عنوان قدر ما يبدو غريبا إلا أن فيه ما يكفي من الحقيقة، ذلك بالمقارنة مع أهداف زياراته للمحطات الأخرى.
المحطة الأولى هي الحتمية كلما قرر رئيس أمريكي زيارة الشرق الأوسط، إسرائيل هي البداية دائما والهدف أولا وأخيرا، ذلك أن الرئيس بايدن الذي يعاني من تدهور شعبيته في بلاده، يتطلع الى الرافعة اليهودية ذات القدرات الهامة في الانتخابات الامريكية على كل مستوياتها، فضلا عن أنه لا يستطيع تجاهل التشويش الإسرائيلي على سياسته تجاه المشروع النووي الإيراني، فالطمأنة ضرورية ويحتاجها الطرفان، كما أن إسرائيل وبالمنظور الاستراتيجي تقع في قلب الهدف، الذي هو دمجها في الشرق الأوسط وتطوير حضورها الذي تبلور في اتفاقات "أبراهام" التي ما تزال ناقصة بغياب الحلقة الأهم وهي العربية السعودية بما لها من مكانة مميزة وقدرات تأثير عالية إقليميا ودوليا.
المحطة الثانية التي هي بيت لحم، وهي الأسهل والأقرب والأقل كلفة من باقي المحطات، وإذا كنا حددنا حيثيات المحطة الأولى إسرائيل، فلن نجد الكثير لنحدد بما يخص المحطة الثانية، ذلك أن الإدارة الديمقراطية التي وعدت الفلسطينيين بالكثير ولم تف حتى بالقليل، تعتبر احتفاظها بعلاقة مع السلطة الفلسطينية بعد انقلاب ترامب عليها ميزة يتعين على السلطة أن تحتفي بها، ولكي تعطي لهذه العلاقة بعض المزايا تواصل الإدارة المناداة بحل الدولتين وانتقاد الاستيطان مع انعدام الجهد في تفعيل هذه المواقف مستعيضة عنه بتقديم مساعدات وإن كان الفلسطينيون بحاجة إليها إلا أنها لا ترقى الى الحد الأدنى مما يحتاجون على الصعيد السياسي، إذا هي محطة مجاملة وتنقيط دعم بالحد الأدنى وبوسعنا تحديد أهميتها الفعلية بحجم أهمية وأوزان المحطتين الأولى والثالثة.
لو بقي الحال عندنا على ما هو عليه الآن فسوف تظل زيارتنا بالنسبة لبايدن وغيره مجرد مجاملة واسترضاء
الرئيس المحتفى به في جدة يسعى لإدخال إسرائيل الى هذا المنتدى العربي كعضو دائم العضوية فيه، غير أنه ليس متأكدا بعد من نجاحه إذ اكتفى أوليا من الغنيمة بالسفر المباشر من إسرائيل الى السعودية وهذا لا يكفي كانجاز تاريخي نوعي يغير سياسيات ومعادلات.
عودة إلى العنوان الذي يبدو غريبا بايدن عندنا وليس عندنا، هو عندنا في زيارة المكان واللقاء مع الرئيس الفلسطيني وعندنا حين يزور مستشفى في القدس الشرقية متجردا من المرافقة الإسرائيلية، وعندنا حين يضع مالا في جيبنا تحت مسميات إنسانية، غير أنه ليس عندنا في الأمر الأساس الذي نحتاجه وهو فتح الملف السياسي على أفق محدد يجري العمل المباشر عليه ويرى فيه الفلسطيني فرصة للخلاص من الاحتلال وتقدما ملموسا نحو هدفه الدائم في الحرية والاستقلال.
أخيرا... عندنا وليس عندنا هذه حالة نحن فقط من يملك تغيرها بتغيير أشياء كثيرة فينا، أما لو بقي الحال عندنا على ما هو عليه الآن فسوف تظل زيارتنا بالنسبة لبايدن وغيره مجرد مجاملة واسترضاء.