قضايا وآراء

قيس سعيّد وانعدام الثبات الانفعالي..!!

1300x600
في ظل أزمات متلاحقة تعصف بتونس على المستويات كافة، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، تشكيل لجنة تضطلع بتأسيس جمهورية جديدة، على أن يتم الاستفتاء على مخرجاتها يوم 25 تموز/ يوليو المقبل. وأكد سعيد أن هذه اللجنة، لن تشارك فيها الأطراف الساعية إلى إسقاط الدولة. جاء ذلك في الثاني من الشهر الحالي، علما بأنه الوحيد الذي أسقط الدولة واعتدى على دستورها وتصرف بناء على أهوائه الشخصية، وتعليمات ابن زايد ونصائح السيسي ومخابراته.

ومؤخرا، استعان سعيد بثلاثة من خبراء القانون الدستوري، هم الصادق بلعيد ومحمد صالح بن عيسى وأمين محفوظ، وبحث معهم جملة من القضايا المتعلّقة بالجوانب القانونية والسياسية، وتصوّر جملة من الحلول القانونية للمرحلة القادمة تقطع بصفة نهائية مع ما عاشه التونسيون خلال الفترات السابقة، كما ورد في الخبر. وهؤلاء الثلاثة معروفون بولائهم للنظام القديم، وبتغيير مواقفهم ونفاقهم، ففي حين يستعين بهؤلاء الموصوفين ببقايا نظام بورقيبة وبن علي، الذين يغيرون جلودهم كالأفاعي أو ألوانهم كالحرباوات، فإنه كان قد رفض أن يقوم ثلاثة من الوزراء بأداء اليمين الدستورية أمامه؛ مما عطل الحركة الانسيابية للحكومة بحجة أن لهم ارتباطات بالنظام القديم. إذن، يتضح هنا أن المنقلب كان يتعمد تعطيل أعمال الحكومة لصالح إحداث بلبلة تؤدي إلى إضعافها تمهيدا لإنفاذ مشروعه الانقلابي، وقد بات اليوم مكشوفا تماما.
يتضح هنا أن المنقلب كان يتعمد تعطيل أعمال الحكومة لصالح إحداث بلبلة تؤدي إلى إضعافها تمهيدا لإنفاذ مشروعه الانقلابي، وقد بات اليوم مكشوفا تماما

ومؤخرا، بات قيس سعيد يتعامل بخطابات الستينيات التي ضجت منها أمة العرب، فكان مما ردده بحماسة هتلر وطريقته الفجة في عدة مناسبات، ما أطلق عليه "اللاءات الثلاث": "لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف بمن خربوا البلاد، وعاثوا فيها فسادا". هذه اللاءات التي تبعث على السخرية، ذات دلالات شعبوية لا وزن لها في عالم السياسة اليوم، فهل سمعت زعيم دولة في القرن الواحد والعشرين يتحدث بلاءات ثلاثة على هذه الشاكلة؟ إن مثل هذه التصريحات باتت أقرب إلى الرجعية منها إلى التقدمية التي يسعى سعيد إلى الظهور بها أم الطيف السياسي اليساري، للفت انتباههم وكسب ولائهم.

هذه اللاءات لا يمكن أن تنصرف على مكون أو مكونات وطنية مهما كان موقف المنقلب منها، فهي يمكن أن تقال فقط لعدو خارجي في حالة حرب، وأنا أتحداه أن يقولها في وجه الكيان الصهيوني. وأتمنى أن يصل إليه هذا التحدي، وأعرف يقينا أنه لا يستطيع قولها، فقد سبق أن قال بأن التطبيع خيانة، ثم تعامل بكثير من البجاحة مع أكثر الدول العربية انبطاحا للكيان الصهيوني، وهي دولة الإمارات المتحدة التي تنتظر منه الاعتداء على حركة النهضة وإقصاءها، لتقدم له بعض الدعم المادي، لكن المنقلب غير قادر في هذه المرحلة على فتح جبهة مع النهضة لأسباب داخلية وأخرى خارجية، لكنه في طريقه لحل الأحزاب جميهعا.
هذه اللاءات لا يمكن أن تنصرف على مكون أو مكونات وطنية مهما كان موقف المنقلب منها، فهي يمكن أن تقال فقط لعدو خارجي في حالة حرب، وأنا أتحداه أن يقولها في وجه الكيان الصهيوني. وأتمنى أن يصل إليه هذا التحدي، وأعرف يقينا أنه لا يستطيع قولها

إن قيس سعيد غير قادر على اتهام النهضة بأي قضية فساد أو خيانة كما يردد دائما، وهو مطالب بأن يثبت كلامه أو أن يصمت ويحترم نفسه ولو قليلا. فهو لا يتعلم ولا يفهم، فعلى الرغم من النقد المستمر لتصريحاته وتحقيرها بالمنطق ومجرى الأحداث والوقائع على الأرض، إلا أنه يكرر ذات الكلام وذات الاتهامات، ويلجأ إلى التعميم بعيدا عن الدقة والوضوح، وهو أسلوب يبعث على السخرية، وقد جعله ذلك لقمة سائغة في فم الخصوم والأصدقاء في الوقت نفسه.

