زيارتى الأسبوع الماضي لباريس كانت على أبواب أعياد الميلاد، وأيضا الانتخابات الرئاسية، فكانت مظاهر الأولى فى إضاءة الشوارع وزينة المحلات والميادين، وللأسف كانت قبل موعد الخصومات الكبرى التى تبدأ 25 ديسمبر وحتى منتصف يناير، أما الثانية فكانت مظاهرها فى الصحف ونشرات الأخبار، ومنها ثلاثة تحقيقات كبرى نشرتها صحيفة اللوموند الفرنسية الأسبوع الماضى، أحدها عن حملة الحزب الاشتراكي وإمكانية أن تتخطى مرشحته نسبه الـ 7% التى أعلنتها بعض استطلاعات الرأي، وهو وارد بدرجة كبيرة، ولكن من غير الوارد أن تصل إلى جولة الإعادة، كما أفردت نفس الصحيفة صفحتين كاملتين حول المرشحة اليمينية «باتريس بيكريس» والتى لديها فرص لتصل إلى جولة الإعادة، وتحدثت عن أنها مرشحة قوية «تبحث عن خطتها واستراتيجيتها» وتحتاج أن تجمع حولها كل الرموز السياسية، خاصة داخل حزبها الجمهورى، والذي اختارها أعضاؤه بعد منافسة شرسة مع أكثر من مرشح لتصبح هي المرشحة الرسمية للحزب فى انتخابات الرئاسة القادمة فى شهر مارس.
وهى تسعى أن تبلور تمايزها عن الرئيس ماكرون المصنف فى الوسط أو يمين الوسط لأنها بلا شك مختلفة عن مرشحي اليسار، ودون أن تصبح مرشحة باهتة مثل بعض المرشحين الذين يرغبون أن يحصلوا على أصوات اليمين واليسار فيخسرون الاثنين.
وقد اتخذت موقفا متشددا من الهجرة والمهاجرين دون أن تصل إلى الخطاب العنصري الذى يردده مرشحو اليمين المتطرف وتحاول أن تكون قريبة من الفرنسيين العاديين على خلاف مرشح الحزب فى 2017 والذي فشل فى الوصول إلى جولة الإعادة بأقل من 1%.
أما تقرير الصحيفة عن الرئيس ماكرون فجاء أيضا فى صفحتين كاملتين واعتبرت أن التحدي الذى يواجهه هو إحياء مشروعه السياسى الذى أضعفته جوانب كثيرة منها احتجاجات السترات الصفراء ورفض قطاعات من اليسار واليمين سياساته، ولم يخلُ الأمر من الاتهام التقليدى الذى يوجه ضد رئيس دولة يترشح فى انتخابات الرئاسة بالقول «إنه يوظف أدوات الدولة لصالحه».
أما بالنسبة لمرشحي اليمين المتطرف، فهناك اثنان قويان أحدهما مارين لوبان، التى وصلت لجولة الإعادة فى الانتخابات السابقة فى مواجهة ماكرون وفاز عليها بنسبة كاسحة فاقت الثلثين، والثانى هو إريك زامور الذى جاء من مجال الكتابة والبحث ويحمل أطروحات أكثر عمقا وأكثر تطرفا تؤصل لموقف فكري متكامل ليس فقط فى رفض الهجرة والمهاجرين إنما فى رفض الإسلام وليس «التطرف الإسلامي» أو «الانفصالية الإسلامية» كما يسميها ماكرون.
هذا الرجل صاحب رؤية وفكر ولا يجب أخذه بخفة لأنه قد يغير صورة فرنسا والعلاقات مع العرب فى حال إذا نجح فى جعل قطاع كبير من الفرنسيين يتبنى أطروحاته (لأنه لن ينجح فى الانتخابات القادمة) وهذا سيعني تحولا هائلا فى العلاقة بين فرنسا والشعوب العربية.
(نقلا عن المصري اليوم)