يحق
للسوريين أن يصرخوا بأعلى صوتهم ضد
المصالحة مع عصابة
الأسد، فالجرح السوري ما زال
مفتوحا والدماء ما زالت جارية وحارّة، وأثبتت التجربة أن هذه العصابة لا عهود
لها، بل على العكس، تستشرس كلما أحست أن خصمها، وهو هنا المواطن السوري دائما،
بات أكثر ضعفا، ولا تأنف بالتنكيل حتى بالأموات.
إلى
هنا، يبدو مفهوما أسباب غضب السوريين، الذين هم خارج سلطة الدولة، من دعوة وزير
الخارجية التركي إلى إجراء مصالحة بين نظام الأسد والمعارضة، وبالتبعية بيئة
المعارضة التي تقدّر بأكثر من نصف الشعب السوري، التي تنتشر
في دول اللجوء وفي
المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد داخل
سوريا. وهؤلاء جميعهم إما مطلوبون على قوائم
الأسد، أو صُودرت ودمرت ملكياتهم، ولم يعد لهم مأوى أو مصدر رزق في سوريا، أو فقدوا
أبناءهم وأحبتهم على يد عصابة الأسد وحلفائها.. فكيف
لهم أن يصالحوا؟
هذه
الحالة لا يمكن إدراجها تحت مسمى المصالحة، ثمّة عشرات الحالات التي تصنف على أنها
نزاعات داخلية، وهي قريبة من الحالة السورية، أخذت المصالحات فيها شكلا مختلفا،
عبر ما يسمى بالعدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الجرائم وتعويض المتضررين،
وأخيرا إعادة هيكلة السلطة وأدواتها ومؤسساتها لتتناسب مع الأوضاع الجديدة، في
حين أن المطلوب من السوريين تسليم رقابهم للأسد ووضع مصيرهم تحت رحمة تقديراته،
التي لم تكن يوما عقلانية، بدليل أن أدوات تعاطيه في إدارة الأوضاع السورية، ارتكزت على الكيماوي والبراميل المتفجرة والذبح المعتقلين واغتصاب المعتقلات، فمن
يسلم نفسه أو أبناءه لهذه الماكينة الجهنمية؟
المطلوب من السوريين تسليم رقابهم للأسد ووضع مصيرهم تحت رحمة تقديراته، التي لم تكن يوما عقلانية، بدليل أن أدوات تعاطيه في إدارة الأوضاع السورية، ارتكزت على الكيماوي والبراميل المتفجرة والذبح المعتقلين واغتصاب المعتقلات، فمن يسلم نفسه أو أبناءه لهذه الماكينة الجهنمية؟
تعرف
دوائر صنع القرار التركية، أكثر من أي جهة في العالم، هذه الحقائق، بل ربما تعرف
ما لا يعرفه الكثير من السوريين أنفسهم عن حقائق إجرام عصابة الأسد، واستحالة قدرة
السوريين على التعايش مع حكم العصابة، وأن احتمالية قتل واغتيال مئات الآلاف منهم
واردة إذا عادوا إلى حكم الأسد، في ظل المعطيات الراهنة، ومن دون تدخل دولي،
تركيا
تعرف ذلك جيدا بحكم وجود عشرات مراكز التوثيق والرصد والمتابعة التي أسسها سوريون
ومنظمات دولية، وبالنظر لوجود النخب الفكرية والعسكرية والسياسية والمدنية
المعارضة على الأراضي التركية.
لكن
من الواضح أن تركيا تريد التخلص من العبء السوري بأي صيغة وتحت أي عنوان. وحبذا لو
استوعب السوريون هذا الأمر، إذ لم يعد لدى الأتراك طاقة للشرح والتوضيح، ولم
يعودوا مستعدين انتظار نجاح جولات اللجنة الدستورية، ولا تطبيق مندرجات قرار مجلس
الأمن رقم 2254 الذي ينص على تشكيل هيئة حكم لا طائفي. ما يهم الأتراك هو أن يأتي
عام 2023 وتكون تركيا قد تخلصت من عبء ملايين السوريين، على الأقل نصفهم.
الخطأ الذي ارتكبته المعارضة والنخب السورية، التي لم تضع في حسابها احتمالات تحوّل الموقف التركي، بل إنها لم تستطع تشكيل حيثية معتبرة ومستقلة، بحيث تخفف من آثار التحول التركي إن حصل
تقييم
صانع القرار التركي للحالة السورية
بدأ يتغير منذ مدة، تساوقا مع متغيرات البيئة
الدولية، وبات الموضوع السوري يشكل مصدر خطر وفرصة بنفس الآن. والسياسي الشاطر هو
من يستطيع تحويل المخاطر إلى فرص، أو الاستفادة القصوى من الفرص وتجنب المخاطر ما
أمكن، وأردوغان وحزب العدالة والتنمية هم في النهاية لاعبون سياسيون يشتغلون ضمن
هذه الحدود، لهم أولوياتهم ولهم تفضيلاتهم التي تتطابق مع مصالحهم السياسية. وعندما انخرطوا في
الملف السوري، كان هذا الانخراط
نتيجة رؤى وحسابات سياسية معينة، التي لا شك تغيرت نتيجة خريطة المعطيات الجديدة،
السياسية والاقتصادية والأمنية والدولية.
هنا
نصل إلى بيت القصيد، وهو الخطأ الذي ارتكبته المعارضة والنخب السورية، التي لم تضع
في حسابها احتمالات تحوّل الموقف التركي، بل إنها لم تستطع تشكيل حيثية معتبرة
ومستقلة، بحيث تخفف من آثار التحول التركي إن حصل، وتحصره في حدود المؤلم، لكن أن
يكون قاضيا كما هو الحال اليوم، فتلك هي ذروة أزمة المعارضة السورية.
الأمر ينطوي على مصاعب كبيرة، إذ ليس من السهل الصمود في مواجهة نظام مدعوم من قوتين كبيرتين، روسيا وإيران، بدون حليف إقليمي ودولي، لكنه ليس مستحيلا، وهو ما يجب العمل عليه، وتحويل طاقة الغضب من تركيا وعليها، إلى ديناميكية للبحث عن مخارج من الورطة الراهنة
في
تاريخنا السياسي القريب، نتذكر تجربة منظمة التحرير الفلسطينية، التي قاتلت القريب
والبعيد للحفاظ على استقلالية قرارها، وتحملت المصاعب والأزمات، سواء من خلال حصار
دول الطوق لعملياتها، أو قطع الدول العربية للتمويل عنها، ومع ذلك رفضت الرضوخ لأي
جهة، حتى حركة حماس تمسكت بخياراتها في مرحلة الثورة السورية، ورفضت الانخراط ضد
أشواق السوريين للحرية، بل إن جزءا كبيرا من كوادرها انخرط مع الثوار السوريين،
وقد كلفها ذلك خسارة ساحة خلفية مهمة، وهو ما يرفض نظام الأسد الصفح عنه أو
نسيانه.
هل من
الممكن للمعارضة السورية إثبات وجودها بدون الدعم التركي؟ لا شك أن الأمر ينطوي
على مصاعب كبيرة، إذ ليس من السهل الصمود في مواجهة نظام مدعوم من قوتين كبيرتين،
روسيا وإيران، بدون حليف إقليمي ودولي، لكنه ليس مستحيلا، وهو ما يجب العمل عليه،
وتحويل طاقة الغضب من تركيا وعليها، إلى ديناميكية للبحث عن مخارج من الورطة
الراهنة، أو عليهم القبول بحكم الأسد للأبد.
twitter.com/ghazidahman1