قضايا وآراء

هل تخطت أوروبا نقطة اللاعودة الكيسنجرية؟

1300x600

حذر وزير الخارجية الأمريكي السابق، هنري كيسنجر، من عواقب وخيمة على أوروبا في حال التأخر بحل الأزمة الأوكرانية؛ إذ قال خلال مشاركتة في منتدى (دافوس) إن "التسوية في أوكرانيا يجب أن تبدأ خلال الشهرين المقبلين لتجنب العواقب الوخيمة على العلاقات الدولية بأوروبا".

تحذيرات كيسنجر من الوصول إلى نقطة اللاعودة ذهبت أدراج الرياح؛ فالدول الأوروبية تتجه نحو مزيد من التصعيد مع روسيا رغم جراحها الاقتصادية النازفة التي ارتفع نتيجتها التضخم في ألمانيا إلى أكثر من 7%؛ وقارب في فرنسا الـ 6%؛ ليأتي قرار الاتحاد الأوروبي بالاستغناء عن النفط الروسي خلال ثمانية أشهر ليسجل قفزة  كبيرة عن (نقطة اللاعودة الكيسنجرية) المحددة بشهرين .

الإعداد للمعركة الاقتصادية تضمن تخصيص الاتحاد الأوروبي 310 مليار دولار لمواجهة ازمة الطاقة الاوروبية وتداعياتها على هيئة استثمارات ومساعدات لتخطي فاتورة النفط والغاز المرتفعة؛ فبعد الإعلان عن وقف واردات النفط الروسي المنقول بحرا والمقدر بمليون ونصف المليون برميل سيتم الاستغناء عن النفط المنقول عبر الأنابيب والمقدر بأكثر من 700 ألف برميل.

 

يشهد العالم حراكا ديناميكيا غير مسيطر عليه تتشكل فيه التكتلات والتحالفات الاقتصادية بتسارع يفوق تشكل التحالفات العسكرية والأمنية؛ وبمعزل عن منظمة التجارة الدولية والمؤسسات المالية التقليدية وعلى رأسها صندوق النقد؛ فالعالم اقترب من نقطة اللاعودة بحسب ما تنبأ كيسنجر.

 



310 مليار دولار يبدو رقما متواضعا إذا ما قورن بالحزمة المالية التي تقدم بها الاتحاد الأوروبي خلال أزمة تفشي وباء كورونا والتي قاربت الترليون دولار في حينها؛ فالرقم مرشح للتضاعف في ظل استمرار الأزمة وغياب اليقين وغموض التوقعات؛ فأوروبا لا تواجه بريطانيا وأزمة البريكست؛ بل تواجه المجهول وخصوم ومنافسين طامحين بإزاحتها عن منصة الاقتصاد العالمي.

الاستعدادات الأوروبية لمواجهة طويلة عكسها إعلان ألمانيا عن التوسع في مشاريع إنتاج الهيدروجين؛ إذ تطمح لإنتاجه بكميات كبيرة في المغرب ومصر؛ فبرلين دخلت في سباق مع الزمن لإيجاد البدائل سواء عبر الانفتاح على خيارات جديدة أو عبر موردين جدد؛ وهو ما تم الاتفاق عليه مع أمير دولة قطر تميم بن حمد أثناء زيارته لبرلين بتوريد الغاز المسال.

لم يقتصر الأمر على الاستعدادات المكثفة للبحث عن مصادر جديدة للطاقة إذ تضمن الإعلان عن تخصيص عشرة مليار دولار كمساعدات عسكرية وإنسانية لأوكرانيا من ضمنها مليار دولار مقدمة من دول الاتحاد الأوروبي و9 مليار من الولايات المتحدة الأمريكية.
 
فهل تكفي الإجراءات الأوروبية لتخطي الأزمة ومواجهة التضخم المرتقب؟ أم أن الكلف ستتضاعف بتضاعف المنافسة على النفط والغذاء؛ فالصراع لا يتم بمعزل عن المنافسين في الهند والصين بل وأمريكا اللاتينة.

 

روسيا استبدلت وبشكل تدريجي وضمني عقود النفط الأوروبية بعقود صينية وهندية وبأسعار منافسة أقل من سعر السوق لكنها عقود تتمتع بالديمومة؛ كما استبدلت الشركات الأوروبية والأمريكية بأخرى صينية وهندية كان آخرها التفاوض لبيع حصة شركة (شل الهولندية) في مشروع سخالين 2 لشركات هندية.

 



المعركة لم تحسم بمجرد إعلان الاتحاد الأوروبي حظر النفط الروسي بمقدار 90%؛ فالتصعيد الأوروبي والأمريكي قابله تحركات نشطة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باتجاه دول الخليج العربي وعلى رأسها العربية السعودية؛ إذ تمكن من لقاء المسؤولين السعوديين ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قبل اجتماع دول أوبك بلس؛ متجاوزا الجهود الأمريكية والأوروبية لاستبعاد بلاده من اتفاق (أوبك بلس)؛ بإعلان الدول المشاركة نيتها الالتزام ببنود الاتفاق وحجم الزيادة في إنتاج النفط.

روسيا استبدلت وبشكل تدريجي وضمني عقود النفط الأوروبية بعقود صينية وهندية وبأسعار منافسة أقل من سعر السوق لكنها عقود تتمتع بالديمومة؛ كما استبدلت الشركات الأوروبية والأمريكية بأخرى صينية وهندية كان آخرها التفاوض لبيع حصة شركة (شل الهولندية) في مشروع سخالين 2 لشركات هندية.

في المقابل تمكنت دول الخليج من استبدال العقود الآسيوية بأخرى أوروبية مرتفعة الثمن في  صفقة غير معلنة ولكنها رابحة لكل الأطراف؛ فالسعودية تنوي الاستفادة من أسعارالنفط المرتفعة أوروبيا  بتوسيع احتياطاتها ومصافيها في اليونان وأوروبا.

في ظل المدخلات والمخرجات غير المسيطر عليها فإن التضخم في القارة الأوروبية يتوقع أن يتضاعف ليقارب 14% بحسب تقديرات محافظة البنك المركزي الأوروبي كريستينا لاغارد؛ ما يعني أن القارة الأوروبية باتت على أبواب ركود تضخمي لا مخرج منه؛ فأسعار الطاقة والغذاء لن تتراجع وفقا للتحركات (الجيو ـ اقتصادية ) للأطراف المتنافسة فتوجه أوروبا إلى أمريكا ودول شمال إفريقيا والخليج العربي يقابله توجه روسي إلى الهند والصين في ملف الطاقة وإلى العالم العربي وجنوب شرق آسيا وإفريقيا في ملف أمن  الغذاء والحبوب.

ختاما.. نبوؤة كيسنجر والأدق قراءته للموقف الدولي يرجح أن تتحول إلى أمر واقع؛ فالتحركات الأوروبية وردود الفعل الروسية ومن خلفها الصينية والهندية؛ وسلوك الفاعلين الإقليميين؛ تؤكد أن العالم يقترب من واقع جديد على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني؛ إذ يشهد العالم حراكا ديناميكيا غير مسيطر عليه تتشكل فيه التكتلات والتحالفات الاقتصادية بتسارع يفوق تشكل التحالفات العسكرية والأمنية؛ وبمعزل عن منظمة التجارة الدولية والمؤسسات المالية التقليدية وعلى رأسها صندوق النقد؛ فالعالم اقترب من نقطة اللاعودة بحسب ما تنبأ كيسنجر.

hazem ayyad
@hma36