كأنّ الدنيا تغيرت حقا، وكل يومين تقرير عن أزمة جديدة، من أسعار القمح، وصولا إلى الأوبئة الجديدة، وطبول الحرب تدق في كل مكان، وكأن الناس ينقصها اضطراب فوق الاضطراب.
كل التقارير الدولية تتحدث عن أزمات عالمية، في أسعار الوقود، والقمح، والغذاء، ومشاكل في الشحن وسلاسل التوريد، ودول العالم تتخذ احتياطات مختلفة، وبعضها غير قادر على اتخاذ هذه الاحتياطات، وكما قلت في مرة سابقة، فإن البشر سيدفعون الثمن مرتين، مرة بسبب الاضطراب المعنوي، ومرة بسبب ارتداد كلف التغيرات والغلاء وانقطاع السلع على حياتهم.
ما بين الذي يقول لك إن نقص واردات القمح من روسيا وأوكرانيا والهند سيؤدي إلى رفع سعر الخبز، والقمح، ومن يقول لك إن الولايات المتحدة زادت منتوجها من القمح، وتريد السيطرة مجددا، على القمح، بذريعة الأزمات التي نراها، فإن المشترك بين كل التفسيرات أن هناك أزمة عالمية تلقي بظلالها على دول العالم، والنفط هنا أيضا أحد أدوات الصراع والنفوذ، مع الغاز، وما يرتبط بالنقل والشحن، وارتفاع كل التأمين وتقطع سلاسل التوريد لاعتبارات كثيرة.
الأردن هنا دولة إمكاناتها صغيرة، وبسيطة، وبرغم مخزون القمح، والقدرة على استيراد النفط، إلا أنها سوف تتأثر بكل هذه الموجات، والكل يلمس التغيرات في الأسواق، وارتفاع أسعار السلع، حتى إن المؤسسة الاستهلاكية المدنية، أشهرت نيتها رفع الأسعار إلى نسب تصل عشرة بالمائة، وهذا أمر لا يقف عند هذا الحد، فهناك تغيرات، خصوصا، مع الموجة الجديدة التي يراد خلقها، عن وباء جديد، سيأخذنا إلى فلم آخر، تستفيد منه شركات إنتاج اللقاحات، إذا لم يخب ظني.
سألت الدكتورة مها الشيخ المخضرمة في ملف سلاسل التوريد عن قصة الأردن هنا، فكان حوار، ورأي موسع وتفصيلي في هذا الملف المتخصص والصعب، أقتطف منه جانبا محددا حيث تقول: “الأهم يتعلق بخصوص سلاسل التوريد الإنتاجية والتوزيعية في الأردن، وهل لدينا نظام إنتاج مرن، خصوصا من حيث حجم البضائع، ومع ازدياد انقطاع الأغذية المستوردة من الأسواق، وتقلبات الأسعار، وتدهور معدلات التبادل التجاري العالمية، ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار معدل الطلب المتغير للبضائع، وأيضا تكلفة إنتاج الوحدة معتمدة على معدل الإنتاج، وصحيح أن الأردن يعتبر بيئة استثمارية آمنة في الاستثمار للحفاظ على الأرباح وزيادة الأعمال؛ إلا أن المشكلة الأساسية المرتبطة بالأسواق الأردنية تكمن في توزيع البضائع وممارسات التسويق غير الفعالة، وانخفاض نظم التخزين للسلع وعدم الكفاءة في معالجة تعرض الأسواق للصدمات، مما أدى إلى اختلال حجم الإنتاج والتوزيع والإدارة، وقلل من القدرة التنافسية”.
وتضيف قائلة: “العالم يمر بأسوأ أزمة اقتصادية، خصوصا مع الصدمات البيئية والمالية والأزمة الإنسانية التي تجعل مصداقية الحكومات العالمية تتأثر، وينبغي أن يكون هنالك سياسات حكومية واضحة واستباقية، كأداة حاسمة للإدارة المستدامة للنظم الغذائية للقضاء على الجوع المرتبط بالإنتاجية كحل لمشكلة الإمدادات الغذائية، ومع الفوضى الاقتصادية العالمية، يكافح الناس في جميع مناحي الحياة من أجل الحصول على ما يكفي من المال والوقود والغذاء”.
معنى كلام الدكتورة مها الشيخ هنا، عميق، لأنه يؤشر إلى سلسلة معقدة من العوامل التي تؤثر في سلاسل التوريد، والحركة التجارية، والوضع الاقتصادي، وتخزين السلع، وإذا كان لدينا نظام إنتاج مرن على المستوى الداخلي أو لا، وتدهور معدلات التبادل التجاري العالمية، ومعدل الطلب المتغير للبضائع، وغير ذلك من عوامل، وكلها تضغط على سلاسل التوريد وبالذات على بلد مثل الأردن يستورد أغلب الغذاء، ويعيش على الاستيراد، بما يعني أن تأثره سيكون أكبر من غيره، مقارنة بدول منتجة، أو دول تحوطت لظروف كهذه.
ملف سلاسل التوريد، وبقية الأزمات التي تعصف بالعالم، وتأثيرها الاقتصادي، ملفات متخصصة، بإمكان الخبراء أن يتحدثوا عنها مطولا، لكننا هنا نأخذ الجانب السياسي، لنقول؛ إن ضغط هذه الأزمات سيكون صعبا وخطيرا على شعوب العالم، وإننا في الأردن يجب أن نستعد بشكل أفضل للفترة المقبلة، لما لهذه الظروف من تأثيرات حادة على حياة الناس، ومن أجل أن نتجنب قدر الإمكان تحويل هذه الكلف نحو الناس على ما هم فيه من فقر.