على وقع الخلافات المتنقلة من مكان إلى آخر، وصوت السجالات الظاهرة والمستترة
بين كل القيادات، والدولار المتفلت من عقاله عند عتبة تفوق 33 ألف ليرة، والحبل على
الجرار حيث كل المؤشرات تؤكد مساره الصعودي إلى أرقام لا تحمد عقباها اجتماعيا،
حيث الفقر ينهش الناس مع تضخم قاتل سفاح قبل إقرار الدولار الجمركي فكيف بما بعده؛
خاصة إذا لامس التعديل عتبة سعر دولار منصة صيرفة، عندها ستصبح الناس في خبر كان، وستصبح
أبسط السلع لمن استطاع إليها سبيلا، في بلاد تعاني من ضعف الرقابة وغياب الحوكمة.
واقتصاديا، سيغدو الركود التضخمي عنوان المرحلة بامتياز في اقتصاد خسر أكثر
من ثلثيه في أقل من ثلاث سنوات ولاحقا سياسيا، حيث الرئاسة الملف الحاضر كل يوم في الصالونات السياسية كافة، والكل يبحث عن مواصفات الرئيس وينزل عليه من الصفات
الملائكية والمثالية والطوباوية، في زمن بخيل بالجود برجال دولة وثبات ومؤسسات على
غرار الرئيس المتمسك بما يقوله الكتاب (الدستور)، عنيت الرئيس فؤاد شهاب المشهود
لحقبته بتعزيز دور الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها القضاء؛ الذي للأسف هو اليوم يدخل
مع نادي التعطيل كما باقي القطاعات، بفعل ضعف القوة الشرائية وغياب الرواتب وتبخر
قيمتها.
فاجأ الرئيس نجيب ميقاتي الجميع بدعوة الحكومة إلى التشاور؛ وأيما تشاور كان حاضرا في الجلسة في ظل الحديث عن الخلافات والصلاحيات داخلها!
في خضم كل هذه الظروف، فاجأ الرئيس نجيب
ميقاتي الجميع بدعوة الحكومة إلى التشاور؛
وأيما تشاور كان حاضرا في الجلسة في ظل الحديث عن الخلافات والصلاحيات داخلها! إن
المهم من الدعوة هو ما أنجزه الميقاتي من ورائه، حيث لا زال الرجل يحترف لعبة تدوير الزوايا، ويخرج من معاركه منتصرا دون أي عناء في هذه المرحلة بالذات، حيث الدور الحساس
للموقع والشخص معا ضمن بيئته الطائفية السنية البحتة؛ والوطنية بالمعنى الأبعد في
ظل الكلام عن التشتت الوطني للطائفة السنية على موائد الطوائف الأخرى.
إذ تشير المعلومات إلى أن معركته
الأخيرة مع الوزير جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، والبيانات والردود
المتلاحقة ضمن معادلة حفظ السراي من الداخل والحرص على رضى العرب بالحد الأدنى، والبقاء
على التواصل مع المجتمع الدولي وتحديدا الفرنسيين، ومن خلفهم الأمريكان في معادلة
تزان بميزان الذهب.
وعليه، حظيت خطواته بثناء ظاهر على حضوره
من قبل بيئته الحاضنة، ولا سيما من دار الفتوى، كما من النواب السنّة بمن فيهم
معارضوه، وعليه ظهر الرجل كصياد يضرب في مكان
ليحصد في أماكن أخرى متعددة. وربما تكون الحكومة أولى الأهداف، حيث الجميع يتحدث
عن فخامة
الفراغ القادم إلى بعبدا لفترات طويلة وطويلة جدا، وربما لا يمتلئ كرسي
بعبدا إلا بعد تطورات إما على الحدود أو في المنطقة أو حتى في الشارع
اللبناني
نفسه، القابع على نيران الغلاء والعوز، حيث التقارير الدولية المتلاحقة عن الفقر والجوع
وغياب الخدمات، وربما أكثرها درامية وتراجيديا لما جرى في فيدرال بنك، الذي قد يصبح
عادة في قابل الأيام، إذا ما أقرت الخطة الاقتصادية للتعافي، وفي مقدمتها كابيتال كونترول
عادل بعيدا عن استنسابية أهل المصارف.
