بعد انصرافه من الحجّ كانت الخطبة الأولى لعمر بن الخطاب
رضي الله عنه في المدينة إثر عودته يوم الحادي والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 32 ه،
وكان ممّا قاله فيها:
"إنّي رأيت رؤيا، لا أراها إلا حضور أجلي، رأيت كأنّ
ديكاً نقرني نقرتين! وإنّ قوماً يأمرونني أن أستخلف وأعيّن الخليفة من بعدي! وإنّ
الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيّه، فإن عجل بي أمر
فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم
راضٍ".
إنّها الرّؤيا العمريّة التي كانت تأتي مثل فلق الصّبح،
فهو المُحدَّث المُلهَم كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وهي الإشارة الأولى للشّهادة التي حدثت عقب عودة عمر رضي
الله عنه من الحج.
قرارٌ عمريّ بمنع الإقامة في المدينة
من القرارات التي أصدرها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه؛
منع النساء والرجال من سبايا ورقيق البلاد التي تمّ فتحها من دخول المدينة المنورة، عاصمة دولة الخلافة، أو الإقامة فيها.
فكان يمنع على الإطلاق مجوس العراق وفارس، ونصارى الشام
ومصر، من الإقامة في المدينة أو دخولها ما داموا على غير دين الإسلام.
ملمحٌ مهمّ أنّ القرارات التي تتعلّق بأمن المجتمع والدّولة لا ينبغي التّهاون في تنفيذها أو منح الاستثناءات إلّا بناءً على دراساتٍ منهجيّة تخصّصية، فالخطأ اليسير في هذه القضايا نتائجه عادة ما تكون أكبر من كارثيّة
هذا الموقف دليلٌ على عبقريّة عمر وبعد نظره؛ فالمغلوب المنهزم
يبقى في قلبه الحقدُ على هازميه، ومن الطّبيعيّ أن تكون هناك شريحة من هؤلاء مبغضة
للإسلام وأهله، ومن الطبيعيّ أيضاً أن يدفعها حقدها إلى تدبير المكائد ضدّ الإسلام
وأهله، ومن لم يباشر التآمر بنفسه فإنّ نفسه مهيّأة لقبول التآمر وتنفيذ المكائد
بحقّ الإسلام وأهله، فقرار منعهم من الإقامة في المدينة هو إجراء احترازيّ أمنيّ منطقيّ
وضروريّ.
غير أنّ هذا القرار لم يتمّ تنفيذه بالصّرامة التي كان
يريدها عمر رضي الله عنه، وذلك بسبب ضغط أعدادٍ من الصّحابة رضي الله عنهم الذين
كان لهم رقيقٌ من هؤلاء السبايا النّصارى أو المجوس، فكانوا يمارسون الإلحاح
والضّغط على عمر رضي الله عنه للحصول على الإذن لبعض هؤلاء من الرّجال والنّساء ليقيموا
في المدينة، تحت ذرائع شتى؛ منها الحاجة إلى الاستعانة بهم في الأمور والحاجات
والأعمال الخاصّة. وتحت الضّغط والإلحاح أذن عمر رضي الله عنه لبعض هؤلاء بالإقامة
في المدينة، على كره منه، وللأسف فقد وقع من هؤلاء ما توقَّعه عمر، ونزل بالمسلمين
ما كان يحذّرهم منه.
وفي هذا ملمحٌ مهمّ أنّ القرارات التي تتعلّق بأمن
المجتمع والدّولة لا ينبغي التّهاون في تنفيذها أو منح الاستثناءات إلّا بناءً على
دراساتٍ منهجيّة تخصّصية، فالخطأ اليسير في هذه القضايا نتائجه عادة ما تكون أكبر
من كارثيّة.
المتآمرون على اغتيال عمر
تحاول العديد من كتب التّاريخ تصوير عمليّة اغتيال عمر
رضي الله على أنّها قرارٌ فرديّ من "
أبو لؤلؤة المجوسي"؛ اتخذه في ساعة
غضب من بعض قرارات عمر رضي الله عنه، وفي هذا تسطيح للمشهد وتبسيط للحدث.
وقد أجرى أستاذنا الدكتور صلاح عبد الفتّاح الخالدي رحمه
الله تعالى؛ تحقيقاً للمسألة والحدث في كتابه الماتع القيّم "الخلفاء الرّاشدون
بين الاستخلاف والاستشهاد"، خلص فيه إلى أنّ اغتيال عمر رضي الله كان
مؤامرة
لها أربعة أركان، وأنّها ليست حدثاً تمّ عقب شعور أبي لؤلؤة المجوسيّ بمظلمةٍ
فرديّة شخصيّة كما تمّ تصويره، وأنّ المخططين لعمليّة الاغتيال هم أربعة أشخاص:
اغتيال عمر رضي الله كان مؤامرة لها أربعة أركان، وأنّها ليست حدثاً تمّ عقب شعور أبي لؤلؤة المجوسيّ بمظلمةٍ فرديّة شخصيّة كما تمّ تصويره، وأنّ المخططين لعمليّة الاغتيال هم أربعة أشخاص
أولاً: الهُرمُزان:
وهو من كبار قادر الفرس، وكان ملك الأهواز، وهو فارسيّ القوميّة مجوسيّ الدّيانة،
وقد خاض حروباً شرسة ضدّ المسلمين إلى أن انتهى به المطاف ليقع أسيراً بين أيدي
المسلمين في معركة "تستر"، ليساق إلى المدينة سنة 18هـ.
ثانياً: كعبُ
الأحبار: وهو من يهود اليمن، وكان من كبار أحبار وعلماء اليهود؛ أعلن إسلامه في
خلافة عمر، وعقب ذلك انتقل على الفور للإقامة في المدينة.
ثالثاً: أبو
لؤلؤة فيروز: وهو رقيقٌ مملوك للمغيرة بن شعبة، وهو فارسيّ القوميّة مجوسيّ
الدّيانة، وقع أسيراً في أيدي المسلمين فأخذه المغيرة بن شعبه.
وكان أبو لؤلؤة حدّاداً ماهراً، ممّا دفع المغيرة إلى
ممارسة الضّغط والإلحاح على عمر رضي الله عنه ليسمح له بالإقامة في المدينة
ليستفيد المسلمون من صنعته ومهارته؛ فأذن له عمر رضي الله عنه.
رابعاً:
جُفَينة: وهو رقيقٌ نصرانيّ من نصارى الشّام الذين تمّ أسرهم وسيق إلى المدينة.
فأركان المؤامرة على عمر المخططون لاغتياله أربعة أركان. ولكن
كيفَ خطّطوا ونفّذوا؟ هذا ما نبسط القول فيه بإذن الله تعالى في المقال القادم.
twitter.com/muhammadkhm