نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تقريرا للصحفيين إيما غراهام هاريسون وجو ديك، قارنا فيه بين ما فعلته روسيا في المدن السورية، وما تفعله اليوم في أوكرانيا، مثل قصف المساكن والمستشفيات، وقد قصفت القوات الروسية مستشفى الولادة في مدينة ماريوبول الساحلية الأوكرانية المحاصرة، ولم تكن المرة الأولى التي تسقط فيها القنابل الروسية على النساء أثناء ولادتهن.
ولفت التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الضربات الروسية باتت تحول المدن الأوكرانية إلى خراب، فقد تم إجراء مقارنات مع الحرب العالمية الثانية، ولكن كانت هناك سابقة أكثر حداثة.
ففي أوكرانيا استنسخت التكتيكات وحتى بعض الجنود الروس مباشرة من الحرب الأهلية في سوريا - التي انضمت إليها موسكو في عام 2015 لدعم بشار الأسد.
ونُفذت حملة وحشية ساعدت الأسد على استعادة ما يقرب من كل البلاد من أيدي الثوار، دُمرت خلالها مدن بأكملها وقُتل ما يصل إلى 24,743 مدنيا في الضربات الروسية، وفقا لمرصد الأضرار المدنية إيروورز.
فمن الغوطة في ريف دمشق، إلى مركز حلب الثقافي والاقتصادي، أصابت القذائف الروسية المستشفيات والمدارس والأسواق وطوابير من ينتظرون الخبز.
وساعدت طائرات روسيا في فرض الحصار السوري على الأرض، وعندما وعدت موسكو والجيش السوري بإيجاد طرق آمنة للخروج، قاموا في بعض الأحيان بقصف وإطلاق النار على المدنيين الذين يحاولون الفرار.
وتوقع بعض المراقبين أن بوتين لن يستورد تكتيكات سوريا إلى أوكرانيا لأن العلاقات الأسرية والصداقة الوثيقة تمتد عبر الحدود.
وفي حين أن السوريين كانوا ضحايا بعيدين ومجهولين لمعظم المواطنين الروس، فإن سكان ماريوبول يشملون الأقارب وزملاء الدراسة والزملاء السابقين.
لكن خلال الشهر الماضي، كانت الأهداف واحدة: المستشفيات والمدارس والأسواق وطوابير الخبز والمسارح. ووعدت القوات الروسية بطرق خروج آمنة ثم هاجمت المدنيين على الطرق.
وفي ما يأتي فحص لخمسة عناصر رئيسية من "كتاب قواعد اللعبة في سوريا" تدرس كيفية استيراد التكتيكات من حرب إلى حرب أخرى مع آثارها المدمرة.
قطع المناطق المتمردة
حاصرت القوات السورية التابعة للنظام ومعها الروسية عدة مدن في سوريا لتجويعها وإجبارها على الخضوع، واحتجزت المدنيين كرهائن مع تقدم القوات ضد مقاتلي المعارضة.
ربما كان حصار حلب في عام 2016 هو الأسوأ سمعة. فقد انقطع الثوار السوريون أولا عن خطوط الإمداد الخاصة بهم ثم تم الضغط عليهم، شارعا بعد شارع، على مدار أكثر من ستة أشهر، بينما حدث قصف عشوائي.
وبحلول عام 2017، كان 4.9 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية يعيشون في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها.
الآن يحدث الشيء نفسه في ماريوبول، إذ تقترب القوات الروسية من القوات الأوكرانية المحاصرة بين خطوط المواجهة والبحر.
ومع احتدام القتال، يُمنع المدنيون من المغادرة، وتستهدف البنية التحتية المدنية، وأصبحت الحياة مقامرة يومية.
ويبدو أن القوات الروسية تحاول حصارا مشابها للعاصمة كييف ومدينة خاركيف الشرقية الرئيسية، لكن حتى الآن تمكنت القوات الأوكرانية من إبقاء خطوط الإمداد مفتوحة.
استهداف البنية التحتية المدنية
في كل من سوريا وأوكرانيا، جعلت روسيا وحلفاؤها أهدافا عسكرية من قلب المجتمعات المدنية - أماكن يذهب الناس العاديون إليها للحصول على الرعاية الطبية والتعليم والطعام والضروريات الأخرى.
يُعد استهداف المدنيين عمدا خرقا للقانون الدولي، ولكنه يمكن أن يكون فعالا أيضا. ينشر الرعب، ويضعف إرادة المقاتلين، ويدمر المجتمع الذي يعتمدون عليه في الدعم العملي والمعنوي.
خلال معركة حلب التي استمرت ثمانية أشهر، وقع ما لا يقل عن 16 هجوما على المستشفيات، وتسبب في حوالي 143 حالة وفاة، وفقا لمنظمة إيروورز.
كما أنه تم توثيق عشرات الضربات على مرافق الرعاية الصحية، بما في ذلك عدة هجمات تم ربطها مباشرة بالقوات الروسية.
