توفي غورباتشوف عن 91 عاما، الثلاثاء، في روسيا جراء "مرض عضال وخطر"، على ما أعلن المستشفى الذي كان يعالج فيه، وهو الذي قضى على الاتحاد السوفييتي وإن بغير قصد، ما أكسبه احتراما كبيرا في الغرب بينما ينظر الروس إليه بمرارة.
وأتت وفاته في خضم الهجوم الذي يشنه الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين في أوكرانيا وقد باشره في 24 شباط/ فبراير ويعتبره البعض محاولة جديدة لإحياء الإمبراطورية الروسية.
ولد ميخائيل غورباتشوف في عائلة مزارعين وسلك مسيرة تقليدية في الحزب الشيوعي قبل أن يصبح في 11 آذار/ مارس 1985 في سن الرابعة والخمسين، زعيما للاتحاد السوفييتي. وكان الاتحاد السوفييتي يومها يعاني من أزمة اقتصادية وغارقا في حرب طال أمدها في أفغانستان.
وتميز بصغر سنه. ففي أقل من ثلاث سنوات بعد وفاة ليونيد بريجينيف في 1982، عرف الحزب الشيوعي السوفييتي أمينين عامين متقدمين في السن هما يوري أندروبوف وقسطنطين تشيرنينكو اللذان توفيا في هذا المنصب.
كان غورباتشيف مدركا أن الأزمة ستتفاقم فأطلق برنامج "بريسترويكا" وسياسة "غلاسنوست" (الشفافية والانفتاح) لإصلاح النظام السوفييتي والحد من نفوذ الحرس القديم في الحزب الشيوعي.
فبات ملايين السوفييت يتمتعون بحريات غير مسبوقة، لكنهم عانوا أيضا من نقص في السلع ومن فوضى اقتصادية وحركات قومية قضت على الاتحاد السوفييتي، وهو أمر لم يغفره له الكثير من مواطنيه.
وقال غورباتشوف لوكالة فرانس برس، في كانون الثاني/ يناير 2011: "بطبيعة الحال أنا نادم على أشياء، ارتُكبت أخطاء كبيرة".
وخلال فترة حكمه حصلت تجاوزات؛ فدخلت الدبابات السوفييتية إلى ليتوانيا وقمع المتظاهرون السلميون في جورجيا. وفي 1986 وقعت كارثة تشيرنوبل النووية التي بقيت طي التكمان لمدة أيام ما ساهم في تعريض مئات آلاف الأشخاص لتلوث إشعاعي.
في الغرب كان غورباتشوف يثير اهتمام القادة الغربيين، من المستشار الألماني هلموت كول إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، بسبب انفتاحه على الحوار.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر عنه: "يعجبني غورباتشوف. إنه رجل يمكن التعامل معه".
وأظهر الزعيم السوفييتي أنه مختلف عمن سبقوه في هذا المنصب مع إبرامه اتفاقا حول نزع السلاح النووي ورفضه التدخل عسكريا للدفاع عن الستار الحديدي وسحبه الجيش الأحمر من أفغانستان.
وتعزز احترام الغرب له مع ضبط النفس الذي أبداه عندما انهار جدار برلين والأنظمة الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا. ونال جائزة نوبل للسلام في 1990.
تصريحات قبل وفاته
رغم مكوثه في المشفى منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2021، فقد أدلى الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف بعدد من التصريحات في الأشهر الأخيرة معلقا على أبرز القضايا العالمية، بحسب وكالة "نوفوستي" الروسية.
آخر تعليق صحفي صدر عن غورباتشوف في تموز/ يوليو الماضي بعد اغتيال رئيس الوزراء الياباني الأسبق شينزو آبي، حيث قال غورباتشوف إنه "مصدوم" بنبأ وفاته وأعرب عن "خالص التعازي لأسرة الفقيد وشعب وقيادة اليابان".
العلاقات مع الولايات المتحدة
في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2021، قال غورباتشوف تعليقا على المحادثات الروسية الأمريكية حول القضايا الأمنية، إنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فإن الولايات المتحدة "اعترتها الغطرسة"، ومن هنا جاءت فكرة توسيع الناتو ونسيان أفكار الأمن الجماعي، لكن لم يفت الأوان بعد للعودة إليها.
وردا على سؤال عن ما إذا كان من الممكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بناء علاقات مع الولايات المتحدة بطريقة مختلفة، دون المساس بسيادة روسيا، أشار غورباتشوف إلى أن تفكك الاتحاد السوفييتي أضعف روسيا، "وشهدنا انهيارا للاقتصاد وفوضى".