وفي خضم الأحداث تأتي تسريبات نادية عكاشة التي يصفها بعضهم بـ"الصندوق الأسود" للرئيس التونسي، وعرابة الانقلاب على الدستور والديمقراطية لتمسح الأرض بكرامته، ولتكشف عن أمور سياسية وأمور خاصة جدا، يفترض أن تجعل الرئيس يتحسس قلبه ورأسه في آن معا، فقد وصفته بالمريض، وهي تعني المريض النفسي، وهزئت من تعاطيه مع كثير من شؤون السياسة والحكم. وأبرز ما كشفته ما كان عزم عليه من طرد السفير الأمريكي من تونس، وهي خطوة خطيرة لا يمكن لرئيس عاقل أن يفكر بها، من باب توازن القوى، والمصالح الوطنية، فمن غير المنطقي في هذه الظروف الصعبة أن يتم طرد السفير الأمريكي؛ لأنه بذلك يفتح على نفسه أبواب جهنم. كما أظهرت تسريبات عكاشة تهكمها على خطاباته التي يتهم فيها أطرافا لم يسمها بالارتماء في أحضان الخارج، وقالت بأن سعيد يخشى ماكرون، ويخطب وده، وهو ما دفعه للمسارعة إلى تقبيل كتفه عند أول لقاء بينهما. ويغلب على التسجيلات نبرة السخرية والضحك على شخصية سعيد.
تأتي تسريبات نادية عكاشة التي يصفها بعضهم بـ"الصندوق الأسود" للرئيس التونسي، وعرابة الانقلاب على الدستور والديمقراطية لتمسح الأرض بكرامته، ولتكشف عن أمور سياسية وأمور خاصة جدا يفترض أن تجعل الرئيس يتحسس قلبه ورأسه في آن معا

وفي الأثناء نجد الجنرال بالجيش الوطني، المنصف باي، يدعو لإيداع قيس سعيد مستشفى الرازي، وهو مستشفى للأعصاب والطب النفسي في العاصمة. وثمة أطباء نفسيون وعارفون بعلم النفس يتبادلون سرا قناعاتهم بأن قيس سعيد مريض نفسي، وربما كنت شخصيا أول من كتب بشكل واضح وصريح عن مرضه النفسي في مقالتي "قيس سعيد ونبض الشارع التونسي في ظل الانقلاب"، التي نشرت في 10 كانون الثاني/ يناير 2022، وأكدت فيه إصابته بمرض البارانويا؛ فمرضه النفسي لا شك فيه.

وقد وصفه المنصف المرزوقي، وهو طبيب قدير، بالمريض النفسي، وشدد على ذلك عدة مرات. وذلك يدفعنا إلى أن نحث الجيش الوطني الذي ما زلنا نقدره ونأمل فيه خيرا أن يقوم فعلا بإبعاد هذا الرجل وإيداعه مصحة الرازي؛ لأنه يتصرف بحمق وتسرع وتخبط وعصبية غير طبيعية، فهو يعاني من جملة أمراض نفسية، يمكن أن نضيف لها بالتأكيد "الاضطراب الانفجاري"، وهو اضطراب مزمن يمكنه الاستمرار لسنوات، ويلزمه أدوية يومية وحقنة شهرية في الغالب الأعم. 

ونلاحظ بوضوح بعد خطابه المشؤوم بمناسبة العيد، أنه ظهر على صفحة الرئاسة بثلاثة فيديوهات لثلاثة لقاءات بشخصيات تونسية؛ هي لقاؤه بإبراهيم بودربالة، عميد الهيئة الوطنية للمحامين، ونجلاء بودن، رئيسة الحكومة، والعميد صادق بلعيد، وكلها كانت فيديوهات مصاحَبة بالموسيقا، ولم يظهر فيها صوت المنقلب، وذلك بعد أن أحس بأن خطاباته المتوالية تجر عليه الكثير من النقد الحاد والجارح، وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يراودني أدنى شك بأنه لن يتركها على ما هي عليه، وسوف يسن قوانين تحد من حرية التعبير الإلكتروني وغيره من أشكال التعبير.
أحس بأن خطاباته المتوالية تجر عليه الكثير من النقد الحاد والجارح، وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يراودني أدنى شك بأنه لن يتركها على ما هي عليه، وسوف يسن قوانين تحد من حرية التعبير الإلكتروني وغيره من أشكال التعبير

فقد وصل النقد والاستهزاء به إلى صفحة الرئاسة نفسها على فيسبوك، فكان مما علق به أحدهم: "السيسي عمل مسلسل "الاختيار".. علاش (لماذا) فخامتك ما تعملش مسلسل "السلهوب"؟ وقال آخر: "البروتوكولات والشكليات والخطابات الرنانة والتنظير الفارغ والإجراءات الزائفة والتعقيدات المتعمدة  في تسيير الشأن العام، لا تهمنا...". وعلق ثالث فقال: "بعد أن تأكد مرض قيس سعيّد.. الكرة الآن عند الجيش التونسي، وواضح ما يجب أن يفعله".

إلى ذلك، فقد أكد أحمد نجيب الشابي، مؤسس جبهة الخلاص الوطني، أن الجبهة ستعقد حوارا وطنيا بمشاركة رئيس الجمهورية أو بدونه، مؤكدا أن أطراف الأزمة هي مفاتيح حلها، وأن سعيد أحد أطراف الأزمة. وهنا يتضح كم بات سعيد صغيرا، والكل يصفعه ويقلل من شأنه ويعلق بسخرية على خطاباته الغوغائية وأسلوبه الفج.

إننا نطالب جيش بلادنا بإصدار بيان يبين فيه موقفه مما يجري بوضوح، ويشرح لنا كيف ينظر إلى إجراءات قيس سعيد، وهو يعلم يقينا أن سعيد قام بانقلاب كامل الأركان؟ ولماذا تخلى عن أحد أهم أدواره، وهو حماية دستور البلاد؟