أثار قرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي، مخاوف واسعة في الأوساط الاقتصادية العالمية من أن يتسبب ذلك في حدوث اضطرابات مالية تهدد اقتصاديات الدول الكبرى.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير الماضي، فرضت دول غربية ومنظمات إقليمية ودولية سلسلة عقوبات على موسكو شملت قطاعات متعددة، منها الدبلوماسية والمالية والرياضية، وجمدت معظم هذه الدول الاحتياطيات الأجنبية الروسية البالغة 630 مليار دولار.
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن تجميد احتياطيات روسيا الأجنبية قد يدفع بعض الدول إلى إعادة النظر في تكوين احتياطيات أجنبية، واعتبارها استثمارات محفوفة بالمخاطر، يمكن أن تصبح في أي لحظة لا قيمة لها.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، أخافت الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 البلدان النامية، ودفعتها إلى تكديس المزيد من الأموال الأجنبية لحماية عملاتها من الانهيارات، وهو ما أدى إلى ارتفاع قياسي لهذه الاحتياطيات، إلى 14.9 تريليون دولار في عام 2021، مقابل أقل من 2 تريليون دولار قبل وقوع الأزمة.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن البنوك المركزية سعت مؤخرا إلى شراء الذهب وإعادة توطينه، إلا أن المعدن الأصفر لا يشكل سوى 13 بالمئة من هذه الاحتياطيات، في حين تشكل العملات الأجنبية النصيب الأكبر بنسبة تبلغ 78 بالمئة، والباقي لصالح صندوق النقد الدولي أو حقوق السحب الخاصة.
وأشارت إلى أن عددا كبيرا من الاقتصاديين كانوا يعتقدون أن الأصول الأجنبية تمثل استثمارات في الخارج وتشكل دعما اقتصاديا حقيقيا، لكن بعد العقوبات الغربية على موسكو قد يجعل ذلك اعتقادا خاطئا، كون أن هذه الأصول يتحكم فيها شخص آخر، وقد يقرر في أي لحظة أنها لا تساوي شيئا، مستطردة: "ما حدث مع موسكو مؤخرا، وقبلها مع أفغانستان وإيران، يدعم ذلك".
وتابعت: "في العام الماضي، علق صندوق النقد الدولي وصول أفغانستان إلى الأصول الأجنبية وحقوق السحب الخاصة، بعد سيطرة طالبان على الحكم. كما أكدت العقوبات المفروضة على إيران أن الاحتفاظ بالاحتياطيات في الخارج لا يمنع وزارة الخزانة الأمريكية من اتخاذ إجراء".
ولفتت الصحيفة إلى أن أرصدة العملات الأجنبية إذا أصبحت مجرد أرقام في حاسوب لا قيمة لها ولا تضمن لروسيا شراء المواد الأساسية، فإنه من المنطقي أن موسكو ستتوقف عن تجميعها، وتشرع في تخزين ثروتها في براميل النفط بدل بيعها للغرب.
ورجحت الصحيفة أن تقوم روسيا في هذه الحالة بتحويل أموالها إلى أصول ذهبية وصينية، على الرغم من أن العملة الصينية "رنمينبي" مهددة دائما بالخطر بسبب الاعتبارات السياسية، على عكس الدولار، لكن الروابط المالية والاقتصادية بين الصين والدول الخاضعة للعقوبات ستعزز اتجاه هذه الدول نحو التحول إلى الأصول الذهبية والصينية.
وأضافت الصحيفة: "حتى الدول التي لم يتم فرض عقوبات عليها قد ترغب في تنويع مخاطرها الجيوسياسية. ويبدو أنها ستعمل على تعزيز اتجاه نزع العولمة وترسيخ مجالين منفصلين للقوة التكنولوجية والنقدية والعسكرية".
وتمتلك الصين نفسها احتياطيات من العملات بقيمة 3.3 تريليونات دولار. على عكس روسيا، فإنها لا تستطيع أن تحتفظ بها بشكل مفيد بالرنمينبي، وهي العملة التي تطبعها. لذلك فإن تخزين السلع هو البديل لموسكو، بحسب الصحيفة.
وجمد الغرب مخزون روسيا من النقد الأجنبي، ولكنه لم يمنع تدفق الدولار واليورو على البلاد جراء عدم حظره صادرات الغاز والنفط الروسيين، وتقدر مداخيل روسيا من ذلك بحولي 20 مليار دولار شهريا.
وقالت الصحيفة، إنه رغم استمرار تدفق الدولار إلى روسيا، جراء إعفاء قطاع الطاقة من العقوبات، تبقى قيمته كمخزن عالمي للقيمة، مهددة بالتآكل بسبب حظر الصادرات الرئيسية إلى روسيا ومقاطعة شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "آبل" لروسيا.
وتوقعت الصحيفة أن يدفع هذا الوضع المستثمرين والعديد من البنوك المركزية حول العالم لشراء الذهب، لتجنب أي مخاطر محتملة في المستقبل.
يمتلك المركزي الروسي، خامس أكبر احتياطي من الذهب في العالم، وفقاً لمجلس الذهب العالمي. ووفقاً لتقريره السنوي، يتم تخزين السبائك بالكامل التي تبلغ قيمتها 130 مليار دولار في خزائن داخل الاتحاد الروسي، وهو أمر غير معتاد عالمياً، إذ تلجأ معظم البنوك المركزية حول العالم إلى الاحتفاظ باحتياطياتها من الذهب إما في لندن أو نيويورك لضمان قربها من الأسواق المالية لسهولة بيعها.