وأضاف: "مع ذلك، أعتقد أنه لم يفت الأوان بعد للعودة إلى تلك الأفكار. لا أعرف ما إذا كان يحدث ذلك الآن، بعد المفاوضات بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة. لكن هناك عملية ما بدأت. أنا أؤيد ذلك، وآمل في تحقيق نتيجة، بحيث تشعر جميع الدول الأوروبية بالأمان".
أفغانستان
في آب/ أغسطس 2021، علق غورباتشوف على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مشددا على أهمية استخلاص العبر مما حدث وعدم تكرار مثل هذه الأخطاء.
ووصف الغزو الأمريكي لأفغانستان بأنه كان "مشروعا فاشلا منذ البداية، رغم أن روسيا أيدته في المرحلة الأولى".
وأضاف: "مثل العديد من المشاريع المماثلة، فقد استند إلى المبالغة في درجة التهديد وإلى مخططات جيوسياسية غامضة. يضاف إلى ذلك محاولات غير واقعية لنشر الديمقراطية في مجتمع متعدد القبائل".
معاهدة "ستارت"
في نهاية تموز/ يوليو 2021، علق غورباتشوف على المفاوضات الروسية الأمريكية حول الاستقرار الاستراتيجي التي بدأت في ذلك الوقت، معربا عن أمله في ألا يلجأ أي من الجانبين للمماطلة.
وقال: "ثلاثون عاما على (توقيع) START-1 يوبيلي جيد جدا. يمكن تهنئة الجميع به. وفي هذا اليوم أود أن أقول إن الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية يظل الموضوع الأكثر أهمية".
ورحب الزعيم السوفييتي السابق ببدء المفاوضات بشأن الاستقرار الاستراتيجي، واعتبر أن الولايات المتحدة وروسيا "بحاجة إلى الاتفاق على مستويات أقل من الأسلحة النووية، فعندئذ سيكون من الممكن إشراك الدول الأخرى التي تمتلك أسلحة نووية - الصين وبريطانيا وفرنسا وغيرها، والتقدم معا نحو الهدف النهائي وهو إزالة الأسلحة النووية".
لقاء بوتين وبايدن
قال غورباتشوف تعليقا على اجتماع رئيسي روسيا فلاديمير بوتين والولايات المتحدة جو بايدن، في جنيف يونيو 2021: "كان الطريق إلى هذا الاجتماع صعبا. وأتذكر من جديد كيف كان طريقنا مع الرئيس (الأمريكي رونالد) ريغان إلى اجتماعنا الأول وكيف توصلنا في النهاية إلى بيان مشترك. والآن أرى أن رئيسي روسيا والولايات المتحدة جددا تأكيد صيغتنا بشأن عدم جواز الحرب النووية".
وأضاف: "إنه أمر لا يقل أهمية أن تبدأ المشاورات الشاملة حول الاستقرار الاستراتيجي والأسلحة النووية على هذا الأساس. وأتمنى لها التوفيق".
اقرأ أيضا: قادة العالم يعزون بوفاة غورباتشوف آخر زعيم للاتحاد السوفيتي
وفي آخر مقابلة أجرتها وكالة "نوفوستي" معه في 1 آذار/ مارس الماضي، عشية عيد ميلاد الـ90، تحدث غورباتشوف مجددا عن قضية الأسلحة النووية، كما أنه تطرق إلى قضية جائحة فيروس كورونا.
ووصف الزمن الحالي بأنه "صعب للغاية ويتطلب التحلي بالمسؤولية"، وقال: "يجب أن نؤمن ونتحرك. أولا، يجب أن نتعامل بجهود العالم كله مع المشكلة النووية. لقد لاحظت أن روسيا اقترحت على جميع القوى النووية تأكيد الصيغة: "الحرب النووية غير مقبولة، لا يمكن أن يكون هناك منتصر فيها".
وتابع: "أؤيد ذلك تأييدا كاملا، خاصة أن رونالد ريغان وأنا أطلقنا هذا الموقف معا في أول اجتماع لنا عام 1985. ونتيجة ذلك، بدأت عملية نزع السلاح النووي، رغم أنها لم تكن سهلة".
وفي ما يتعلق بالوباء، دعا غورباتشوف إلى مكافحته بالجهود المشتركة "بدون ألعاب ومكائد سياسية"، وأشار إلى أن العلم الروسي أظهر قدراته، ما أثار سروره البالغ.