كشفت دراسة علمية النقاب عن أن "
إسرائيل" تحتل من حيث عدد مراكز الدراسات فيها المرتبة الثانية في الشرق الأوسط بعد إيران، فلديها 78 مركز دراسات مقابل 87 في إيران و53 في تركيا.
جاء ذلك في ورقة علمية أصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بعنوان "
دور مراكز الأبحاث في صنع القرار السياسي الإسرائيلي"، من إعداد أ. د. وليد عبد الحي.
ووفق الدراسة، التي اطلعت عليها
"عربي21"، فإن "إسرائيل" تضم 20.9% من مراكز الدراسات في المنطقة، بالرغم من أن معدل عدد سكانها إلى إجمالي سكان المنطقة أقل من 1.3%.
وقد قسّم الباحث مراكز الأبحاث في "إسرائيل" من حيث التبعية إلى ثلاثة أنماط؛ مراكز الأبحاث الأكاديمية، أي المرتبطة بالجامعات الإسرائيلية، ومراكز الأبحاث الحكومية، وهي التابعة لمؤسسات رسمية كوزارة الخارجية، أو الأجهزة الأمنية، أو الكنيست، ومراكز الأبحاث غير الحكومية.
ثم عرض الباحث مكانة مراكز الدراسات الإسرائيلية إقليمياً وعالمياً، حيث ظهر أن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، استناداً إلى تصنيف جامعة بنسلفانيا (بالرغم مما عليه من ملاحظات)، احتلّ المكانة الأعلى بين بقية المراكز الإسرائيلية الـ 78. وقد حصل هذا المعهد على المرتبة الـ109 عالمياً، وضمن المراتب الأولى بين 373 مركز دراسات في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمرتبة الـ12 عالمياً من حيث المكانة في ميدان تخصصه، وهو الأمن القومي، والمكانة الـ86 عالمياً في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
وطرح الباحث تقييم الباحثين الإسرائيليين لتأثير مراكز الدراسات، وعرض اتجاهين في هذا المجال، الأول ميل عدد من رؤساء مراكز الدراسات خصوصاً غير الحكومية إلى ضرورة الإقرار بتواضع إسهام مراكز الدراسات في صياغة القرار الحكومي، وأن هذه البحوث لا يقرؤها المسؤولون السياسيون، مما يجعل تأثيرها في صناعة القرار محدوداً، واستندوا لضعف دور مراكز الدراسات لعدة أسباب أبرزها طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي القائم على النظام البرلماني، والنظام الانتخابي النسبي المعمول به، ودرجة انفتاح النظام السياسي الإسرائيلي في القرارات الاستراتيجية، والقدرات المالية لمراكز الدراسات الإسرائيلية، والنظام الضريبي في "إسرائيل"، الذي لا يعفي مراكز الدراسات ولا الجهات المانحة من الضريبة.
أما الاتجاه الثاني، أن دور مراكز الدراسات في صناعة القرار الإسرائيلي خصوصاً في المجال الأمني والدفاعي، أكبر مما يبدو، استناداً لعدة أسباب أبرزها تبعية بعض مراكز الأبحاث للمؤسسات الرسمية كوزارة الخارجية، أو الكنيست، أو الأجهزة الأمنية، وهي جزء أساسي في هيكلية دوائر صنع القرار، وتبعية بعض مراكز الدراسات للجامعات التي تتلقى دعماً مالياً من المؤسسات العسكرية والأمنية مقابل ما تقدمه من دراسات لهذه الجهات.
واستناداً لدراسة سابقة حول دور مراكز الدراسات في عملية صنع القرار، تبين للكاتب أن المنهجية القائمة على تحليل مضمون أدبيات مراكز الدراسات خصوصاً توصياتها، ثم مقارنة ذلك بالسلوك السياسي للدولة من خلال قراراتها، هي الأكثر دلالة على وزن مراكز الدراسات.
وخلص الكاتب إلى أن درجة التداخل بين العاملين في مراكز الدراسات ومؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية أعلى من الانطباع السائد، نظراً للتداخل الواضح في الموازنات للمراكز من ناحية، وتلقيها دعماً حكومياً بطريقة أو بأخرى، ونظراً للخلفيات الوظيفية للعاملين في المراكز والذين كانوا موظفين في الدولة، خصوصاً في المؤسسات العسكرية والأمنية والشؤون الخارجية من ناحية أخرى.
كما أن درجة التطابق بين توصيات مراكز الدراسات الإسرائيلية ذات المكانة الأعلى وبين
سياسات الدولة الاستراتيجية عالية بشكل واضح، على الرغم من انتساب هذه المراكز لتيارات سياسية مختلفة ومتباينة.
وأوصى الكاتب في ختام دراسته بإيلاء عناية خاصة من جهات صنع السياسة والقرار في البلاد العربية وقوى المقاومة الفلسطينية لهذه المراكز، لا سيّما تلك المراكز المتقدمة في التصنيف الدولي من ناحية، والمراكز المتخصصة في موضوعات تَعني المقاومة الفلسطينية وتمثل اهتماماتها الاستراتيجية من ناحية ثانية، كما هو الحال في دراسات معهد الأمن القومي الإسرائيلي، ومركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية، ومركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، و"المعهد الدولي لمقاومة الإرهاب".
وأشار عبد الحي إلى أن مراكز الدراسات أو التفكير تمثل دوائر بحثية لدراسة الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية والبيئية بهدف تقديم المشورة، وترشيد القرار الحكومي أو قرارات هيئات المجتمع المدني، وقد تكون هذه المراكز مستقلة مالياً وإدارياً وغير تابعة لأي جهة، وقد تكون مرتبطة بالهيئات الرسمية أو الحزبية أو بالجامعات الخاصة منها والرسمية. وتعمل هذه المراكز كنقطة تعاون بين "الأكاديميين والخبراء"، وبين هيئات صنع القرار في مختلف المستويات والميادين.