وقال مارك غارلاسكو، محقق جرائم الحرب الذي حلل النشاط الروسي في سوريا لصالح الأمم المتحدة: "لقد وثقنا العديد من الهجمات على المستشفيات بالأسلحة الروسية الدقيقة ما يدل على رغبة واضحة في استهداف المستشفيات - المحمية بموجب القانون الإنساني الدولي.. لقد كان الأمر صادما".
ووثقت منظمة الصحة العالمية ما لا يقل عن 43 هجوما على الرعاية الصحية في أوكرانيا منذ بدء الحرب، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا.
وعانى عدد لا يحصى من المرضى الآخرين من اضطراب رعايتهم الصحية بسبب الحصار، بما في ذلك أطفال في جناح السرطان محاصرون في تشيرنيهيف حيث تنفذ المسكنات.
ومجرد إطعام العائلة يصبح غير آمن في ظل الاعتداء الروسي. ومنذ عام 2015، قُتل أو جرح مدنيون في سوريا في 204 هجمات تم الإبلاغ عنها على الأسواق من قبل القوات الروسية أو الحكومية، وفقا لبيانات إيروورز.
المدارس أيضا تعرضت للهجوم. في سوريا قُتل أطفال أثناء الدراسة. في أوكرانيا، بسبب توقف التعليم، لم يكن هناك طلاب في مدارسهم عندما سقطت القنابل، ولكن كانت هناك إصابات. أصاب صاروخ في ماريوبول مدرسة فنية تؤوي ما لا يقل عن 400 شخص.
وتضررت إمدادات المياه والغاز والكهرباء في سوريا. في أوكرانيا، تعرضت محطة للطاقة في الشرق للهجوم حتى قبل أن تبدأ روسيا غزوها الكامل، وتعطلت إمدادات المرافق في جميع أنحاء البلاد. هذا أمر مدمر بشكل خاص في الشتاء القارس في أوكرانيا.
استخدام الأسلحة العشوائية على نطاق واسع
في أوكرانيا، نشرت القوات الروسية أسلحة عشوائية عند استهداف مناطق سكنية في البلدات والقرى، وحولت تجمعات سكانية بأكملها إلى أنقاض.
وقع أكبر دمار في مناطق ماريوبول، حيث امتدت الحرائق إلى أعمال القصف. لكن تمت مهاجمة مدن أخرى بهذه الطريقة، بما في ذلك شرق فولنوفاخيا وشاستيا التي تم استهدافها في وقت مبكر من الحرب. ويقول السكان إن 90% من فولنافاخيا قد دمرت أو تضررت.
الخسائر المدنية في هذا النوع من الهجمات مرتفعة. قُتل العديد من الأشخاص، ولا يمكن دفن الجثث، ويقضي الناجون أياما في مأوى في أقبية متجمدة بدون ماء، وتضاءلت إمداداتهم الغذائية، وتبددت آمال الإجلاء مرارا.
مرة أخرى، تبدو أصداء سوريا واضحة - مع مقاطع فيديو للآثار التي تذكرنا بلقطات من حلب. في سوريا، زُعم أن القوات الروسية استخدمت "القنابل الفراغية" - وهي مادة متفجرة مميتة بشكل خاص يمكنها امتصاص الأكسجين من الجو - مئات المرات في أحياء مكتظة بالسكان.
استخدمت روسيا أيضا أسلحة أخرى عشوائية بطبيعتها في كلا البلدين، بما في ذلك القنابل العنقودية وصواريخ غراد - وهي أسلحة عشوائية وغير موجهة مصممة لساحات القتال المفتوحة.
وقد تم الابلاغ عن استخدامها في سوريا 567 مرة وتسببت في مقتل ما لا يقل عن 2000 مدني، كما أنه تم استخدامها على نطاق واسع في أوكرانيا.
قال فاضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان: "ما فعلته روسيا في سوريا يكاد لا يوصف - هجمات مكثفة دمرت مناطق كاملة".
وأشار إلى حصار الغوطة الشرقية التي كان يسيطر عليها الثوار عام 2018. وأضاف: "كان لديهم ما لا يقل عن 12 طائرة تقصف منطقة مدنية وعندما تنتهي من ذلك، تأتي 12 طائرة أخرى مكانها".
اقرأ أيضا: مصادر: روسيا قصفت ثلاثة مراكز إسلامية في "دونباس" (شاهد)
واستخدمت روسيا حروبها لتطوير تكتيكات واختبار أسلحة جديدة. وتفاخر وزير دفاع البلاد باختبار أكثر من 300 نوع جديد من الأسلحة في سوريا، وفي أوكرانيا يزعمون أنهم استخدموا صواريخ جديدة تفوق سرعتها سرعة الصوت لأول مرة.
الممرات الإنسانية
الجزء الرابع من "الكتاب" هو الإعلان عن ممرات إنسانية. في كل من سوريا وأوكرانيا، بدا أن روسيا تقدم طرقا للهروب من المناطق الواقعة تحت الحصار أو القصف المكثف، ثم انتزعت في اللحظة الأخيرة فرصة المرور الآمن للمدنيين.
