واصل الرئيس التونسي قيس سعيّد إثارة الجدل بخصوص السلطة القضائية، مجددا قوله إن "القضاء وظيفة وليست سلطة"، فيما عبر القضاة عن تمسكهم برفضهم لما ورد بخطابات رأس السلطة التنفيذية.
واعتبر خبراء تحدثوا مع "عربي21"، أن "القضاء معركة سعيد القادمة في تونس"، وسط مخاوف من أن تخسر السلطة الثالثة استقلاليتها، بعد أن استفرد الرئيس بالسلطات التشريعية والتنفيذية منذ 25 تموز/ يوليو الماضي.
كما أثارت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد الأخيرة بخصوص القضاة، موجة استنكار واسعة لدى المعارضة، التي دعت للدفاع عن استقلالية القضاء في ظل محاولة إخضاعه من قبل السلطة التنفيذية.
وقال سعيّد في خطابه الأخير إنه "لا وجود لدولة قضاة بل هم قضاة الدولة".
وأضاف: "ما أسمعه وما أقرأه وما أحتقره وأزدريه هو أن يتحدث قاض عن الانقلاب. ما دخله في مسألة الانقلابات أو غيرها فواجب التحفظ والحياد يقتضي أن يلازم الصمت ويطبق القانون بكل أمانة".
"السيطرة على القضاة"
وفي تصريح لـ"عربي21"، استغرب رئيس جمعية القضاة التونسيين الشبان مراد المسعودي، تصريح سعيّد بخصوص وجود "دولة قضاة"، مؤكدا أن "هذا المصطلح لا يستقيم".
وأضاف: "بكل وضوح، سعيّد يريد السيطرة على القضاء وباقي السلطات، هو يعد نفسه أنه هو الدولة، ويريد أن يخضع له القضاة من أجل أن يفعل ما يريد، أو اعتبارهم خارجين على الدولة".
وأكد المسعودي أن قيس سعيّد يريد من القضاة إصدار أحكام ضد أشخاص دون توفر أدلة كافية لإدانتهم، قائلا إنه "في ظل رفض القضاة لذلك، أصدر الرئيس أوامر بوضع بعض الأشخاص تحت الإقامة الجبرية".
وعن قضية عضو البرلمان نور الدين البحيري، كشف القاضي المسعودي أن رئيس البلاد طلب من وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد نائب رئيس حركة النهضة، إلا أن وكيل الجمهورية رفض ذلك لعدم توفر الأدلة الكافية لإدانة البحيري.
اقرأ أيضا: القضاء التونسي يرفض "الإصلاح" بمراسيم رئاسية.. سعيد يعلق
وأضاف: "بعد وكيل الجمهورية، توجه رئيس البلاد إلى الوكيل العام بالمحكمة الذي رفض بدوره إيقاف شخص دون إدانة".
وتابع بأنه "بعد اختطاف البحيري والتوجه به إلى بنزرت، تواصل سعيّد مع وكيل الجمهورية بمحكمة الولاية من أجل إيقاف البحيري، وهو ما رفضه القاضي، ما دفع الرئيس إلى الاستنجاد بوزير داخليته لإصدار قرار في الإقامة الجبرية، في تجاوز للقضاء، وإجراء لا يحدث حتى في الدول المتخلفة".
وقال القاضي إنه "في المقابل، وفي علاقة بإحالة 19 مرشحا سابقا إلى القضاء جاء بعد أنهت النيابة العامة تحقيقاتها، ولم تصدر حكما دون سند قانوني، ما يؤكد استقلالية القضاء".
كما استنكر مراد المسعودي طريقة تحدث رئيس البلاد عن القضاة في كل خطاباته ووصفهم بـ"عصابات إجرامية" و"مرتشين"، قائلا: "حتى عندما يتحدث عن الفلاحة لا بد أن يذكر القضاة، دون تقديم أي دليل يدين القضاة".
