مثلت هجرة الرسول
محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حدثا تاريخيا ترتبت عنه تحولات كبرى
في الجزيرة وفي العالم كله، تلك الهجرة تظل حدثا استثنائيا يستقرئه المؤرخون
وعلماء الأديان والشرائع وأصحاب الأفكار والنظريات. ويمكننا أن نقف على بعض معاني
تلك الهجرة في نصنا هذا:
1- هجرة حال لا
هجرة مكان
لم تكن تلك الهجرة
مجرد خروج من مكان إلى مكان آخر، إنما كانت هجرة من حال إلى حال، هجرة بيئة منغلقة
متحجرة تسودها تقاليد وعادات لا يقبلها العقل ولا تخضع لمنطق وحكمة، وتهيمن عليها
نوازع القوة والسيطرة والغلبة المستندة إلى القبيلة والعصبية والمال.
هجرة بيئة لم تكن
تسمح بطرح فكرة جديدة وقيم جديدة ولا تقبل بإقامة علاقات بين البشر على قاعدة
المساواة في القيمة الإنسانية، وعلى مبدأ العدالة وعلى فضيلة الحرية، ولم تكن تسمح
بمخاطبة من يظنون أنفسهم "سادة" بمفردات جديدة من مشتقات فلسفة الأخوة
والتعارف والحرية.
هجرة أصحاب الرسول
صلى الله عليه وسلم من قبل إلى الحبشة كانت هجرة واعية بخصوصيات ذاك المكان
وبروحيته؛ لا فقط بجغرافيته ومناخه الطبيعيين، "إنها بيئة لا يُظلم فيها
أحدٌ"، وإن فيها ملكا هو أقرب ما يكون إلى القيم الرسالية الجديدة؛ قيم
المساواة والحرية والعدالة وعقيدة التوحيد.
لم تكن الشجاعة تعني اقتحام المهالك، إنما الشجاعة تعني تبني المواقف الحكيمة والقرارات الدقيقة حتى وإن لم يقبل بها عموم الناس. الشجاعة ليست قرارَ ذهاب إلى التهلكة، إنما الشجاعة قرار ذهاب إلى المستقبل وإلى الحياة؛ بما هي فعل تحرر وإبداع وتشييد للعمران البشري المتكامل
كانت هجرة في الإنسان؛ متحررة من كل أشكال العنصريات والعصبيات القبلية ومن انغلاق المعتقد والتصور، فالإنسان هو مقصد الشرائع والأديان، وهو المنتصر إليها وناصرها بوعيه وإرادته وحبه
النجاشي كان علامة إنسانية في ظلمة وجهالة وعصبية وتعصب، وكان منارة يُتجه إليه في تيه حضاري وإنساني وروحي رهيب.
الرسالة المحمدية
هي رسالة الله إلى الناس، وهي رسالة الناس في التاريخ وإلى المستقبل لا يحتكرها
المسلمون ولا يمارسون عليها وبها وصاية على العالم، إنما يهتدون بها إلى العالم
ويستدعون إليها العالم؛ يُسهم في معرفتها وفي التعريف بها استنقاذا للبشرية -كل
البشرية- من الشقاء والضلال.
twitter.com/bahriarfaoui1
الإنسان في القرآن.. إنقاذ الإنسان من العبثية والحيرة (7)
العدّاء الأولمبي فرح.. والحزن الذي يغمرنا