دعا خبراء ووزراء ودبلوماسيون ومثقفون مستقلون عرب ويابانيون، في مؤتمر علمي نظم بتونس عشية انعقاد القمة الثامنة اليابان ـ تونس (تيكاد2022)، إلى مراجعة السياسات الخارجية للدول العربية والأفريقية والغربية والتحكم في متغيرات "النظام الدولي"، بهدف تحقيق "الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل وإنهاء النزاعات المسلحة والحروب ومعضلات الفقر والعجز المالي التي تعاني منها الدول العربية والأفريقية".
وسجل المؤتمرون أن هذه المعضلات تضاعف خطرها "بعد وباء كورونا وحرب أوكرانيا التي أربكت كذلك اقتصاديات الدول الغنية بما فيها في أوروبا وأمريكا وروسيا وشرق آسيا".
هذا المؤتمر الذي نظمته المؤسسة العربية الأفريقية للدراسات الإستراتيجية ابن رشد وجمعية "كفاءات تونسية" Tunisia Skills ومؤسسة "اجيكو" الدولية للاستثمار وشباب من خريجي الجامعات اليابانية والأوروبية والأمريكية، طالب السياسيين والمستثمرين وممثلي المجتمع المدني العرب والأفارقة واليابانيين الذين سيلتقون بتونس يومي 27 و28 آب (أغسطس) الجاري، بـ "تنويع الشراكات الاقتصادية والسياسية والتنسيق الأمني والعسكري بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة بعيدا عن الإيديولوجيات والشعارات الفضفاضة" وإلى "المساهمة في القضاء على الأسباب الاقتصادية والسياسية والثقافية لاستفحال معضلات الهجرة غير النظامية والتطرف والعنف والجريمة المنظمة" على حد تعبير الخبيرة في الشؤون اليابانية ألفة الدبوسي.
كما حذر المؤتمر صناع القرار في المنطقة والعالم من المضاعفات الإقليمية والدولية الخطيرة للصراع العربي الإسرائيلي وتأبيد معاناة الشعب الفلسطيني وبروز حروب ونزاعات مسلحة دولية جديدة مثل الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا وشرقي أوروبا، والتي اعتبر المتدخلون في المؤتمر أنها "عمقت الأزمات الغذائية والتنموية في العالم وتسببت في خسائر بالمليارات بسبب استفحال النفقات العسكرية والأمنية على حساب الاستثمار في الإصلاح الاقتصادي والسياسي والتربوي والثقافي والإعلامي".
وقد شارك في هذا المؤتمر عدد من خبراء الاقتصاد والعلاقات الدولية العرب ونخبة من مهندسي قمة "طوكيو أفريقيا 2022" وتطوير الشراكة بين شرق آسيا والدول العربية والأفريقية بينهم المستشارون السابقون في قصر الرئاسة بقرطاج ووزراء الدولة للشؤون الخارجية سابقا محمد علي النفطي وصالح الحناشي والهادي بن عباس.
وناقش المؤتمرون أوراقا جيو استراتيجية وأخرى اقتصادية سياسية أكدت خاصة على ضرورة "تعديل السياسات الخارجية وعلاقات التعاون الدولي" للبلدان المغاربية والدول العربية والأفريقية من جهة ولدول الشمال الغنية من جهة ثانية، بما يؤدي إلى "تلبية مطالب الشعوب الملحة في الكرامة والتنمية الشاملة والإصلاح الاقتصادي والسياسي وتكريس الديمقراطية الاجتماعية وإنهاء الحروب وتكريس الاستقلال وحق تقرير المصير وإحلال السلام والأمن."
وصدرت هذه التوصيات بالخصوص عن المفكر والمؤرخ الجزائري التلمساني بن يوسف وعن رئيس منظمة "الجزائريين الدوليين" ادريس رباحي والخبير الليبي تميم الذيب مؤسس أول "روبوت" في ليبيا والأكاديمي المغربي حسن الرحموني الذي أكد كذلك على "حق المغرب في الدفاع عن وحدته الوطنية والترابية وسيادته على كل أراضيه بما في ذلك الإقليم الجنوبي"، في إشارة إلى ملف "الصحراء المغربية" الذي دعا إلى أن يحسم في أقرب وقت وفق مطالب المغرب شعبا وحكومة وملكا.
كما صدرت توصيات عن المشاركين في هذا المؤتمر بـ "تطوير الشراكة العربية الأفريقية مع اليابان والدول الصاعدة الجديدة عالميا، وتكريس التوازن بين المطالب التنموية الاقتصادية والسياسية لدول المنطقة" مثلما جاء في مداخلة الخبير من الطوغو آدم كواديو بوكبي.
