نشر موقع معهد بروكينغز تقريرا أشار فيه إلى أن دستور قيس سعيد والذي يطلب من التونسيين التصويت عليه نهاية الشهر الجاري سيعقد المشهد السياسي في البلاد.
وأضاف المعهد الأمريكي أن وثيقة سعيد تقدم نظاما رئاسيا هجينا وديكتاتوريا، بقدر قليل من المساءلة والضوابط. وحتى البرفسور صادق بلعيد الذي ترأس لجنة صياغة الدستور الجديد، قال إنه يعبد الطريق أمام ديكتاتورية مشينة.
وكما هو الحال ستقاطع معظم الأحزاب السياسية الاستفتاء لأن عملية صياغته لم تكن شرعية وبدون أي نوع من التنازلات. وستظل الأزمة السياسية التونسية مستمرة وتمنع أي نوع من الحل الذي يحد من انهيار الاقتصاد.
ورغم صحة ما يقوله سعيد من أن دستور ما قبل نظام 2021 يعاني من العيوب، إلا أنه ضيع فرصة للتوصل إلى إجماع حول إصلاحاته السياسية، بشكل يجعل من إمكانية حصول ما يطلق عليها "الجمهورية الجديدة" الشرعية التي تقف أمام امتحان الزمان أمرا صعبا.
ويقوم نظام سعيد الجديد على منح الرئيس السلطة المطلقة، فهو يختار رئيس الوزراء ويعرض القوانين على البرلمان ويعين القضاة.
ويذهب دستور سعيد أبعد من كونه نظاما رئاسيا فهو يزيل كل الضوابط التشريعية والقضائية عن الرئيس، ولا يمكن للبرلمان تقديم الرئيس للمحاكمة، حيث تم حذف المادة 88 من دستور 2014.
اقرأ أيضا: "العفو الدولية": دستور سعيّد يضعف ضمانات حقوق الإنسان
ويمكن للمشرعين إجبار رئيس الوزراء على الاستقالة (مادة 116). أما المادة التي تعطي الرئيس الحق بالتحرك في حالة الطوارئ والتي أدت لأزمة 25 تموز/يوليو فقد أصبحت أكثر سوءا، فلم يعد للبرلمان أو المحكمة الدستورية السلطة لإلغاء السلطات الإستثنائية للرئيس (مادة 96)، وأخيرا أسقط الدستور الجديد المادة 101 من دستور عام 2014 وجرد المحكمة الدستورية من حق التفسير والفصل في سلطات الرئيس.
وكما لخص سعيد بن عربية من اللجنة الدولية للحقوقيين، الواقع بجدارة، فالدستور "يقدم نظاما رئاسيا جامحا ورئيسا كلي السلطات وبرلمانا ضعيفا وقضاء بدون قوة". وأكثر من هذا فقد تم تصميم الدستور لكي يجعل البرلمان ضعيفا. وإذا كانت مشكلة دستور 2014 أنه خلق سلطات تنفيذية مقسمة، فإن دستور سعيد يخلق سلطة تشريعية منقسمة. فدستوره يتصور جهازين برلمانيين، مجلس نواب الشعب التقليدي المرفق الآن بالمجلس الوطني للولايات والمناطق، وهي محاولة لتفعيل عملية حكم لامركزية من القاع إلى القمة والتي تحدث عنها سعيد قبل 3 أعوام.
وتتولى كل غرفة مسؤوليات مثل تمرير الميزانية والرقابة البرلمانية. وفي ظل الدستور الجديد فستكون حصانة ممثلي المجلسين محدودة وربما تعرضوا للمحاكمة بتهم التشهير أو القذف (مادة 66). وسيكون هذا النظام في أحسن حالاته منقسما وتتداخل فيه الكثير من المؤسسات ليتمكن من الحكم بفعالية. وفي أسوأ حالاته فسيكون عمل البرلمان الختم على مطالب رئيس مستبد.
وهناك تغييرات أخرى في دستور سعيد لا تبشر بخير للديمقراطية. فقد قنن دستور 2014 القوى العسكرية والأمنية (الجمهورية) بأنها مؤسسات محايدة (مادتي 18-19) لكن دستور سعيد أزال المادتين هاتين بالكامل، وهو تطور مثير للقلق نظرا للجوئه إلى المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين واستخدامه الشرطة لقمع المتظاهرين.