"القضاء عصي عليه"
بدوره، أكد الرئيس الشرفي للقضاة الإداريين القاضي السابق أحمد صواب رفضه لتصريحات سعيّد تجاه القضاة، معتبرا أن مصطلح "دولة قضاة" استعمله الرئيس في غير محله، وهو نموذج ينطبق على الولايات المتحدة، على حد تعبيره.
وفي تصريح لـ"عربي21"، اعتبر صواب أن "القضاء عصي على قيس سعيّد، والقضاء نتاج لعقود من النضالات، وهو (قيس سعيّد) غريب عن كل نضال، وإن أراد المس بالقضاء سأكون أول المعتصمين ضده".
وفي رسالة موجهة إلى القضاة، قال أحمد صواب: "اتركونا من قضاء بورقيبة وقضاء بن علي وقضاء النهضة، تحرروا وتذكروا القضاة الذين ظلموا سابقا".
وبدأ الجدل بين القضاة ورئيس البلاد منذ أن أعلنت وزيرة العدل ليلى جفال، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء بطلب من سعيّد، ما أثار حفيظة العديد من القضاة.
ولم تخل خطابات قيس سعيّد، طوال الفترة الماضية من التطرق إلى مجال القضاء، إذ عادة ما يشير إلى أن القضاء "قضاء الدولة"، وأنه "مستقل لا سلطان عليه غير القانون"، و"لا طريق إلى تطهير البلاد إلا بقضاء عادل"، و"قضاة فوق كل الشبهات"، وأن "قضاء مستقلا أفضل من ألف دستور".
وفي كل مرة، تصدر هيئات قضائية بيانات للتنديد بأي تدخل في القضاء، مشددة على ضرورة عدم المساس بالسلطة القضائية والبناء الدستوري.
ومؤخرا، أصدر المجلس الأعلى للقضاء بيانا، جدد من خلاله موقفه الرافض لمشروع قيس سعيّد إصلاح المنظومة القضائية في ظل التدابير الاستثنائية، التي أعلنها في 25 تموز/ يوليو الماضي.
وحذر المجلس من خطورة تواصل عمليات التشويه والضغط التي تطال القضاة ومن تبعات زعزعة الثقة في القضاء، ويرى مراقبون أن الجدل بين المجلس والرئاسة سيؤثر بنهاية المطاف على مؤسسات الدولة والقانون.
وجاء هذا البيان في وقت تتداول فيه أنباء بتونس بخصوص مزاعم سعيّد إعلان حل مجلس القضاء، المنتخب من قبل القضاة، وتعويضه بلجنة أخرى يختار الرئيس أعضاءها.
والمجلس الأعلى للقضاء هو مؤسسة دستورية تونسية، أقرها دستور 2014، تضمن في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية، طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها، فيما دارت أول انتخابات للمجلس في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
"صراع واضح"
من جهته، قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـ"عربي21" إن "تصريحات سعيّد خطوة أخرى نحو اتخاذ قرارات أخرى من الممكن أن تؤدي لاحقا إلى حل المجلس الأعلى للقضاء".
وأضاف: "الفكرة الرئيسة التي يريد التعبير عنها الرئيس سعيّد أن القاضي موظف لدى الدولة، ولا يمكن أن يكون سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية، دون أن يعلن ذلك علنا".
اقرأ أيضا: سعيّد يدافع عن تمويله بالانتخابات.. ودعوة لحماية القضاء
وأوضح الجورشي: "سعيّد يرى أن أصل السلطة يتلخص في وجود دولة يشرف عليها رئيس، والبقية موظفون، بما في ذلك القضاة، يجب عليهم أن يخضعوا للرئيس".
واعتبر المحلل السياسي أن "الرئيس دخل فعليا في صراع مع السلطة القضائية وغيرها، أصبح هذا الصراع واضحا وجليا"، على حد تعبيره.
"مواطنون ضد الانقلاب" بتونس يواصل إضرابه ويحشد لـ14 يناير
تضامن واسع مع البحيري.. وزوجته تحمّل سعيّد مسؤولية حياته
2021 الأسوأ سياسيا بتونس.. وقيس سعيّد يتصدر المشهد