قضايا وآراء

استقالة الريسوني من اتحاد العلماء والرئيس القادم

1300x600

الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والعالم والفقيه المغربي المعروف، خرجت له تصريحات من حوار إعلامي منذ أكثر من أسبوعين، نتج عنها جدل كبير، كان كلامه في حوار مطول، وجاء في كلامه ما أغضب عددا كبيرا من الجزائرين وغيرهم، يتعلق بالخلاف الدائر حول المناطق الحدودية، وبخاصة الصحراء بين المغرب والجزائر، وحديثه عن مغربية الصحراء، وكذلك عن تبعية موريتانيا قبل استقلالها.

خرجت بيانات ترفض كلام الريسوني، منها بيان عن "حمس" الجزائرية، وكان بيانها محقا في أمور، وأخطأ في أمور أخرى، منها: الاتهام الموجه للريسوني بعلاقته بسلطة المغرب، وهو كلام عار تماما عن الصحة، ينفي ذلك تاريخ الرجل، وكل من عرفوه. ثم أخرج الريسوني كلاما آخر يوضح به كلامه السابق، ولم يعالج الأمر كما ينشده المختلفون معه، ولا كما أشار عليه عدد من إخوانه العلماء.

كانت المخاوف من ردود الأفعال حول تصريحات الريسوني أن يتحول الخلاف من تصريح لرئيس الاتحاد صدر بصفته الفردية، وقناعته التي لا يمنعه منها أحد، إلى عناد تستغله بعض الدول المعادية للاتحاد، وتدخل على الخط سلطات مستبدة أخرى تنضم إليها في موقفها المعادي، وعندئذ تكون مؤسسة عامة مهمة كالاتحاد في مهب الريح.

ثم ارتأى الريسوني تقديما للمصلحة العامة، وحفاظا على الكيان، أن يعفي نفسه من الرئاسة، فقدم استقالته منها، واجتمع مجلس أمناء الاتحاد، وبعد نقاش وأخذ ورد، قبلوا الاستقالة، وأحالوا ذلك للجمعية العمومية للاتحاد لتبت في الأمر، فهي صاحبة القرار الأول والأخير في القبول، فهي التي انتخبته، وهي التي توافق على استقالته، أو ترفضها.

وحدد لذلك موعد لانعقاد الجمعية العمومية، وهو ما سيكون إن شاء الله في شهر أيلول (سبتمبر)، حسب ما يتيسر للأمانة العامة من إجرائه، بالطريقة التي تناسب الجميع، وإذا قررت الجمعية العمومية قبول الاستقالة، عندئذ حسب تفعيل مواد قانون الاتحاد، يتولى أحد النواب القيام بأعمال الرئاسة لحين انتخاب رئيس جديد.

 

كانت المخاوف من ردود الأفعال حول تصريحات الريسوني أن يتحول الخلاف من تصريح لرئيس الاتحاد صدر بصفته الفردية، وقناعته التي لا يمنعه منها أحد، إلى عناد تستغله بعض الدول المعادية للاتحاد، وتدخل على الخط سلطات مستبدة أخرى تنضم إليها في موقفها المعادي، وعندئذ تكون مؤسسة عامة مهمة كالاتحاد في مهب الريح.

 



وقد كان من المفترض أن تكون الجمعية العمومية للاتحاد في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لكن لائحة الاتحاد عدلت منذ بضع شهور، وقد نصت على مدة الدورة الانتخابية للرئيس ومجلس الأمناء خمس سنوات، بعد أن كانت أربعا، وهنا رأيان قانونيان، الأول: أن تطبق اللائحة على هذه المدة، فتقام الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023. والثانية: ألا تطبق اللائحة هذه الفترة، وتطبق من الجمعية القادمة، ولا تعد اللائحة الجديدة مفعلة إلا مع الدورة الجديدة، وبذلك تعقد في موعدها تشرين الثاني (نوفمبر) 2022م. 

