مقالات مختارة

أسوأ وظيفة: "وزير خارجية عربي"

1300x600

لا أعرف بصورة محددة ما هي مشاعر زميلنا وصديقنا “سابقا” وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عندما راقب قبل أيام وزير خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي وهو يزور فجأة باب العامود في القدس محاطا بجنرالات شرطة الاحتلال ومستفزا الجميع وبدون استثناء.


صعب طبعا فهم مشاعر من يتولى وظيفة وزير خارجية في هذا الزمن الرديء عربيا وفلسطينيا وأردنيا أيضا.


لكن كمواطن وأحمد الله على نعمته هنا شعرت بغضب شديد لا بل بإهانة وجهها لي مباشرة ولبلدي ولدولتي وحكومتي وزير خارجية الكيان.


وبعد الغضب طبعا يمكن الاسترسال في استنباط الرسائل والإيحاءات فحتى الرجل الذي يفترض أنه يمثل الدبلوماسية في الكيان الإسرائيلي يذهب إلى كل ذلك العنف لا بل الإرهاب الدبلوماسي مباشرة، بعدما جالسه وصافحه ببلاهة علنية نخبة من وزراء الخارجية العرب فيما سمي بلقاء النقب.
على ماذا يراهن وزراء خارجية بلادنا وهم لا يعلنون الغضب والاحتجاج؟


أفهم بلغة التطنيش والتجاهل والانتحال وادعاء العمى وفقدان البصر لكن لم أفهم بعد على أي أساس يعتقد الإخوة من وزراء الخارجية العرب بأنهم يصافحون إسرائيل بيد ثم لافروف في موسكو بيد أخرى، ويظهرون أنفسهم وكأنهم دعاة للسلام واستعادة الهدوء في أوكرانيا ولا يقولون علنا ولو كلمة صغيرة في حق الشعب الفلسطيني وفي مواجهة الإرهاب الذي تمارسه ضده دولة احتلال وزير خارجيتها يتجول بين العسكر في باب العامود.


المشهد موجع لأن من يطلب السلام في أوكرانيا، وللأسف الشديد لا يستطيع حتى المطالبة به لجاره الفلسطيني ويجلس مسترخيا ويتضاحك ويتبادل الابتسامات في النقب فيما تضرب آلة الاحتلال في القدس.


كيف يتمكن وزير خارجية أي دولة من إقناع نفسه بأنه لا يرى ولا يتكلم ولا يبصر؟


أعتقد جازما بأن الوظيفة الأسوأ مرحليا هي “وزير خارجية عربي”.

في جذرها أزمة فلاتر وقدرة على التوقيت وابتداع جملة تكتيكية تحتاج دوما لفائض من المهارة والمعرفة حتى لا نذهب إلى المساحة التي نسأل فيها قادتنا ليس عن الطريقة التي يديرون فيها الأمور، ولكن عن الطريقة التي يختارون فيها من يديرون الأمور.


صورة وزراء خارجية ثلاث دول شقيقة في النقب وهم يتبادلون تشبيك الأيادي على طريقة المدرسة الإبتدائية، ومعهم كبيرهم توني بلينكن ليست جارحة فقط بل مستفزة وليس لأنها لا تعني شيئا بالنتيجة إلا النوم في فراش الاحتلال والسبات والتمتع ببعض المزايا، ولكن لأن من يسمح بالتقاط مثل هذه الصورة لنفسه وبإسم بلاده في أرض عربية محتلة لا يستطيع الادعاء في اليوم التالي بأنه سيتوجه إلى موسكو ووارسو لإقامة السلام على شواطئ البحر الأسود.


عموما آن أوان طرح ملاحظات وتسجيل تساؤلات محلية وأردنية بالخالص في مثل هذه الظروف المعقدة حيث أزمة الأدوات تضرب مجددا وبوضوح، وحيث مطبخ لا أحد يعلم بصورة محددة كيف ومتى وعلى أي أساس يعمل وضمن أي رؤية يتحرك.


قلناها سابقا ونعيدها، الفلاتر في الوظائف وخصوصا العليا تتكلس عندما لا تعمل لا بل سرعان ما تتحول إلى عبء يعيق حتى انسياب الإنتاج الرديء لا بل سرعان ما تتحول إلى مفصل معيق لكل أنواع الإنتاجية ولا يقف عند حدود عدم القيام بالواجب.


لاحظنا كأردنيين كيف ضربت أزمة الأدوات وتكلس الفلاتر وخدشت حتى الموقف الرسمي والدولة مؤخرا، بما في ذلك مواقف الأردن النبيلة، ولسبب بسيط قوامه الإصرار دوما على الرهان الخاص بأدوات تفتقد إلى الخبرة وإلى تراكم المعرفة حتى أن التواقيت تفلت تكتيكيا واستراتيجيا بين الحين والآخر.


مثلا استقبال رئيس ما يسمى بدولة إسرائيل في عمان كان يفترض أن ينتهي بمكافأة كبيرة ذات وزن، وبحصول الأردن على مكسب أقله أو حده الأدنى منع قطعان المستوطنين من الإساءة للوصاية الأردنية على المسجد الأقصى فيما حصل العكس فقد فرط المستشارون والدبلوماسيون بالمكسب السياسي أو غير السياسي، وما شاهد المواطنون بأسف وحسرة وبدون خجل هو أن جار السلام الذي استقبل رئيس دولته وكيانه في عمان بحفاوة، سمح صباح اليوم التالي تماما باقتحام عضو كنيست متطرف لباحة المسجد الأقصى.


ووزير خارجية دولة الاحتلال استقبل أيضا في عمان، لكن من الواضح أن زيارته وبعدها لقاء النقب لم يمنعاه من تلويث الأرض الطاهرة في باب العامود حيث لا يقول الشركاء من وزراء الخارجية العرب شيئا من أي نوع في انتقاد سلوك زميلهم الذي يحرض الأمن والجيش على المصلين العزل في القدس.
نتوقع أن استقبال الرئيس الإسرائيلي بعد أيام من ذكرى معركة الكرامة وبالتزامن مع ذكرى يوم الأرض كان ينبغي أن ينتهي بمكسب صغير على الأقل وليس بتأثير معاكس تماما.


إنها أزمة الأدوات والفلاتر وتضرب بقوة أوصال القرار والموقف الرسمي في الأردن… هل يعني ذلك لكم شيئا يا قوم؟

 

(القدس العربي اللندنية)