هل تكفي الضغوط بشقيها الداخلي والخارجي لتشكيل حكومة بمعايير جديدة؟ ولمَ لمْ تضغط منذ اللحظة الأولى لتكليف الميقاتي؟
لقد عاد البحث عن حكومة جديدة، حكومة الحدّ الأدنى أو
حكومة الولادة من الخاصرة، كما أسلفنا في مقالات سابقة عبر موقع "عربي21"،
وربما الأصح حكومة لإدارة الفراغ الرئاسي، حيث يغدو كل وزير بتوقيعه بمنزلة رئيس
كامل الأوصاف وتتحول البلاد بـ24 رئيس! وهو كما يدرك الجميع كأس يحاول الكل تجنّب
تجرعه، وربما قادم الأيام تحمل ضغوطا دولية كبيرة لمنع دخول البلاد فيه، خوفا من انزلاق البلاد إلى هاويات، الكل في الداخل والخارج بغنى عنها.
في الموازاة يطرح السؤال نفسه: هل تكفي الضغوط بشقيها الداخلي والخارجي
لتشكيل حكومة بمعايير جديدة؟ ولمَ لمْ تضغط منذ اللحظة الأولى لتكليف الميقاتي؟
وعليه، هل الترسيم بتشعباته يحتاج حكومة أصيلة؟ أو إن الأمر يقتضي تعويم الحكومة الحالية
مع بعض الرتوش التجميلية القائمة على تعديل بعض الشخصيات، التي يرغب الرئيسيان في إزاحتها.
وهنا، يهمس الكلام حول أسماء محددة سقطت في الانتخابات الأخيرة، أو أحبت أن تضارب
على الرئيس ميقاتي في موقعه، فمعركة الحلول الوسطى ضمن معادلة صائب بك الشهيرة "لا
غالب ولا مغلوب"، والهدف تمرير المرحلة بأقل الخسائر.
الواقع يؤكد أن لبنان لا محالة واقع على فيالق المنطقة والإقليم المتعددة، وهو ينتظر انفراجاتها وإشارتها سلبا أو إيجابا من إيران واتفاقها النووي ضمن الشروط الأمريكية في المبادرة الأوروبية الأخيرة، التي يرجح أن تبصر النور وتنعكس على انفراجه في العلاقات بين الرياض وطهران
الكل يدرك أن لبنان بحاجة إلى أن تأتي حكومة، ولكن ليس بأي ثمن
ولا تحت رغبة فريق دون فريق. إن اللحظة الراهنة لا تسمح بالتنازلات بين فرقاء
الداخل، فالواقع يؤكد أن لبنان لا محالة واقع على فيالق المنطقة والإقليم المتعددة،
وهو ينتظر انفراجاتها وإشارتها سلبا أو إيجابا من إيران واتفاقها النووي، ضمن
الشروط الأمريكية في المبادرة الأوروبية الأخيرة، التي يرجح أن تبصر النور وتنعكس
على انفراجه في العلاقات بين الرياض وطهران.
وكذلك هو بانتظار عودة المبعوث الأمريكي أموس هوكشتين حاملا
الرد الإسرائيلي، حيث التاريخ لا يبشر بالخير؛ لأن الإسرائيلي لا يعرف سوى لغة
القضم وسرقة الأراضي وثرواتها. وتاليا، الجميع محكوم ضمن مهلة أمين عام حزب الله أي
شهر أيلول/ سبتمبر، الذي يخشى أن يكون بالدم مبلول في حال عدم نضوج اتفاق للترسيم
في الحدود البحرية، مضافا إليه استحقاقات البلاد الداهمة، لا سيما حالة الشلل
المتنقلة في الإدارات العامة، وعلى رأسها ملفات عودة المدارس والأقساط المدولرة، التي تزيد هموم اللبنانيين، وصولا إلى الفراغ القاتل.
mmoussa@mees.com