عندما انهزم ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة أمام بايدن، سارع الكثير من المحلّلين والخبراء إلى استبعاد إمكانية عودته إلى الحياة السياسية فضلاً عن الانتخابات الرئاسية المقبلة. وربما كان هذا الاستبعاد ناجماً عن تفكير بالتمني أكثر من كونه استنتاجاً مبنيا على وقائع، أو ربما هي نشوة النصر مخلوطة مع كره شديد لما كان يمثّله ترامب.
ومع أنّ المستعجلين إلى إزاحة ترامب من المشهد استندوا إلى تبريرات تبدو منطقية من بينها الجهود القضائية التي بُذلت ضدّه كي تضمن عدم ترشّحه مرّة أخرى للرئاسة، إلا أنّ لا شيء مستبعدا بشكل كلي في السياسة خاصة أنّ أحداً لم يتوقع فوز ترامب عندما ترشّح للرئاسة في المرة السابقة. على أي حال، كثرت في الآونة الأخيرة التقارير الإعلامية التي تتناول ترامب ويكون مادّة لها حتى إنّ موقع آكسيوس نشر قبل بضعة أيام فقط مقابلة كان قد أجراها مع ترامب في إبريل الماضي، وحقّقت ضجّة كبيرة نظراً لما إحتوته من تصريحات جدلية له.
في هذه المقابلة، تكلم ترامب بشكل سلبي عن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، كما تمّت إزاحة الستار عن معلومات ومواقف عُرفت للمرّة الأولى. وجود شريحة واسعة من المؤيدين للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فضلاً عن شخصيته المثيرة للجدل، تجعّل نشر الأخبار عنه أمراً مستحبّاً للإعلاميين والمواقع الإخبارية التي تستهدف جلب المزيد من القرّاء. ربما يُفسّر البعض كثرة التقارير التي تتحدث عنه مؤخراً من هذه الزاوية.
لكن في المقابل، هناك بعض الحقائق التي تتزامن مع نشر الاخبار عن ترامب مؤخراً، ويجب ألاّ يتم تجاهلها. على سبيل المثال، في بداية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فاز المرشح الجمهوري جلين يونغكين، الموالي لدونالد ترامب، بمنصب حاكم ولاية فرجينيا الأمريكية، بعد أن هزم منافسه الديمقراطي، تيري مكوليف الذي حظي بدعم وتأييد من بايدن والرئيس السابق أوباما. وقد اعتبر ذلك الاستحقاق بمثابة اختبار للديمقراطيّين وللرئيس بايدن في الانتخابات النصفية ٢٠٢٢.
وفقاً لاسٍتطلاع للرأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" وقناة "إيه بي سي نيوز" مؤخراً، فإنّ نسبة التأييد الشعبي للرئيس الأمريكي بايدن تراجعت إلى أدنى مستوياتها، من ٥٠٪ من حزيران (يونيو) إلى ٤٤٪ في أيلول (سبتمبر)، إلى ٤١٪ لاحقاً. ويرجع ذلك بالأساس إلى مزيد من الآراء السلبية بين الديمقراطيين والمستقلين تجاهه. وبحسب الاستطلاع، فإنّ نحو ٥٣٪ غير راضين عن أدائه. وفي استطلاع مماثل أجرته جامعة "مونموث" فإن ٤٢٪ فقط من الأمريكيين يوافقون عن أداء بايدن الوظيفي، في حين لا يوافق ٥٠٪ من الأمريكيين على سياساته الاقتصادية.
هذه المعطيات تعني أنّه لو أجريت الانتخابات اليوم، فإنّ الديمقراطيين سينهزمون على الأرجح. هذه النطقة بالتحديد تفسّر على الأرجح لماذا عاد ترامب بقوة إلى الإعلام، ولماذا أصبح حاضراً في تقاريره. المفارقة أنّ هذا الحضور الإعلامي لترامب تمّ من خلال مؤيّدين ومعارضين له على حدّ سواء. بعض الصحف والمواقع الإخبارية المناوئة له عمدت إلى تحميله وزر السياسات الضعيفة والهزيلة للرئيس بايدن، والبعض الآخر ذكّر بقوّته وشعبيته التي لا تزال حاضرة لدى الجمهوريين. ولكل من هذين التيارين حجّته وذريعته بطبيعة الحال.
كثرت في الآونة الأخيرة التقارير الإعلامية التي تتناول ترامب ويكون مادّة لها حتى أنّ موقع آكسيوس نشر قبل بضعة أيام فقط مقابلة كان قد أجراها مع ترامب في إبريل الماضي، وحقّقت ضجّة كبيرة نظراً لما إحتوته من تصريحات جدلية له.
الأمر الآخر هو أنّ الظهور الإعلامي لبايدن محدود للغاية وشبه معدوم، فقد أجرى الرئيس بايدن ١٠ مقابلات صحفية خلال ١٠ أشهر، وهو رقم متواضع للغاية خاصة في ظل التحديات التي واجهت إدارته. وفقاً لموقع "ذا هيل" الأمريكي، فإن الرئيس الأسبق باراك أوباما أجرى أكثر من ١١٣ مقابلة خلال تلك الفترة، فيما أجرى الرئيس السابق ترامب أكثر من ٥٠ مقابلة خلال صيف العام الأول لإدارته.
من الواضح أنّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنّ ترامب لم ولن ينسحب حتى اللحظة الأخيرة. إذا ما حقق الجمهوريون فوزاً قوياً في الانتخابات النصفية، فهذا يعني أنّ ترامب سيعود على الأرجح إلى ساحة السياسة. وعلى الرغم من أنّ البعض يشير إلى أنّ إمكانية تعرض ترامب لهزيمة إضافية، في حال ترشه للانتخابات المقبلة، قد يثنيه عن الترشّح في الأصل.. إلاّ أنّ تراجع أداء بايدن قد يُغري ترامب بالفعل إلى تحدّي المرشّحين المحتملين له.
بغض النظر، فإنّ تواجد ترامب في الإعلام ليس مؤشراً إيجابياَ للعديد من اللاعبين والقوى في المنطقة والعالم، لا في ما يتعلق بأداء بايدن، ولا في ما يتعلق بإمكانية عودة ترامب للساحة، وسيكون من المثير للإهتمام معرفة ما إذا كان بايدن قادراً على الترشّح لولاية ثانية أم إنّ وضعه الصحي لن يسمح بذلك. فضلاً طبعاً عن الانعكاسات الجيوبوليتيكية المحتملة لمثل هذا السيناريو .