هذا من حيث الإجراء وما تم فيه، لكن الأزمة تحتاج لوقفة أخرى مهمة كي يكمل الاتحاد مسيرته حسب ما أسس عليه، عندما كتب وثيقته شيخنا العلامة يوسف القرضاوي، المؤسس للاتحاد، وقد كنت وقتها القائم معه بكل أعمال التأسيس، وجمع التوقيعات، والإعداد لإعلانه، والتواصل مع بعض الدول كي تتبناه، ولم نفلح في ذلك لتخوف معظمهم، أو إرادة بعضهم أن يكون عباءة لهم تملي عليه ما تريد، لعلي أكتب شهادتي كاملة على تأسيسه وكواليس هذا التأسيس بتفاصيله إن شاء الله.

الحقيقة أن الريسوني من حيث علمه وفكره مشهود له، وأما من حيث رئاسته للاتحاد فقد كان من أكثر أعضاء الاتحاد زهدا وبعدا عنه، هذا ما أشهد به ويشهد به غيري، وقد كان مطروحا من قبل أن يكون أمينا عاما خلفا لأستاذنا الدكتور العوا، ثم بعد أن أصبح رئيسا للاتحاد، وقبل تصريحه المثير للجدل أعلن عن نيته عن عدم الترشح مجددا لرئاسته، كما في حواره مع "عربي21" بتاريخ 15 آب (أغسطس) الماضي، وقد قال في تصريحه: (في المرة المقبلة لانتخابات الاتحاد لن أترشح ولن أقبل ترشيحي، وسأعمل إن شاء الله على أن يترأس الاتحاد عالم آخر يستفاد من مكانته وعلمه ومصداقيته، وأكون أنا في عونه وبجانبه).

لكن خلافنا مع بعض رموزنا الذين يتصدرون المؤسسات العامة، ليس في علمهم، ولا إخلاصهم، ونحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا، لكن الخلاف هنا في كيفية إدارة الرموز، وكيفية ضبط تصريحاتهم العلمية والسياسية، وبخاصة من يكون في رئاسة اتحاد تناوشه الدول والأنظمة، وتصنفه بعضها تصنيفا مؤذيا له ولأعضائه، فهذا يزيد من العبء والتبعة، في وزن كل كلمة، بل كل حرف يصدر، سواء كان مكتوبا، أو شفاهة، وما يقال عن الرئيس يقال كذلك عن أمينه العام، فهما واجهتا الاتحاد.

ولذا لا يصلح أبدا بحال من الأحوال، أن تترك واجهة الاتحاد للمواقف الشخصية، ونطلب من الناس أن تفرق بين الرأي الشخصي، ورأي الاتحاد ممثلا في رئاسته وأمانته العامة ونوابه، فهذه ضريبة العمل العام، وضريبة تولي مسؤولية المؤسسات، وهو عرف وتقليد تعارفت عليه جل المؤسسات العلمية والسياسية، بل والاقتصادية، فهناك فصل بين النشاط الخاص والنشاط العام للعضو، وبخاصة ما يتلبس بمكانته ومهمته العامة.

 

أعتقد أن علينا كأعضاء للاتحاد أن نفكر جديا في البحث عن شخصية تناسب المرحلة القادمة للاتحاد، وأننا بحاجة إلى رئيس في الدورة القادمة لا يكون من البلدان العربية، ويفضل أن يكون من إخواننا العجم، لأننا اتحاد عالمي،

 



كما كشفت الأزمة الأخيرة عن خلل في خطاب أبناء الحركة الإسلامية، إذ أن المعركة دارت حول خلاف حدودي، لا أتحدث هنا عن أحقية بلد عن الأخرى فيه، بل إن هذا الخلاف بالأساس تركه لنا الاستعمار قبل أن يرحل، فترك بين كل بلدين مساحة تثير الخلاف والشقاق، حسب ما اتفق عليه باسم: اتفاقية سايكس بيكو، وبغض النظر عن رأي كل شخص في موقفه التاريخي أو الجغرافي، فهذا حقه في القناعة به، لكن الأخطر هنا: أن أطراف الخلاف هنا، هم أبناء حركة إسلامية، يرفعون لافتات الأمة الواحدة، وأنها فوق الحدود والجغرافيا، ويعلم جميعهم أن خطابات الحركة طوال عقود طويلة، كان يتعالى على هذه التوجهات. 

