لا شك في أن عواقب قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شن حرب على أوكرانيا، ستكون وخيمة وباهظة الثمن، على كل الأصعدة، أبرزها السياسية والاقتصادية، لكن أيضاً أحد الذين قد يدفعون ثمن هذه المغامرة هو نادي تشلسي الانكليزي.
وفي حين أن بريطانيا عانت من الاستفزازات الروسية على مدى الأعوام الماضية، بقيام عدد من رجال المخابرات الروسية بعمليات تسميم لعدد من المقيمين في الأراضي البريطانية، وهم من المواطنين الروس المعارضين لنظام بوتين، ما وضع الحكومة البريطانية في وضع حرج، عدا عن الخلافات السياسية بين الطرفين، فان الحكومة اكتشفت تورط العشرات من الملياردريين الروس يديرون أعمالهم في الساحة البريطانية، وهم على علاقة وثيقة بالرئيس الروسي، بل هم جزء من ذراعه الاستثماري ورهن اشارة لطلباته بشأن أي عملية أو مشروع أو خطة تطلبها موسكو، وبين هؤلاء الاثرياء مالك نادي تشلسي اللندني رومان أبراموفيتش.
أبراموفيتش تملك تشلسي منذ العام 2003، ومنذ ذلك الحين قلب حال النادي الوسطي والمكافح حينها، رأساً على عقب، فأنفق أكثر من ملياري جنيه استرليني على لاعبين جدد وبنى أكاديمية لتخريج اللاعبين تعد من الأبرز في القارة الأوروبية، كما أنفق على البنى التحتية لمركز التدريبات وجعله من الأحدث، وكان على وشط انفاق أكثر من مليار جنيه استرليني على مشروع اعادة تطوير وتحديث استاد «ستامفورد بريدج» قبل ان يجمد المشروع في 2018 بعد معاقبته من الحكومة البريطانية وربطه بزمر الفاسدين المحسوبين على الرئيس بوتين، وابعاده من بريطانيا.
ورغم ذلك فانه نجح في أن يجعل تشلسي النادي الانكليزي الاكثر احرازاً للألقاب منذ 2003 وحتى اليوم، بالفوز بـ19 لقباً آخرها كأس العالم للأندية قبل اسبوعين، وهو اللقب الوحيد الذي كان ينقصه، بعد احراز دوري أبطال أوروبا مرتين والدوري الانكليزي 5 مرات وكأس الاتحاد 5 مرات والدوري الاوروبي مرتين، الى جانب ألقاب أخرى، والاهم انه جعل تشلسي نادياً صاحب اكتفاء ذاتي الى حد كبير، بفضل جهد رئيسته التنفيذية ومساعدته مارينا غرانوفسكايا في سوق الانتقالات وروعة المواهب التي تفرزها أكاديميته، علماً أن كل ما أنفقه على النادي محفوظ كديون عليه لمصلحة أبراموفيتش، أي أن في حالة قرر الملياردير الروسي ان يبيع النادي فان المشتري عليه ان يسدد هذه الديون بالاضافة الى القيمة السوقية للنادي.
ومن المفيد معرفة ان أبراموفيتش، اليهودي الديانة، حصل على الجنسية الاسرائيلية فور صدامه مع الحكومة البريطانية، ما سمح له بزيارة لندن قبل شهرين للمرة الاولى منذ ابعاده في 2018، وطبعا هو صهيوني متعصب أيضاً، حيث ساهم في دفع نفقات بناء العديد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي انه يحظى بحماية من المخابرات الروسية وأيضا الموساد.
لكن ما حدث في الأيام الماضية سيكون حاسماً في مستقبل النادي اللندني، بعد تصاعد المطالبات في داخل البرلمان البريطاني على ضرورة تجميد أملاك أبراموفيتش في بريطانيا، بعدما كشف النائب كريس براينت عن وثيقة مسربة من وزارة الداخلية البريطانية تؤكد ضلوع أبراموفيتش في عمليات فساد، بل ان براينت أكد أن هذه الوثيقة مؤرخة في عام 2019 ولم تحرك الحكومة اي ساكن، رغم تأكيد وزير ان الحكومة «عاقبت بعض الأشخاص الروس الذين اثاروا اهتمامها». علماً ان قبلها بأيام أعلنت الحكومة أنها وضعت عقوبات على ثلاثة مليارديرات روس مقربين من بوتين. لكن براينت أصر بالمطالبة بمعاقبة أبراموفيتش بالتحديد، وتجريده من تملك نادي تشلسي مذكرا بما حوته الوثيقة المسربة من أنه كان محط اهتمام السلطات في بريطانيا بسبب نشاطه المريب وقربه من جماعات فاسدة ومحاولاته التأثير في السياسة البريطانية واعترافه بدفع أموال لصانعي القرار والمؤثرين في السياسة البريطانية. وطالب براينت بتجريده أيضاً من قصره القريب من قصر كينزنغتون والمقدر بـ152 مليون جنيه استرليني وشركاته الأخرى في البلاد.
ابراموفيتش صنع ثروته من تجارة البترول في التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وأصبح مقرباً من الدائرة الخاصة بالمؤثرين في الاتحاد الروسي، بل وكان أكبر المساهمين والمستثمرين في حظي روسيا باستضافة كأس العالم 2018، كما كان دائماً يفتخر بصهيونيته ومساهمته في دعم الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، حيث دائما ما اعتبر نفسه «صهيونياً أولاً ثم روسياً». فهل يكون نادي تشلسي من أبرز الضحايا في حال قررت الحكومة البريطانية فعلياً معاقبة أبراموفيتش وتجريده من أعماله وأملاكه واجباره على بيعها، ما يعني أن تشلسي الذي عرفناه على مدار العقدين الماضيين قد يصبح مختلفاً الى حد كبير في المستقبل القريب، اما الى الأفضل او الأسوأ.
(القدس العربي)