صحافة دولية

هل ينهار النظام السياسي الذي أنشأته واشنطن في العراق؟

العراق دخل منعطفا سياسيا جديدا مع عمليات التغيير التي جرت في المنطقة والتوازنات التي شهدتها العلاقات مع الدول العربية- جيتي

نشرت صحيفة "ستار" التركية مقال رأي للدكتور علي سيمين، عضو هيئة التدريس بجامعة نيشانتاشي، تحدث فيه عن غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، وما ترتب عنه من أزمات، كما تطرق إلى جوانب النظام السياسي الذي أرسته واشنطن في المنطقة.

وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن الولايات المتحدة الأمريكية غزت أفغانستان في تشرين الأول/ أكتوبر 2002، ثم العراق في آذار/ مارس 2003، بتعلة وجود أسلحة دمار شامل، وكانت هذه التدخلات تحت مسمى "مكافحة الإرهاب" ومشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي طرحته في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.

وذكر الكاتب أن العراق يعاني منذ سنوات من الأزمات السياسية المزمنة والصراعات وتضارب المصالح. فقد أجريت ست عمليات انتخاب برلمانية منذ سنة 2005 حتى الآن، وكانت كل محاولة تشكيل حكومة تمر بمخاض طويل ومعقد ومثير للجدل. وبالنظر إلى المعادلة السياسية التي أنشأتها الولايات المتحدة بعد الغزو، ظل النظام السياسي القائم في بغداد على حاله مهما تكررت الانتخابات.

وأوضح الكاتب أن السبب الرئيسي لذلك يكمن في المعادلة السياسية في العراق، التي تقتضي أن يكون رئيس البلاد كرديًا ورئيس الوزراء شيعيًا ورئيس مجلس النواب سُنيًا. وبناء على ذلك، أيًا كان الحزب الفائز في الانتخابات، فإنه يتعين عليه تشكيل حكومة توافقيّة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لمرشح من العرب السنة أو الأكراد أن يشغل منصب رئيس الوزراء حتى لو حصل على نسبة 60 في المئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية. لكن هذا النموذج لا أساس له في الدستور العراقي.

أزمة تشكيل الحكومة

في الانتخابات التشريعية المبكرة التي أُجريت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2021، لوحظ أن التوازنات السياسية في البلاد قد تغيرت، وأن الناخبين لم يصوتوا للتيارات على أسس عرقية وطائفية. وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 44 في المئة، وخسرت الأحزاب والتشكيلات الشيعية المدعومة من إيران نسبة كبيرة من الأصوات. ومن جهته، ركّز رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على النزعة القومية العراقية، وضم إلى صفه 73 نائبًا، ودافع عن تشكيل حكومة أغلبية بدلاً من حكومة توافقية.

 

من أجل تشكيل حكومة الأغلبية، أنشأ الصدر تحالف "إنقاذ الوطن" مع مسعود بارزاني، الذي فاز بواقع 31 نائبًا، إلى جانب تحالف السيادة العربي السني، وذلك بدلا من الأحزاب والتشكيلات الشيعية الموالية لإيران. وقد شرعت القوائم الشيعية المدعومة من إيران بالتفاوض مع جميع الأطراف السياسية، خاصة التيار الصدري؛ بهدف التوحد تحت مسمى "الإطار التنسيقي" وتشكيل حكومة توافقية.

وأشار الكاتب إلى أن دعوة الصدر 73 نائبًا للاستقالة، ثم استقالة نائبين مستقلين، قد أنهت تقريبًا عملية تشكيل الحكومة المرتقبة.

وكان من المفترض الإعلان عن قبول استقالة نواب الصدر من قبل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ليتم التوجه بعدها إلى عملية التصويت في البرلمان. ولكن لم يجر التصويت بعد؛ لأن البرلمان العراقي دخل في عطلة لمدة شهرين.

