حول العالم

ما دوافع تزايد جرائم القتل بالدول العربية.. وكيفية تجنبها؟

خبراء اجتماع: غياب الوازع الديني وبعض ما تنشره وسائل الإعلام من مواد درامية وغيرها تروج للعنف- أرشيفية

تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام العربية كل يوم بعشرات الجرائم، والقصص المأساوية التي تتعلق بملابسات ارتكابها، لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية وقع عدد من جرائم القتل التي هزت الرأي العام العربي، وسط تساؤلات عن تزايد جرائم القتل في مجتمعاتنا العربية وأسباب انتشارها.

 

وكانت من أبرز تلك الجرائم التي شغلت مساحة واسعة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي العربية هي جريمة نحر الطالبة المصرية نيرة أشرف أمام جامعتها بمحافظة المنصورة، وقتل الطالبة الأردنية إيمان رشيد بالرصاص داخل حرم جامعتها بالعاصمة عمان. 

 

وبمتابعة سجل الجرائم في الإعلام العربي، رصدت "عربي21"، خلال فترة زمنية قصيرة جرائم لا تقل بشاعة عن الجريمتين السابقتين، ومنها قاض مصري يقتل زوجته الإعلامية ويدفنها بحديقة البيت، وأب يقتل طفلتيه ويدفنهما بحفرة في منزله بالأردن، وزوج يقتل زوجته في الإمارات، ومصري يقطع رأس شاب أمام المارة ويسير بها في الشارع، وكذلك ذبح لبناني والد زوجته، وغيرها من مئات الجرائم المماثلة في معظم البلدان العربية.

 

"عربي21" حاولت الوصول إلى إحصائيات رسمية ترصد بشكل دوري معدلات الجريمة في البلدان العربية ولم تجد، كما تواصلت مع عدد من وزارات الداخلية العربية لمعرفة أية إحصائيات عن مؤشرات الجريمة ولم تتلق ردا حتى ساعة نشر هذا التقرير.


"غرائز عدوانية"


وأرجع خبراء في علم الاجتماع في أحاديث منفصلة لـ"عربي21" دوافع وأسباب ارتكاب تلك الجرائم في المجتمعات العربية إلى غياب الوازع الديني وبعض ما تنشره وسائل الإعلام من مواد درامية وغيرها تروج للعنف وفقا لقولهم.


ويرى أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، أن "هناك عدة أسباب تدفع الجاني لارتكاب هذه الجرائم وتحفيزه لارتكابها بطريقة بشعة، أهمها التأخر في حل الخلافات والصراعات الشخصية بين الناس".


ودعا الخزاعي خلال حديثه لـ"عربي21"، إلى عدم تأخير حل أي خلاف يحدث بين الناس وخاصة الخلافات العاطفية والمالية العائلية، مؤكدا أن تأخير الحل يؤدي لتفاقم المشاكل وزيادة مظاهر الخطورة والتوعد بارتكاب جريمة ما.


وأضاف: "توجد غرائز ونزعات عدوانية لدى البعض، والتي في العادة لا تخرج للسطح إلا إذا نشبت أي مشكلة يمكن أن تُفسر من قبل الجاني بأنها مست حياته أو كرامته أو سببت له حرجا وقلقا ما، رغبة في الانتقام لنفسه".


وأشار الخزاعي إلى أن نشر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لطرق ارتكاب الجرائم يساهم أحيانا في دفع البعض إلى ارتكاب جرائم مماثلة، مستطردا: "عادة ما يتابع المجرمون أو الذين لديهم رغبات عدوانية مكبوتة وسائل الإعلام، ويتعلمون منها طرق ارتكاب الجريمة وكذلك طرق إخفاء معالمها، والمواد والأدوات التي يمكن أن يستخدموها".

 

وتابع: "على الرغم من أن هناك دورا سلبيا لوسائل الإعلام، لكن قد يكون لها دور إيجابي في مكافحة الجريمة، عبر توعية أفراد المجتمع بأن السلوك الجرمي مرفوض دينيا وعقلا".

 

"ثقافة المجتمع" 


ونبهت خبيرة علم الاجتماع، ميساء رواشدة، أن التهاون بالتربية وانشغال الأهل بتغطية نفقات الأسرة ورعايتها على حساب التربية والتنشئة الصحيحة له دور كذلك في دوافع ارتكاب الجريمة.


ولفتت في حديث خاص مع "عربي21" إلى أن "ثقافة المجتمع لها دور مهم في زيادة الجريمة والعنف خاصة إذا شجع السياق الثقافي على العنف والجريمة كما في بعض الموروثات الثقافية الخاطئة المتعلقة بالثأر". كما أشارت إلى أن الإدمان يعد من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة.

 

وتلعب البطالة والفقر والضغوط الاقتصادية دورا أساسيا في زيادة العنف وتولد الإحباط الذي يصيب الشباب فيرى أن حياته لا جدوى منها، خاصة حينما يرى أن وسائل وسبل وطرق الوصول لحياة كريمة سعيدة باتت مغلقة أمامه، ما يؤدي إلى اتباعه وسائل غير قانونية وغير أخلاقية لإشباع حاجاته ورغباته، وفقا لميساء.


وأوضحت أخصائية علم الاجتماع، فاتن أبو صايمة، أن الألعاب الإلكترونية وأفلام الأكشن والمغامرات، تعزز ثقافة العنف، خاصة أن بعضها يحتوي على مشاهد العنف والرعب وطرق تفنن المجرم في تعذيب ضحيته.

وأشارت في حديث لـ"عربي21" إلى أن "الواسطة والمحسوبية والفساد يولد عدم ثقة بالقانون، ويدفع الجاني لأخذ حقه من المجني عليه بيده هو لا بيد القانون، كما أن المحسوبية والفساد يطمئن المجرم بأنه قد لا يُعاقب".

 

"عوامل ضرورية"

 

وأضافت أبو صايمة، "نحن كمجتمعات عربية ومسلمة ينص ديننا على القصاص ومحاسبة المجرم وعدم التهاون بحقوق الآخرين، لذلك نحتاج لتطبيق واضح وحازم للقانون لا يتم فيه التساهل والتهاون بالروح الإنسانية".


وأكدت "ضرورة حرص الأسر على توعية أبنائهم وتنشئتهم تنشئة سليمة، ومتابعة ما يشاهدونه على وسائل التواصل الاجتماعي والمحطات التلفزيونية، ومحاورتهم وتنبيههم كي لا يأخذوا ما يشاهدونه على محمل الجد".


وأوضحت أن "الاحتضان العائلي والديمقراطية العائلية هما الوسيلة الأهم لمعرفة ما في عقول الأبناء ولمحاربة النزعة الإجرامية أو الميل للعنف إذا ظهرت لدى أحد أفراد الأسرة، كذلك التوعية الدينية بطريقة سليمة ومقنعة وغير منفرة للشباب".


وشددت على "ضرورة مناقشة مشاكل أفراد الأسرة والسعي للمساعدة في حلها، وكذلك الدعوة للتكاتف المجتمعي ومساعدة الآخر، وتفعيل دور الرقابة المجتمعية والقانونية والأمنية، ومنع الأعمال الدرامية التي تُنافي ثقافتنا وأخلاقنا وتربيتنا، ومنع الألعاب الإلكترونية التي تُعزز ثقافة القتل والعنف".