ناصرت نقابة الفنانين التونسيين الفنان لطفي بوشناق، الذي تعرض لهجمة من الملحن سمير العقربي، خلال برنامج تلفزيوني على قناة "قرطاج +".
وصف العقربي مواطنه بوشناق بأنه "لا يصلح للفن" و"ليس متعلماً" و"لا يعرف كيف يتحدث"، وأن الفضل في إيصاله إلى الجمهور يعود إليه، وهو ما نفاه لطفي في لقاء تلفزيوني آخر.
واعتبرت النقابة أن "التحامل" على الفنان لطفي بوشناق يندرج في إطار حب الظهور والبروز على حساب فنانين ذي قيمة ثابتة.
وأضافت نقابة الفنانين، أن "سمير العقربي ليس ملحنا جهبذا ولا موسيقيا ولا عازفا ماهرا ولا أكاديميا عارفا بطرق التحليل الموسيقية والنقد الفني، وليس مثقفا ذا علم ودراية تجعل له مصداقية ما وتجردا تحليليا في إبداء الرأي في موضوع فني".
وتهاطلت آراء التأييد للطفي بوشناق من أغلب رموز الأغنية في تونس من مطربين وملحنين وشعراء، مستنكرين هجمة العقربي على بوشناق.
ومن بين المؤيدين لبوشناق الفنان عبد الرحمن العيادي الذي دوّن: "لطفي بوشناق علامة مضيئة في سماء الأغنية التونسية، وهو نجم عربي وشرّفنا في المحافل الدولية، إضافة إلى تواضعه ورقيّ أخلاقه وحسن سريرته. كلّنا نفخر به ونُجِلّه ونعتبره مناضلا وقائدا رائدا للأجيال".
الغناء لسعيّد
ولم تهدأ هذه الزوبعة بعد، وما إن بادرت كل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشريكها الاستراتيجي المعهد العربي لحقوق الإنسان بتكريمه "لدوره في تكريس الفن للدفاع عن المستضعفين وجعل العالم مكاناً أفضل"، حتى انفجرت في وجهه جبهة أخرى على "فيسبوك"، تصفه بمطرب البلاط.
وأشار منتقدون إلى غنائه في حضرة الرئيس التونسي قيس سعيّد وعبد المجيد تبون الرئيس الجزائري، معتبرين أن ما أتاه بوشناق ممارسة تحيلنا على "العهد البائد" على حد تعبير المنتقدين، و"حنينا إلى أيام الديكتاتورية".
وتنظر أطراف كثيرة إلى ما أقدم عليه بوشناق من غناء للرئيس قيس سعيّد وضيفه تبون، على أنه تطبيع مع الانقلاب وتبرير له.
والطريف أن صفحة رئاسة الجمهورية التونسية -كما أكد ذلك المخرج جمال دلالي- لم تنشر صور الحفل الفني في القصر، إنما الصور المتداولة، وكان مصدرها صفحة الرئاسة الجزائرية.
وكتب أبو سعدون على حسابه في "فيسبوك" ساخرا من أغنية بوشناق: "خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن"، لتصبح "خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلوني في القصر (ناصب)" -أي مستمتعا ومرفها– كما في الاستعمال العامي التونسي.
وكان قيس سعيّد، استقبل في آذار/ مارس 2021، لطفي بوشناق، رئيس نقابة الفنانين التونسيين، مرفوقا بأعضاء النقابة، وقدّم الأخير عرضا لرئيس الدولة حول الوضع الثقافي العام، وما يواجهه الفنانون في تونس من صعوبات مهنية واجتماعية ومادية.
هل أخطأ بوشناق؟
أليس من حق الفنان أن تكون له رؤية سياسية؟
أليس للفنان حرية التحرك وفق ما يراه "مصلحة الوطن"؟
لماذا لا نتصور العلاقة بين الفنان والحاكم إلا من منظور صدامي؟
وفي المقابل هل يجوز للفنان أن يكون صدى للحاكم يردد أمنياته المكتومة ليطلقها ببوق مدهون تزلفا؟
سأل هارون الرشيد، أبا نواس "من أسعد النّاس؟"، ودون تردد أجاب: "هو من لم يعرف السلطان ولم يعرفه السلطان".
قوتان إذن، واحدة يمثلها الفنان، يقابله السياسي بجبروته، وسعيه لاحتكار الفضاء باعتباره السلطان الأوحد الذي لا ينبغي لأي جهة أن تتقاسم معه السيادة.
