نشرت صحيفة "واشنطن بوست"، مقالا للمحلل المختص في موضوع الاحتلال وفلسطين في مجموعة الأزمات الدولية، مئيراف زونسزين، قال فيه إنه عندما أحيا رئيس "إسرائيل" الجديد، إسحاق هرتزوغ، الليلة الأولى من حانوكا في كانون الأول/ ديسمبر، بإضاءة الشموع في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، حيث يعيش حوالي 850 مستوطنا إسرائيليا تحت الحماية العسكرية، بين أكثر من 200 ألف فلسطيني، قدم تذكيرا مهينا آخر للاحتلال الوحشي الإسرائيلي.
وقال زونسزين في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن هيرتسوغ تحدث عن الحاجة إلى إدانة "كل أشكال الكراهية والعنف" في مكان يمارس فيه العنف المنهجي ضد الفلسطينيين بشكل صارخ.
في حين حاول الائتلاف الإسرائيلي المختلط الذي أنهى ولاية بنيامين نتنياهو طي الصفحة من خلال ممارسة دبلوماسية محترمة في الخارج.
وكوزير للخارجية، كان السياسي الوسطي يائير لابيد، يحاول إصلاح علاقات "إسرائيل" مع الديمقراطيين في أمريكا، ومع حكومات الاتحاد الأوروبي، التي عاملها نتنياهو بازدراء، في محاولة لتعزيز صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية ليبرالية تلعب دورا جيدا.
هذا النهج يروق لكثير من المسؤولين الغربيين، الذين، لأسباب مفهومة، بالنظر إلى تجربتهم مع نتنياهو، يعلقون الأمل في التغيير.
قال لبيد في تموز/ يوليو الماضي: "لن نعلن على الفور أن كل من لا يتفق معنا هو معاد للسامية وكاره لإسرائيل.. ليست هذه هي الطريقة التي يتم التعامل بها مع العلاقات الخارجية لدولة ما".
ولكن في الشهر نفسه، بعد إعلان شركة بن أند غيريز أنها لن تبيع الآيس كريم بعد الآن في المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يقيم 670,000 إسرائيلي بشكل غير قانوني، وصف لبيد هذه الخطوة بأنها "معادية لإسرائيل ومعادية لليهود".
إن تقديم مقاطعة للمستوطنات على أنها مقاطعة لإسرائيل يمحو التمييز بين حدود إسرائيل المعترف بها دوليا عام 1948 والأرض - والشعب - التي احتلتها منذ عام 1967.
ولفت إلى أنه على الرغم من أن تحالف نفتالي بينيت-لابيد يدعي أنه الترياق لحكم نتنياهو، فإنه مستمر في نفس سياسات التوسع الاستيطاني وهدم المنازل والتهديد بالإخلاء، وقمع الدولة للفلسطينيين ورفض الانخراط حتى في ما يشبه العملية السياسية. كما أن الحكومة الجديدة، إن وجدت، قد ضاعفت من قوتها في الخلط بين إسرائيل والضفة الغربية.
وأضاف الكاتب: "أيدت وزيرة التعليم الإسرائيلية مؤخرا قرار سلفها بحجب جائزة إسرائيل عن أستاذ الرياضيات عوديد غولدريتش لأنه يؤيد مقاطعة جامعة أرييل، الواقعة في مستوطنة كبيرة بالضفة الغربية".
وقالت: "لا يمكنني منح جائزة إسرائيل للإنجازات الأكاديمية، مهما كانت مثيرة للإعجاب، [لشخص] يدعو لمقاطعة إسرائيل"، متهمة إياه بمقاطعة "المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل"، على الرغم من أن آرييل ليست في إسرائيل.
وألغى نائب وزير الخارجية إيدان رول اجتماعات مقررة مع المسؤولين البلجيكيين بعدما أعلنت حكومتهم أنها ستبدأ في وضع العلامات على المنتجات المصنوعة في المستوطنات - وليس المقاطعة، فقط شفافية المستهلك.
وقال رول إن قرار تصنيف المنتجات "يقوي المتطرفين ولا يساعد في تعزيز السلام في المنطقة ويظهر أن بلجيكا لا تساهم في الاستقرار الإقليمي".
اقرأ أيضا: معاريف: الانسحاب من غزة أضعف "إسرائيل" أمام "حماس"
وأصدرت وزارة الخارجية بيانا وصفت فيه الخطوة بأنها "معادية لإسرائيل" وقالت "إنها تتعارض مع سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تركز على تحسين حياة الفلسطينيين وتقوية السلطة الفلسطينية، ومع تحسين علاقات إسرائيل مع الدول الأوروبية".
ووفقا لهذا المنطق- يضيف الكاتب- أنه حتى في ظل رئيس الوزراء الذي يدعي "تقليص" الصراع، ووزير الجيش الذي يسعى لتقوية الاقتصاد الفلسطيني ووزير الخارجية الذي يدعم حل الدولتين، فإن السياسة الإسرائيلية هي أن تحتفظ بالضفة الغربية، وتضفي الشرعية على المستوطنات فيها وتبقي الفلسطينيين تحت الحكم العسكري مع الادعاء بتحسين حياتهم.
وهذا استمرار للضم بحكم الأمر الواقع مثل الحكومات السابقة، ويمكن القول إنه يزيد عليها قليلا من خلال خلق مظهر الضم بحكم القانون.
إنها ليست مجرد مصادرة مستمرة للأراضي (مع التهرب من التداعيات القانونية) ولكنه موقف يتوقع من بقية العالم قبول الأراضي المحتلة كما لو كانت إسرائيل.
وهذا جزء من سبب قيام منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" بعد نظيراتها الفلسطينية بالإعلان قبل عام أن إسرائيل هي نظام فصل عنصري.
ويتعرض الفلسطينيون ومؤيدوهم للتوبيخ وحتى العقاب عندما يطالبون بفلسطين حرة "من النهر إلى البحر". وأظهر استطلاع حديث للرأي أن الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية يفضلون الآن دولة واحدة أكثر من دولتين.
لكن سياسات إسرائيل اليومية تطبق فعليا دولة واحدة من النهر إلى البحر، حيث يتمتع اليهود بحريات يُحرم منها الفلسطينيون.
إن تطبيع المستوطنات الإسرائيلية ومحو الخط الأخضر ليس بالأمر الجديد. لقد كان يحدث بشكل مطرد منذ أن بدأت إسرائيل في إرسال مواطنيها عبر الخط بعد حرب 1967.
لكن هذا التحالف الجديد يتابع هذه الأجندة في حين يقدم نفسه على أنه أكثر ودية إلى حد ما وأكثر استساغة، وهو الأمر الذي يستطيع فعله إلى حد كبير دون مساءلة بسبب التقاعس الدولي.
لأن إسرائيل تتعامل مع الضفة الغربية كما لو كانت بالفعل جزءا من أراضيها السيادية، فإنه ربما ينبغي أن تبدأ الحكومات الأخرى بالتصرف وفقا لذلك.
وعلى الرغم من تحول السياسة - والخطاب - في إسرائيل بعيدا بشكل كبير عن عملية السلام، إلا أن السياسة والخطاب الدوليين لا يزالان عالقين.
ويحتاج العالم إلى إجبار إسرائيل على الاختيار: إما أن تلتزم بسحب وجودها العسكري والمدني من الضفة الغربية إلى حدود ما قبل عام 1967، أو أنها يجب أن تمنح حق المواطنة والمساواة الكاملة ومنح حق التصويت لجميع أولئك الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية، على الأقل حتى عودة حل تفاوضي حقيقي إلى الطاولة.