في هذا السياق وقع تقديم رؤيا تنموية سياسية اقتصادية شاملة ربطت بين الحاجة لتطوير السياسات الخارجية والداخلية لتونس ودول المنطقة، مثلما كشفته ورقة المحاضر الاقتصادي الرئيسي في الندوة محمد الصالح فراد رئيس الجمعية التونسية للمستثمرين في رأس المال ومداخلة السفيرين والمستشارين السابقين في قصر قرطاج صالح الحناشي والهادي بن عباس.
وأدت نفس التوصيات مداخلات الخبير المغاربي الألماني رئيس المعهد الألماني المغاربي للثقافة والإعلام المنصف السليمي ورئيس المبادرة الدولية للتنمية في أفريقيا واليابان وآسيا وأوروبا عبد الرحمان علالة، والخبير لدى المحاكم رئيس منظمة "كفاءات تونسية" شكري الحيدري والمهندس التونسي البريطاني في تكنولوجيا الاتصالات عمادي الرمضاني والورقة العلمية التمهيدية للندوة التي قدمها كمال بن يونس رئيس مؤسسة ابن رشد للدراسات الاستراتيجية العربية الأفريقية والباحثة في الشؤون اليابانية ألفة الدبوسي.
وصدرت توصيات عديدة في المؤتمر بتفعيل الشراكات جنوب ـ جنوب وأخرى بتنويع شراكات الدول العربية والأفريقية مع اليابان وشرق آسيا وأمريكا اللاتنية والدول الصاعدة مثل تركيا والهند ودول الخليج وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء "لاحتواء الحاجيات المالية والاقتصادية المتزايدة في أفريقيا التي سيرتفع عدد سكانها قبل عام 2050 إلى حوالي مليارين ونصف المليار من البشر" حسب مداخلات المسؤول الحكومي التونسي السابق السفير محمد علي النفطي والسفير والوزير السابق صالح الحناشي.
وصدرت نفس التوصيات عن الدبلوماسي السابق في ليبيا والكاتب العام لمؤسسة ابن رشد للدراسات الاستراتيجية العربية الأفريقية الخبير البشير الجويني، الذي قدم مداخلة معمقة مدعومة بالخرائط والإحصائيات الجديدة حول مؤشرات التنمية وفرص الاستثمار في القارة السمراء.
في المقابل قدمت أوراق أخرى توصيات بتحقيق التوازن بين الأجندات الوطنية والانفتاح أكثر على كل الشركاء الدوليين وعلى مختلف الدول الديمقراطية التي ليس لديها "أجندات أيديولوجية وشروط سياسية"، مثل اليابان، على غرار ما ورد في مداخلات الخبير المغاربي الألماني المنصف السليمي والسفير والوزير السابق صالح الحناشي رئيس منظمة الصداقة بين تونس واليابان والهادي بن عباس رئيس "غرفة رجال الأعمال التونسية اليابانية"، الذي سبق له أن كان مستشارا للرئيس المنصف المرزوقي وعضوا في الحكومة مكلفا بالعلاقات مع آسيا وأمريكا.
وصدرت عن الملتقى توصيات بتحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي، لا سيما في مداخلات المشاركين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وممثلي المؤسسات اليابانية للتنمية والاستثمار والشراكة الاقتصادية.
في نفس الوقت أوصت أوراق مشاركين من المشرق العربي وأوروبا، بينها مداخلة الشيخ صالح بن شاجع رئيس التحالف الأوروبي العربي للسلام والتنمية، صناع القرار في أوروبا والدول العربية باعتماد سياسات داخلية وخارجية جديدة تربط بين "أولوية تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية في بلدان الشمال والجنوب" وسياسات إنهاء الحروب التي تتسبب في نشر الدمار والجهل والفقر مثل تلك التي يعاني منها ملايين من أطفال اليمن والعراق وسوريا والصومال وفلسطين منذ مدة طويلة والتي زاد خطرها بعد انفجار حرب أوكرانيا التي أثرت سلبا على فرص إنجاز التنمية والسلام في كامل أوروبا والمنطقة العربية الأفريقية.
لكن السؤال الكبير يظل: هل ستنجح قمة اليابان أفريقيا 8 التي سوف تعقد بعد أيام بتونس في إصدار قرارات عملية تتفاعل مع كل هذه التحديات أم تكون مجرد "مهرجان سياسي اقتصادي خطابي جديد "خاصة في ظل تخفيض مستوى المشاركة فيه من قبل عدة عواصم بينها طوكيو؟
لا شك أن التراجع الذي يشهده منسوب الحرية والانتقال الديمقراطي الذي بشرت به رياح الربيع العربي أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011 انطلاقا من تونس، له أثره على مستوى المشاركة والمخرجات المرتقبة من القمة المرتقبة، حيث لا يمكن تجاوز الأحداث على الأرض إلى التبشير بمشاريع تنموية شروطها الرئيسية وفي مقدمتها الاستقرار والتداول السلمي على السلطة، غير متوفرة.