وأصبح مشهد الحافلات التي اصطفت للقيام بمهمة الإنقاذ، ثم أُجبرت على الانتظار مع استمرار القصف، مألوفا في سوريا وتكرر في أوكرانيا.
ربما تكون ماريوبول هي الأكثر شهرة في أوكرانيا. فبعد أسابيع من الهجوم والآمال الزائفة، فر عشرات الآلاف في قوافل مخصصة من السيارات الخاصة بمجرد ورود أنباء في المدينة بأن نقاط التفتيش الروسية تسمح للمدنيين بالمرور.
أولئك الذين لا يملكون سيارات كان لديهم خيار صعب بين المشي لعدة أميال، أو البقاء في المدينة المدمرة.
وقالت إيما بيلز، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن روسيا أعلنت أحيانا عن الممرات في سوريا من جانب واحد دون التنسيق مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة - ما يعني أنها لم تكن قادرة على مراقبتها.
وكانت الممرات في بعض الأحيان مفتوحة لفترة وجيزة للغاية بحيث لا تكون مفيدة، أو كانت غير عملية أو حتى نقلت المدنيين إلى مناطق خاضعة لسيطرة القوات العسكرية التي كانوا يختبئون منها.
وكان فتح الممرات ينذر بهجوم مكثف. وعادة ما تجادل روسيا بعد ذلك بأنها منحت هذه الفرصة للرحيل، فإن أي شخص بقي هو "إرهابي" وبالتالي فهو هدف عسكري مشروع.
التضليل
علامة تجارية أخرى لـ"كتاب قواعد اللعبة في سوريا" هي الإنكار المستمر والتضليل بشأن الضحايا المدنيين وجرائم الحرب.
حتى الآن، لم تعترف روسيا بقتل مدني واحد في سوريا وليس لديها آلية معروفة لقياس الأثر المدني لأعمالها.
ومنذ غزو أوكرانيا، بدأت آلة الدعاية المحلية الخاصة بها في تجاوز الحد، وحظرت حتى الحقيقة البسيطة المتمثلة في وصف الغزو بأنه حرب. وبدلا من ذلك، فهي عملية خاصة.
على الصعيد الدولي، حاولت روسيا إنكار بعض أسوأ الفظائع التي ارتكبتها في أوكرانيا. حتى المرأة الحامل التي قُتلت في ماريوبول لم تُترك لتموت بكرامة - وزعمت السفارة الروسية في لندن أن صور اللحظات الأخيرة المؤلمة لها كانت "مزيفة".
اقرأ أيضا: مخاوف من "حمام دم" في أوكرانيا كما حصل بسوريا والشيشان
وكرر ذلك صدى الهجمات على مجموعة الخوذ البيضاء المعنية بإنقاذ المدنيين من الضحايا السوريين، وتعرضها لحملات التضليل الروسية الأكثر عدوانية ونجاحا. وكانت المجموعة قد اكتسبت شهرة عالمية لتصويرها عمليات الإنقاذ الخاصة بها بعد التفجيرات، لكن روسيا اتهمتهم دائما بتزوير الفظائع التي صوروها.
حتى إن المتحدث الرئيسي باسم وزارة الدفاع الروسية الميجور جنرال إيغور كوناشينكوف، زعم بدون دليل، أن القوات الأوكرانية كانت تخطط لعمل "مقاطع فيديو على مراحل" لوفيات مدنية مزيفة، في حملات "تستند إلى الأنماط التي استخدمتها الخوذ البيضاء".
وقالت سارة كيالي، الباحثة السورية في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن الحملة في سوريا نجحت على مدى عدة سنوات في إثارة الشكوك بين الكثيرين حول أي مزاعم عن إلحاق ضرر بالمدنيين.
مخاوف بشأن الخطوة التالية؟
إحدى الخطوات الإضافية المحتملة التي يمكن أن تتخذها روسيا هي استخدام الأسلحة الكيماوية. لم تستخدم روسيا أسلحة كيماوية في سوريا، لكن الأسد حليف بوتين نشرها بشكل غير قانوني ضد المدنيين عدة مرات.
نفت سوريا هذه الهجمات أو زعمت أنها عمليات "علم كاذب" من قبل المتمردين، لكن الهيئة الدولية التي تشرف على الأسلحة الكيماوية أكدت أن النظام السوري نشر عوامل كيميائية، بما في ذلك غاز الأعصاب سارين.
وحذر زعماء غربيون من أن روسيا ربما تخطط لهجوم مماثل في أوكرانيا. واستخدمت الدولة الروسية بالفعل غاز الأعصاب والسم المشع [ضد عملاء روس سابقين] في هجمات على الأراضي البريطانية.
المعارض الروسي خودوركوفسكي: نهاية بوتين قريبة
NYT: وحشية روسيا بأوكرانيا مستمدة من حروب سوريا والشيشان
صحف غربية تتناول تأثر "الروبل" الروسي و"فشل خطة بوتين"