بعد عام 1990 كنت في باكستان أغطي الحدث الباكستاني والأفغاني لصحف عربية عدة، وكانت واشنطن قد بدأت سياسة جديدة مع حليفتها التقليدية إسلام آباد، بفرض عقوبات عليها، نتيجة ما تعتقده أنها تخالف تعهدات قطعتها على نفسها بعدم تطوير أسلحة نووية، فكان ما يُعرف بتعديل بريسلر وهو عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي، وكان من ضمن هذه العقوبات تجميد صفقة طائرات إف 16 الأمريكية لباكستان والتي سبق أن دفعت ثمنها منذ أيام الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق.
لكن لم تُدرك واشنطن أنها كانت ببعض الشروط العقابية التي فرضتها على باكستان إنما تُطلق النار على نفسها، مثل وقف برامج التدريب للضباط الباكستانيين القادمين إلى أمريكا والذي يوفر لها فرصة مهمة للتعرّف على الضباط الباكستانيين الجدد، وعلى عقليتهم، ومدّ جسور وعلاقات معهم، لتفاجأ واشنطن بعد عدة سنوات بأن طبقة من الضباط الباكستانيين من الرتب الأدنى، إنما هي معادية لها، وأن هذه الطبقة ستصل في المستقبل إلى هرم السلطة وهي معبأة بالعداء لواشنطن، فما كان منها إلاّ أن رفعت هذه العقوبات وبدأت خطة مد الجسور مجدداً.
جوهر الحديث اليوم هو الشمال السوري المحرر، وتحديداً إدلب، هذه المنطقة المفروض عليها ليس عقوبات فقط، وإنما حرب بطريقة أو بأخرى من الغرب، تارة بضربات عسكرية جوية على أشخاص وأهداف يرون فيهم خطراً عليهم، بينما الخطر الأكبر باعتقادي هو الابتعاد عن المنطقة، والتخلي عنها، وتأجيج العدائية الشعبية بهذه الممارسات.
لكن غير بعيد زمانياً ومكانياً عن باكستان والحدث الآنف الذكر، وجدنا واشنطن تكرر ذلك بعد 1996 حين وصلت حركة طالبان إلى السلطة في كابل، فبدأت أمريكا بفرض عقوبات عليها، لعلاقتها مع القاعدة والجماعات الإسلامية الأخرى، بالإضافة إلى ممارساتها في ملف حقوق الإنسان والمرأة، وبالفعل حصل الإنقطاع بين الطرفين، بحيث فقدت واشنطن التواصل مع كابل ومع الجيل الجديد، ليظهر أمامنا أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، فتجرّ على واشنطن والغرب تكاليف كبيرة، كان يمكن تفاديها باستمرارية التواصل ومعرفة آليات التفكير والعمل على الأرض، وقد رأينا أنه في الحالة الأولى كان الحل أنجع ربما، حين عادت عن سياسة القطيعة، بخلاف الحالة الثانية في أفغانستان.
جوهر الحديث اليوم هو الشمال السوري المحرر، وتحديداً إدلب، هذه المنطقة المفروض عليها ليس عقوبات فقط، وإنما حرب بطريقة أو بأخرى من الغرب، تارة بضربات عسكرية جوية على أشخاص وأهداف يرون فيهم خطراً عليهم، بينما الخطر الأكبر باعتقادي هو الابتعاد عن المنطقة، والتخلي عنها، وتأجيج العدائية الشعبية بهذه الممارسات إن كانت بغارات جوية، أقرب ما تكون إلى الإعدامات الجوية، مما يعطي المبرر الشرعي والقانوني للمحتلين الروس والإيرانيين بمواصلة حربهم على الثورة السورية، أو بغارات من نوع آخر تتمثل في الحصار والمضايقة على الشمال المحرر، وعدم دمجه مع المجتمع الدولي، والتعرّف عليه، مما سيظهر جيلاً جديداً ربما لا أحد يعرف حدود تفكيره، وجوهر قناعاته بالغضب على المجتمع الدولي الذي أسلمه لقتلة نفذوا بحقه 330 هجوماً كيماوياً بحسب تقرير ألماني معروف، في حين هذه المنطقة استطاعت وقف المد الداعشي بدون أي تكاليف دولية أولاً، وبدون أي تكاليف على الشعب من تدمير بيوتهم وممتلكاتهم، كما حصل في حروب المحتلين في مناطق أخرى من سوريا.
لا مندوحة عن فتح حوار استراتيجي حقيقي مع الشمال السوري المحرر، ولا مندوحة عن التخلي عن سياسات العقوبات والإكراه والإجبار، بتصنيف هذا أو بتصنيف ذاك، ونحن نرى على مدى 11 عاماَ من الثورة السورية، أن لا عملية خارج الحدود وقعت انطلاقاً من أراضي الثورة السورية، بل ولا يوجد لفصائل الثورة أي بيانات تهديد ووعيد للقوى الغربية من مناطق الثورة، على الرغم من مواصلة الطرف الآخر غاراته على مناطق الثورة، مستهدفة في أحايين كثيرة المدنيين وممتلكاتهم، مما يلعب الدور الأكبر في تحريض واستفزاز وتعبئة الشعوب ضد الغارات الجوية الغربية، فتكون الكلفة أكبر بكثير من الربح الآني الذي ينتظره أصحاب الغارات، ولقد رأينا حصيلة وحصاد ذلك كله في باكستان وأفغانستان، وما فرّخته هذه الغارات الجوية من تطرف وإرهاب وعنف، وما خلّفته سياسة الإنقطاع والتخلي عن المنطقة من مآسي على الطرفين.
ممانعة الأسد ديكور لإخفاء أشياء أخرى
التفكير الروسي في أوكرانيا عبر المرآة السورية
الغرب عنصري وغارق في ازدواجية المعايير.. ماذا بعد تأكيد ذلك؟