والكلام هنا يقال عن كثيرين ممن خاضوا في المعركة، سواء من أيدوا الريسوني أو من خالفوه، وبخاصة من أيد أو خالف بناء على القطرية، نعم لا بد من مراعاة هذه الحساسيات في الخطاب، لكن حدة التعصب لكل رأي، ولكل قائل للرأي، بين الأطراف المختلفة، كشفت عن تناقضات في الخطاب، وكشفت عن الانفصام بين ما يعلن من مواقف، وما تكنه القلوب والعقول من أفكار، تتعلق بهذه القضايا الجغرافية، وهو ما كتب حوله الكاتبون ينبهون إلى هذه اللغة الواضحة من الخطاب لدى أبناء الحركة الإسلامية في هذه الأزمة الأخيرة مع تصريحات الريسوني. 

الرئيس القادم للاتحاد:

أما ما يتعلق بالرئيس القادم للاتحاد، فإذا ما قبلت الجمعية العمومية استقالة الريسوني، فأعتقد أن علينا كأعضاء للاتحاد أن نفكر جديا في البحث عن شخصية تناسب المرحلة القادمة للاتحاد، وأننا بحاجة إلى رئيس في الدورة القادمة لا يكون من البلدان العربية، ويفضل أن يكون من إخواننا العجم، لأننا اتحاد عالمي، وكفى أن الرئيسين منذ التاسيس حتى اليوم كانا عربيين، رغم عالمية ومكانة من تقلدوا الرئاسة، لكن المرحلة تقتضي التفكير في هذا الاتجاه، وهذا سيحقق عدة أهداف للاتحاد، من أهما:

أولها ـ أخذ هدنة لمدة، بعيدا عن تجاذبات العرب، فاختيار رئيس عربي، سيجعله هدفا للمناوشات الإعلامية والسياسية، وخاصة أننا لا نمتلك عالما عربيا الآن ليس له موقف معلن من القضايا الشائكة الحالية، أو السابقة، وبخاصة ما يتعلق بثورات الربيع العربي، والثورات المضادة، والأنظمة التي وقفت مع الربيع، أو مع ثوراته المضادة.

ثانيا ـ سيكون بعيدا عن مشكلات البلاد العربية التي تلقي بظلالها على المواقف، أيا كان صحة موقف العالم، ونحن بحاجة إلى هذه المرحلة التي يلتقط فيها الاتحاد الأنفاس، ليعود لرسالته التي قام لأجلها، فهو اتحاد شعبي للأمة، وهو وسيط بينها والحكام، لمصلحة الأمة، وليس تابعا لنظام، والملاحظ أن الاتحاد في الفترة الأخيرة وإن كانت مواقفة مبدئية، لكنها وضعت في شكل الانحياز، ورغم أنه انحياز لما يراه الحق، لكنها وظفت توظيفا سياسيا، والخروج من هذه المرحلة يحتاج لمرحلة جديدة تكون مع رئيس ليست له تجاذبات مع الأطراف المختلفة.

ثالثا ـ سيكون الموقف نافعا للاتحاد، لو كان الشخص المنتخب من مناطق جغرافية ليست معادية للاتحاد، أو منصفة مع قضاياه، أو على الأقل محايدة، لأن ذلك سيلقي بدرجة من التهدئة المرجوة في الفترة القادمة نحو الاتحاد ورسالته ودوره، بل ربما يكون عاملا مساعدا على ذلك.