وغاب عن دستور سعيد الكثير من المؤسسات التي أنشئت بموجب دستور 2014 مثل لجنة الاتصالات السمعية- البصرية، لجنة حقوق الإنسان. ويزيل الدستور الجديد بالمثل حقوق القضاة بالإضراب، فيما يبدو كرد على إضراب القضاة الشهر الماضي احتجاجا على عزل 57 قاضيا في الأول من حزيران/يونيو.
ولعل أكثر التغييرات المفاجئة في الدستور هو دور الإسلام. ففي الوقت الذي ألمح فيه المشاركون بصياغة الدستور إلى وثيقة أكثر علمانية إلا أن دستور سعيد يبدو أكثر إسلامية. فالمادة 5 من المسودة تنص على أن تونس هي "جزء من الأمة الإسلامية" ويطلب من الدولة "العمل وتحقيق مقاصد الإسلام الصحيح" والتي حددها بمقاصد الحياة والعرض والمال والدين والحرية. وبند كهذا لم يكن ليتجرأ ولا حزب إسلامي على تقديمه.
اقرأ أيضا: رئيس لجنة الدستور بتونس: نسخة سعيّد تمهد لنظام ديكتاتوري
واقترح المحلل التونسي محمد ضياء الهمامي أن الدستور قد يؤسس لدولة إسلامية ثيوقراطية. ومن الناحية السياسية فقد يضر البند بسعيد بين الأحزاب القليلة التي تدعمه والحكومات الخارجية وكلها معادية للإسلاميين. وربما حسب سعيد أن القاعدة الداعمة له والتي يحتاجها للمشاركة في التصويت هي قاعدة محافظة دينيا. فبعد كل هذا دعمت معارضته للتساوي في الميراث والمثلية عام 2019.
وأهم من جوهر الدستور هي الطريقة التي كتب فيها، فلو تمت من خلال عملية شاملة وإجماع لحصل على دعم ضمن استمراره حتى بعد رحيل معده. وفي هذا السياق فشل سعيد وبشكل بائس بعدما أعد بطريقة أحادية وخلف الأبواب المغلقة، فقد استبعدت كل الأحزاب السياسية إلى جانب الاتحاد التونسي العام للشغل من العملية.
وتخطط كل الأحزاب لمقاطعة الإستفتاء وحرمانه من الشرعية عبر مشاركة متدنية. وقال أحمد نجيب الشابي، من جبهة الخلاص الوطني إن سبب مقاطعته جاء "لأن هذا انقلاب، ووصف لجنة البندقية العملية بأنها مخالفة للمعايير الدستورية، وهي محاولة لمنح شرعية مزيفة لأمر سيكون دائما سلطة مطلقة وشخصية".
وفي الوقت الذي يمكن للمعارضة فيه منع الدستور لو قررت المشاركة والتصويت بلا إلا أنها لا تثق بنزاهة الإستفتاء. وعلق زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي: "لا نثق بأنه سيكون استفتاء نظيفا" و"لماذا غير الرئيس لجنة الانتخابات؟ ولماذا منع المراقبين الأجانب؟ وهذه إشارات عن النية للسيطرة على العملية الانتخابية، والنتيجة باتت معروفة". وقالت سميرة الشواشي، زعيمة قلب تونس: "لقد تم التحرش بالقضاء اليوم واعتقل سعيد العديد من المدونين، وهو قادر على إسكات أي صوت ضد الإستفتاء، هذا غير شرعي ولن نشارك".
ومن المحتمل تمرير دستور سعيد، حتى في ظل مقاطعة الأحزاب له، لكنه سيكون انتصارا فارغا وقصير الأمد، فلن يؤدي تمرير دستور جديد إلا لتوحيد المعارضة وتوسعها ولن يمنح الشرعية للجمهورية الجديدة. وستتعمق الإنقسامات والخلافات السياسية وستتفاقم الأزمة للأسوأ.
"لوموند": دستور تونس الجديد يقطع العلاقة جذريا مع البرلمان