ووفق هذا التصور تنشأ ثقافة الترهيب والغنيمة، وتبدأ لعبة الإغواء والترويض. الفنّان ليس خصما للسياسيين، هو الضمير، والخصم الشرس لكل أشكال الرداءة، وهو حارس القيم التي اؤتمن عليها بفعله الإبداعي، في واقع يكتنفه التعقيد والتنوع، وفق تصور واع ومتبصر. أما السياسة، فهي فن من فنون الغلبة بالمنطق الخلدوني، وإشهار القوة وطلب الخضوع.
وعندما تم اعتقال الضابط اليهودي "دريفوس" في الجيش الفرنسي سنة 1894، بتهمة التخابر مع الألمان، تم تجريده من عمله والحكم عليه بالإعدام. فكتب إيميل زولا رسالة لرئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك يحتج فيها على هذه الواقعة. كم من فنان ومثقف عربي وجه رسائل تحتج وتتهم، تحت شعار زولوي (نسبة إلى زولا) إدانة للمظالم التي تعج بها بلاد العرب؟
لماذا لم يسر الفنانون العرب على درب الشيخ إمام عيسى ومارسيل خليفة وفنانين آخرون رفضوا أن تستباح الكلمة، وترفعوا عن الولائم وفخاخ وطعم الغنيمة؟ كثيرون عاشوا محاصرين لأنهم رفضوا شهادات الزور.
وما أتاه بوشناق يعتبر هينا مقارنة بما أقدم عليه الممثل المصري أحمد بدير الذي انخرط في وصلة مديح للرئيس قيس سعيد، فوصفه بالمنقذ وشبّهه بالسيسي الذي أنقذ مصر، حسب رأيه. وهذا السلوك غير غريب عنه وهو القائل: "لو قال لي السيسي ده مش أبوك، ح صدقه"؟
وفي استضافة تلفزية، انطلق "عبعال" في سمفونية مديح عال للسياسية عبير موسي، التي تعتبر السيسي قدوتها.
وأحمد بدير تجاهل المتغيرات الحاصلة في تونس حيث لا ترفع صور الرئيس في المكاتب والإدارات.
هل كان أحمد بدير يعمل على الإجهاز على وسط ثقافي تونسي اتسم في مجمله، بالاستقلالية والحرية واتخاذ مسافة تجاه الحاكم، هل أراد أحمد بدير الإعلان عن ردة، وتكريس نموذج الفنان الذليل التابع للسلطة؟
أحمد بدير فنان ولطفي بوشناق أيضا، من المستفيد مما أقدما عليه ورغم أنه يدخل في باب الحرية الشخصية. استفاد السياسيون مما فعلاه ولم تزدها تلك الحركات شعبية بقدر ما طرحت نقاط استفهام حولها، فهي لم تزد في شعبيتهما ولم تضف شيئا على رصيديهما الفني، بقدر ما بثت بذور شبهة تملق حتى ولو كانت قناعتهما راسخة أن ما أقدما عليه، كان خدمة للوطن.
لا بد للفنان- إذا أراد أن يصبح سلطة - أن ينأى بنفسه عن كل ما يجعله صغيرا أو يفسد صورته، فيروز مثلا، اجتنبت الغناء في المطاعم لأن ذلك يصغرها ويقزم فنها، بل إنها رفضت أن تغني للرؤساء والزعماء، وأن تكون مجرد ديكور مكمل لهناء الساسة وراحتهم وترفهم.
في سنة 1957، رفضت فيروز أن تغني في القصر الجمهوري في القنطاري، احتفالاً بزيارة شاه إيران الراحل، محمد رضا بهلوي لبيروت. هذا الرفض أغضب الرئيس اللبناني كميل شمعون.
"وفي سنة 1965، رفضت فيروز أن تغني في حفل أقيم على شرف الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، بمناسبة زيارته إلى بيروت. فقد اتفق رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك، شارل حلو، مع الأخوين رحباني على أن يكون الحفل في كازينو لبنان، ثم تم تغيير المكان، هذا التغيير لم يرق لعاصي الرحباني، فرفض أن تغني فيروز على غير مسرح كازينو لبنان. غضب الرئيس بورقيبة فمنع طوال سنتين إذاعة أغنيات فيروز من راديو تونس.
الحادثة تكررت سنة 1967 عندما كانت فيروز في القاهرة، وصودف انعقاد مؤتمر قمة عربي، فطلب الرئيس اللبناني الراحل إلياس سركيس، من المطربة الكبيرة أن تحيي حفلة للملوك والرؤساء العرب في جامعة الدول العربية، فجاء الجواب بالرفض!".