رأى الخبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية الدكتور وليد عبد الحي، أن كلاً من "
إسرائيل" وتايوان تشتركان في منظورهما الأمني، فهما الأكثر قلقاً وعناية بين كل دول العالم على بقاء كيانهما السياسي لأنهما موضع نقاش لم ينقطع حول شرعية وجودهما أصلاً، مما يجعل من أمن وبقاء الدولة هو القيمة العليا في سلّمهما القيمي الأمني.
جاء ذلك في سياق ورقة علمية نشرها مركز الزيتونة للدراسات في بيروت اليوم، ناقشت أوجه الشبه بين كل من إسرائيل وتايوان، وبحثت في العلاقات الأمريكية مع كل منهما.
وأشار عبد الحي إلى أن إسرائيل وتايوان تدركان أن الموقف الأمريكي يشكل أحد ضمانات بقائهما على المسرح الدولي، إلا أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان شكّل لهما إيقاظاً لهواجسهما من أن ينطوي المستقبل على احتمال تخلٍ أمريكي عنهما، واعتبر أن تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأن "التزامنا نحو إسرائيل وتايوان سيبقى قوياً كما كان دائماً" جاء لطمأنتهما.
وقارن الباحث بين حال كل من
تايوان و"إسرائيل"، فرأى أن تايوان تدرك تماماً أن الصين الأم تعمل بكل الوسائل على تجريدها من وجودها المستقل، وقد حققت قدراً كبيراً في هذا المجال، فبعد أن كانت تايوان تحتل المقعد الصيني في الأمم المتحدة، وتتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي خلال الفترة 1945 ـ 1971، تمّ إحلال جمهورية الصين الشعبية بدلاً منها، ونزعت الولايات المتحدة اعترافها الديبلوماسي عنها سنة 1979، وأصبح شعار صين واحدة أحد الركائز الاستراتيجية للصين الشعبية باتجاه بناء الصين الكبرى التي تضم الصين الأم، وهونغ كونغ، وجزر مكاو، لتتبعهما لاحقاً تايوان.
وقد رأى بالمقابل أن "إسرائيل" لديها المنظور الأمني نفسه من حيث أولوية أمن الدولة وبقائها، فهي تدرك أنها كيان تمت إقامته بمساندة غربية (مثل تايوان)، وأنها اقتطاع قسري لمنطقة جغرافية من بيئتها الإقليمية التاريخية (مثل تايوان)، وأن بقاءها مرهون بمساندة القوى الاستعمارية القديمة والحديثة (مثل تايوان)، إلى جانب أن الأغلبية السكانية للإقليم الذي تتواجد فيه يرفضها ويراها مجرد كيان استعماري استيطاني، بغض النظر عن توجهات بعض قادة المنطقة (كما هو حال أغلبية الشعب الصيني الذي يرفض تايوان ككيان مستقل).
وأشار الباحث إلى أن النخب الفكرية الإسرائيلية رأت أن الانسحاب من أفغانستان سينعكس على "إسرائيل"، وسيشكل تهديداً أمنياً لوجودها من خلال تحفيز قوى المقاومة الشعبية المسلحة على استثمار هذا التراجع والاهتزاز الذي أصاب صورة الولايات المتحدة، مما يفتح المجال على المدى المتوسط والبعيد أمام احتمال نظرية الدومينو من جديد في الشرق الأوسط.
وأشار عبد الحي إلى أنهم رأوا أن الانسحاب من أفغانستان يشير إلى تراجع احتمالات الانخراط الأمريكي في مواجهات عسكرية كبرى في الشرق الأوسط، ما سيحرم "إسرائيل" من توظيف القوة الأمريكية بالشكل الذي كان سابقاً. فضلاً عن أن الانسحاب من أفغانستان قد يتبعه انسحاب من مناطق أخرى من الشرق الأوسط، وهو أمر يحرر الطاقات الإيرانية من أعباء الوجود والضغوط الأمريكية، مما يشكل مصدر قلق حاد لـ"إسرائيل".
وخلصت الورقة إلى أن النزعة البراغماتية الأمريكية تشكل مصدر قلق لكل من تايوان و"إسرائيل"، وأن القلق الوجودي يدفعهما للتعاون من ناحية، وتبادل الخبرات والدروس من ناحية إدارة علاقاتهما الدولية. واعتبرت أن طبيعة العلاقة الصينية الأمريكية تمثل عقبة أمام علاقات تايوان و"إسرائيل" مع كل من بكين وواشنطن، وأن احتمالات مواجهة كل من "إسرائيل" وتايوان أزمات حادة في علاقاتهما مع كل من أمريكا والصين هو احتمال يقدر له أن يتزايد، مع احتمال أن تكون الأزمة التايوانية أكثر حدة منها لـ"إسرائيل".