جاءت ردود الفعل الأولى على استقالة نواب التيار الصدري من مسعود بارزاني من الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي شكل الصدر تحالفًا معه، في تصريح أكد فيه احترام قرار مقتدى الصدر ومتابعة التطورات في الأيام اللاحقة. في المقابل، لم يصدر العرب السنة أي بيان على خلفية قرار الصدر، ومن المرجح أنهم ينتظرون رؤية قراره بشكل حاسم وأكثر وضوحًا. إلى جانب ذلك، أعرب تحالف "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران عن احترامه لقرار استقالة الصدر، وأشار إلى أنه سيقيم حوارًا مع الأحزاب السياسية.

 

اقرأ أيضا: الأزمة السياسية في العراق تتفاقم.. ومخاوف من انزلاق أمني

المنافسة والتمايز

حسب الكاتب، أهم ما يميز الانتخابات العراقية الأخيرة عن سابقاتها التمايز بين السياسة الشيعية والكردية في ظل التنافس على السلطة. ولأول مرة منذ 2003، كان العرب السنة منظمين للغاية، وموحّدين تحت راية "تحالف السيادة" في أثناء عملية تشكيل الحكومة.

كانت توجهات الشيعة في عملية تشكيل الحكومة تعكس النفوذ الإيراني، وكان ذاك واضحا حتى الانتخابات التي جرت في 12 أيار/ مايو 2018. وبالمثل، رغم اختلاف الأكراد في البنية السياسية في الشمال، كان من الواضح أنهم عملوا معًا؛ حتى لا يفقدوا مصالحهم الاستراتيجية في بغداد. لكن نتيجة الانتخابات التشريعية المبكرة هذه المرة أعطت انطباعًا بأن الشيعة قد انقسموا إلى كتلتين من ناحية المرشحين الرئاسيين ونظام تشكيل الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك أزمة خطيرة بين حزب بارزاني - الحزب الديمقراطي الكردستاني - وحزب طالباني - الاتحاد الوطني الكردستاني، فيما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية.

يُرجّح الكاتب أن النظام السياسي الذي أقامته الولايات المتحدة في بغداد بعد سنة 2003 وصل إلى حافة الانهيار، وأن حكومة الأغلبية باتت تعتبر الحل الوحيد للأزمة بدلًا من الحكومة التوافقية. وبالنظر إلى آخر المستجدات في الساحة العراقية، ومع أن ما يحدث هو أزمة تشكيل حكومة سياسية فقط، إلا أن الأزمات من هذا النوع تفتح الطريق أيضًا أمام حدوث مشاكل اقتصادية وأخرى أمنية. وبعد انسحاب الصدر من عملية تشكيل الحكومة، لن يكون ممكنا حل الأزمة السياسية في البلاد مهما تشكلت حكومات ائتلافية.

الصراع على السلطة

عند تقييم الصراعات الداخلية بين الشيعة، يتبين لنا أن العملية السياسية في العراق في فترة ما بعد الولايات المتحدة الأمريكية صُممت إلى حد كبير من قبل الأحزاب والمنظمات والسياسيين الشيعة بتوجيه من إيران. وحتى إن لم يكن التغير في البنية السياسية للعراق واضحًا، لا يمكن إنكار حقيقة تضاؤل النفوذ الإيراني في العراق نتيجة الصراعات الداخلية بين الشيعة. وفي حين أن إيران لا تدعم قيام دولة شيعية في العراق، فإنها تريد أن تكون إدارة بغداد تحت تأثير الشيعة.

حسابات بغداد الخاطئة

يرى الكاتب أن العراق دخل منعطفًا سياسيًا جديدًا مع عمليات التغيير التي جرت في منطقة الشرق الأوسط والتوازنات التي شهدتها العلاقات مع الدول العربية. وتحوّل تركيز الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بايدن نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ والحرب الروسية الأوكرانية مهد الطريق لحدوث أزمات سياسية ومنافسة إقليمية لملء الفراغ الذي خلفته في العراق.

ويعتقد الكاتب أنه من الصعب تحقيق الوحدة السياسية في العراق؛ نظرًا إلى خريطته السياسية التي تقوم على أسس عرقية وطائفية. ويحتاج تحقيق الاستقرار إلى مصالحة اجتماعية وسياسية جادة.