تمثل الجزائر لاعبا هاما في توازنات منطقة المغرب العربي والشمال الأفريقي، حيث أنها تتخذ سياسة عدم الانحياز و التدخل في الشؤون الداخلية للدول وفق ما تعلنه بنفسها، لكن هذه المرة قررت قيادة "قصر المرادية"، تغيير بعض القواعد في تعاملها مع الشأن الليبي.
إذ قررت الاعتراف رسميا بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتجاهل الحكومة المعينة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا، ليطرح هذا الموقف تساؤلات عدة حول أسباب ودلالات الموقف الجزائري.
وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء السبت، في مقابلة مع وسائل إعلام محلية بثها التلفزيون الرسمي، إن بلاده تدعم الشرعية الدولية في ليبيا من خلال حكومة الدبيبة، وإن استبدالها يكون بانتخابات تفرز مجلسا نيابيا جديدا يعين حكومة جديدة.
وأوضح الرئيس الجزائري بشأن النزاع على الشرعية في ليبيا: "نحن لن ندخل في مسار التفرقة في ليبيا.. تم تعيين حكومة جديدة (حكومة باشاغا) من طرف مجلس وطني (برلمان) والحكومة التي لديها شرعية دولية هي حكومة عبد الحميد الدبيبة، ونحن ندعم الشرعية الدولية، ولن يكون شيء آخر من غير هذه الشرعية الدولية".
والاثنين الماضي، وصل الدبيبة، الجزائر، في زيارة رسمية حيث قال إنه قدم خطته لإجراء الانتخابات إلى الرئيس تبون، ضمن جهود حشد دعم إقليمي ودولي لها.
إعتراف جزائري بالدبيبة
واعتبر الكاتب الجزائري، إدريس ربوح، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن "الزيارة التي ضمت وفدا سياسيا وعسكريا وأمنيا تهدف إلى تأكيد الاعتراف بحكومة الدبيبة ومواصلة الدعم السياسي لها وكذلك تكثيف التعاون الاقتصادي وتأمين إحتياجات الحكومة الأساسية وعلى رأسها الطاقة، فضلا على المزيد من دعم الاستقرار الأمني".
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي، محمد فؤاد، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن "حكومة الدبيبة زارت الجزائر بوفد كبير، واللافت أن مجموعة كبيرة من القيادات الأمنية كانت مشاركة في الزيارة".
وقال المحلل السياسي الليبي، إن "الحكومة في طرابلس لديها موقفف استراتيجي مع الجزائر لأسباب عدة أبرزها عدم رضا قصر المرادية على المشروع المصري في ليبيا وكذلك العلاقات الجيدة التي تربطها بتركيا في المرحلة الحالية وأيضا موقف الرئيس الجزائري من أفعال البرلمان الليبي".
وأضاف: "أعتقد أن رسالته إلى وزير الخارجية الأمريكي ومطالبته بالوصول إلى انتخابات بعيدا عن كل العبث الذي قام به البرلمان يفسر هذه الزيارة".
رسالة تبون.. تجاهل باشاغا
وفي 30 من آذار/ مارس الماضي، نشرت الخارجية الأمريكية نص رسالة الرئيس الجزائري إلى وزير الخارجية الامريكي أنتوني بلينكن .
وفيما يخص الشأن الليبي، قال تبون في الرسالة: "لقد فعلنا كل شيء حتى تسنح الفرصة لأشقائنا وأخواتنا الليبيين للتعبير عن أنفسهم، وقد مر عامان حتى الآن ونحن نكافح من أجل هذه الانتخابات في ليبيا، لأننا توصلنا إلى استنتاج مفاده أن الأشخاص الذين تم انتخابهم يمثلون أنفسهم فقط".
وتابع: "لذلك نقوم بذلك مرارا وتكرارا حتى الدائرة الأخيرة بين الدبيبة والشخص الذي تم تسميته من قبل ما يسمى بمجلس النواب.. وسوف تستمر لأن أيا منهم ليس ممثلا".
دعم جزائري
وفي السياق ذاته، قال الكاتب الجزائري إدريس ربوح، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن "الجزائر منذ بداية الأزمة الليبية وهي تدعم الحل السياسي وخروج جميع القوات الأجنبية في ليبيا؛ وحرصت على العلاقة والتواصل مع جميع الفرقاء في ليبيا".
وأضاف ربوح أن "بلاده دعمت جميع الجهود الدولية التي تصب في صالح الحل السياسي وفي مختلف المحطات والمؤتمرات الدولية وساهمت في الدعم السياسي والاقتصادي والأمني وغيره للوصول إلى مستويات أعلى في تفكيك الأزمة وبناء الثقة والمؤسسات".
الجزائر.. لا دور لها
لكن الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي الليبي، اسماعيل المحيشي، قال في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن "الجزائر لن تستطع، رغم ثقلها في منطقة المغرب العربي، تقديم أمر إيجابي، باعتبار أن فرنسا ودول أوروبية أخرى هي من تدير الملف الليبي".
وأوضح المحيشي أنه "لا يتوقع أن يكون للدول المغاربية ومنها الجزائر دور في إحلال السلام وإنهاء هذا الانقسام.. باعتبار أن من يدير هذا الملف حاليا هي الإدارة الأمريكية الجديدة وأطراف دولية أخرى من الاتحاد الأوروبي وتركيا وبعض الدول الاقليمية على غرار مصر"، على حد تعبيره.
حلف جديد.. وقيادة المرادية
بينما استنتج المحلل السياسي الليبي، محمد فؤاد، في تصريح خاص لـ "عربي21" أن الزيارة كانت محاولة من الدبيبة لدراسة نوع من الترابط وتشكيل نوع من الحلف الإقليمي مع الجزائر و تونس.
بدوره، أوضح الكاتب الجزائري إدريس ربوح أن "الدبيبة يدرك كما يدرك جميع اللاعبون المحليون والإقليميون والدوليون أن لا حل في ليبيا الا بدور جزائري فاعل، مضيفا أن "هذا الدور الذي يتعزز من يوم لآخر بعد عودة الجزائر إلى الساحات العربية والأفريقية والدولية".
علاقات متدهورة.. والسبب حفتر
وتعاني ليبيا حالة انقسام سياسي منذ أن منح مجلس النواب، مطلع آذار/ مارس الماضي، الثقة لفتحي باشاغا رئيسا لحكومة جديدة، بعد تحالفه مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح.
ويرفض رئيس الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي وفق برلمان جديد منتخب، تنفيذا لمخرجات ملتقى الحوار السياسي.
ومنذ سنوات، تشهد العلاقات بين قادة الجزائر واللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح حالة من التأزم، تعمقت بعد الحرب على طرابلس في سنة 2019.
وفي حزيران/ يونيو العام الماضي، أعلنت قوات حفتر إغلاق الحدود مع الجزائر واتخاذها "منطقة عسكرية" ردا على تصريحات تبون حول دور بلاده في منع سقوط العاصمة طرابلس.
وفي أيلول/ سبتمبر 2018، هدد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، الجزائر بالدخول معها في حرب إذا تكرر اختراق الجيش الجزائري للحدود بين البلدين.
هل ينجح باشاغا في حشد موقف دولي مؤيد لحكومته عبر "النفط"؟
هل يتخذ باشاغا الجنوب مقرا لحكومته بعد فشله بدخول طرابلس؟
لماذا فشل باشاغا في دخول العاصمة الليبية انطلاقا من تونس؟