى عن الأخبار الضعيفة ويتشبث بأخبار مختلقة".. 

وحذّر الكاتب من أن مقتدى الصدر يتجه في مسيرة تراجعية مخالفة لمسار الوحدة ويعمق الطائفية التي تنشأ من الغلو بأهل البيت.. ليس بناء على القرآن ولا الأحاديث النبوية وإنما على أساس أحاديث من صنع الغلاة والمغالين والفرق الملعونة على لسان آل البيت، ويأخذ الروايات ويعتبرها كأنها قرآن.. وينشر ثقافة سلبية وخطيرة في المجتمع تهدد وحدة المجتمع العراقي والشيعة.. لأن الناس ستكون لهم ردود على هذه المغالاة".

وحول تفسير آية التطهير الذي قدمه الصدر، قال الكاتب: "السؤال المهم: ما هو الهدف من وراء ذلك؟ لنفترض أن آية التطهير شملت الإمام علي والزهراء والحسن والحسين عليهم السلام.. فكيف نمدها إلى بقية الأئمة ونصنع نظرية الإثني عشرية؟ ما هو الدليل على نزول الإمامة في أولاد الحسين فقط وليس في أولاد الحسن؟ وما هي الفائدة من إثبات العصمة للأئمة اليوم؟ أين هو تراثهم؟".

وأضاف: "حتى ما هو موجود من تراث غير موثق وهو عبارة عن أخبار آحاد ظنية.. ومشكوك فيها.. يعني الكافي الذي يحتوي على 16000 حديث، جاء المجلسي وقال إن فيه 2000 حديث صحيح والباقي مشكوك فيه.. ولماذا انقطعت سلسلة الإمامة بوفاة العسكري؟ فهذه النظرية الإمامية انهارت بوفاة الإمام العسكري.. وأين هو الإمام المعصوم اليوم؟

ورأى الكاتب أن القول بالإمام الثاني عشر الغائب وادعاء النيابة عنه مخيف، وقال: "ننطلق من هذه الثقافة الطائفية الميتة المنقرضة ونبني قيادة ديكتاتورية لفرض السيطرة على أبناء التيار الصدري وعلى الشيعة وعلى العراق بهدف نسف النظام الديمقراطي".. 

وأضاف: "إن التركيز على نظرية الإمام المنقرضة يهدف إلى تركيز الديكتاتورية والاستبداد واستعباد الناس اليوم في العراق مع الأسف الشديد".

ووصف الكاتب تعليق الصدر على حديث الكساء بأنه الأخطر في تغريداته، وقال: "لا يمكن أن ننسب إلى الله أي حديث غير القرآن.. لا يمكن تصديق أي فكرة غير موجودة بالقرآن منسوبة إلى الله". 

وأضاف: "ما قاله الصدر بشأن العلاقة بين الأئمة والرسول يخيف العراقيين سنة وشيعة، لأنه بهذه الطريقة يغالي بالأئمة.. وبدل أن يشكل حركة تقدمية باتجاه الأمام لإرساء العدل والمساواة والحرية يرجع إلى الوراء.. وإذا كان التخبط السياسي الذي وقع فيه التيار الصدري مقبولا فإن التخبط في المجال الديني مخيف، لأنه يعمق الأفكار الخرافية ويسير إلى الخلف ويدفع إلى الاقتتال الطائفي والعنف في المجتمع".

وطالب الكاتب السيد مقتدى الصدر بأن يعتزل السياسة والدروس ووسائل التواصل الاجتماعي ويعكف على دراسة القرآن جيدا ويأخذ عقائده الأساسية من القرآن، وأي عقيدة من خارج القرآن يضرب بها عرض الحائط..

وأضاف: "أدوات الاجتهاد تحتاج لعلم الأصول وعلم الرجال وعلم الحديث والتاريخ وحقيقة وجود الإمام الثاني عشر.. لا أن يقلد لأن والده كتب موسوعة الإمام المهدي في خمسة أجزاء.. لا أيضا الإمام محمد الصدر لم يجتهد ولم يدقق ولم يبحث.. لم يجتهد في عقيدته فكيف سيجتهد في الفقه فيخرج نظرية فيها من الغلو والانحراف العقائدي وعن آل البيت وعن الإسلام بالتالي"، وفق تعبيره.