ويرى الخبراء، أن الاحتفاظ بالذهب في روسيا، وليس في لندن أو نيويورك، سيجعل من الصعب على البنك المركزي التصرف في كميات كبيرة منه إذا لزم الأمر. في الوقت نفسه، فإن قربها من الوطن يجعل من الصعب جداً على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تفرض بنجاح عقوبات على السبائك الروسية.
وقضت العقوبات الغربية ضد روسيا بصورة خاصة باستبعاد العديد من المصارف الروسية من نظام التحويلات المالية العالمي "سويفت" الذي يلعب دورا مركزيا إذ يسهل الحوالات بين المصارف العالمية. ويوصف هذا الإجراء بالتالي بأنه "سلاح ذري" على الصعيد المالي.
وكانت روسيا قد تعرضت لتهديد باستبعادها من نظام "سويفت" عام 2014، وأعلن وزير المالية الروسي آنذاك ألكسي كودرين أن قرار استبعاد بلاده من نظام "سويفت" يمكن أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 5 في المئة.
ومع أن وضع الاقتصاد الروسي في 2022 أفضل منه عام 2014، بسبب أزمة شبه جزيرة القرم، إلا أن من المتوقع أن يؤدي قرار منع البنوك الروسية الكبرى مثل سبيربنك من استخدام الدولار واستبعاد بنوك أخرى من نظام الرسائل سويفت إلى خسائر كبيرة للاقتصاد الروسي وغرقه في الفوضى.
ووفقا لتعبير وزير المالية الفرنسي فإن قرار الاستبعاد من سويفت يعد بمثابة "سلاح نووي مالي"، ويمكن للدول الغربية بواسطته أن تسبب مشاكل كبيرة لروسيا في المدفوعات الدولية والصادرات والواردات.
لكن القرار سيؤثر بالسلب أيضا على الدول التي اتخذت القرار، لذا فإن هذا القرار لا يحظى بالإجماع في الاتحاد الأوروبي، فمثلا ترى برلين أن "سلاحا مؤثرا كهذا سيؤثر على رجال الأعمال والصناعة في ألمانيا"، بحسب الأناضول.
يشار إلى أن روسيا بعد تهديدها بالاستبعاد من نظام سويفت في عام 2014 طورت نظام الدفع الخاص بها SPFS وبدأت اختبار هذا النظام واستخدامه مع بعض الدول. ومع استبعادها من نظامي فيزا وماستركارد عام 2016 بدأت روسيا استخدام نظام بطاقات الدفع الخاص بها MIR إلا أن هذين النظامين لم يُستخدما إلا على نطاق ضيق.
وأعلنت الولايات المتحدة، الخميس، فرض عقوبات جديدة ضد عشرات الشخصيات الروس في مقدمتهم المتحدث باسم الرئاسة الروسية "الكرملين" دميتري بيسكوف.
وقال البيت الأبيض، في بيان، إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فرضت عقوبات جديدة ضد طبقة الأثرياء في روسيا وآخرين في الدائرة المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين مع استمرار القوات الروسية في ضرب أوكرانيا.
وأوضح أنه من بين المستهدفين بالعقوبات الجديدة "المتحدث باسم بوتين، دميتري بيسكوف، وأليشر برهانوفيتش عثمانوف، أحد أغنى الأفراد في روسيا والحليف الوثيق لبوتين"، حسبما نقلت وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية.
وأضاف البيان أنه سيتم حظر استخدام ممتلكات عثمانوف في الولايات المتحدة، "بما في ذلك يخته العملاق" وهو أحد أكبر اليخوت في العالم وطائرته الخاصة، التي تعد إحدى أكبر الطائرات المملوكة للقطاع الخاص في روسيا.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستفرض أيضا "قيودا على منح تأشيرات دخول لـ 19 فردا من طبقة الأثرياء الروس و47 فردا من عائلاتهم وشركائهم المقربين".
كما سيتم فصل هؤلاء الأفراد وأفراد أسرهم عن النظام المالي الأمريكي، وتجميد أصولهم في الولايات المتحدة وحظر ممتلكاتهم، وفقا للبيان.
وفي السياق، أعلن البيت الأبيض أن وزارة الخزانة الأمريكية ستصدر قرارا بتصنيف سبعة كيانات روسية ضمن قائمة العقوبات، بالإضافة إلى فرض عقوبات على 26 فردا يعيشون في أوكرانيا وروسيا.
وقال إن هؤلاء الأشخاص والكيانات "نشروا روايات مزيفة تدعم الأغراض الاستراتيجية الروسية وتبرر بشكل خاطئ نشاطات الكرملين".
وتضاف هذه الخطوة الأخيرة إلى قائمة طويلة من العقوبات التي أصدرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بحق روسيا بسبب العملية العسكرية التي شنتها ضد أوكرانيا وتضمنت قرارات بحظر تحليق الطيران الروسي في الأجواء الأوروبية والأمريكية، بالإضافة إلى عقوبات طالت شركات ومصارف روسية.
صندوق النقد: تداعيات "حرب أوكرانيا" تهدد الاقتصاد العالمي
قرب توصل أمريكا وإيران لاتفاق نووي يكبح جماح أسعار النفط
أكبر مصرف في روسيا يغادر 8 دول أوروبية ويعتزم إشهار إفلاسه