يشكل العزوف عن الانخراط في العمل الحزبي
ظاهرة في الأردن، وفق مراقبين، يرون أن ثمة أسباباً عميقة ومركبة تحول بين
الأردنيين وبين الانضمام للأحزاب السياسية، منها
الأمني، والسياسي، والاقتصادي،
والاجتماعي، والنفسي.
والإثنين الفائت؛ نوه ملك الأردن عبد الله الثاني،
خلال لقائه في قصر الحسينية، المكتب الدائم لمجلس النواب، الذي يضم رئيس المجلس ونائبيه
ومساعديه، إلى أهمية تشجيع المواطنين على الانخراط بالعمل الحزبي البرامجي، وتقبل جميع
الآراء والتوجهات ما دامت المصلحة الوطنية هي الهدف.
وتأتي دعوة الملك بعد نحو شهرين من تسلمه
تقرير لجنة تحديث المنظومة السياسية، الذي تضمن مقترحات وتعديلات دستورية متصلة
بقانون
الأحزاب، أهمها اشتراط ألا يقل عدد المتقدمين لتأسيس الحزب عن 300 عضو، وأن
يتم عقد المؤتمر التأسيسي خلال مدة لا تتجاوز السنة، وألا يقل عدد الأعضاء عن الألف،
بحيث يكونون من سكان ست محافظات على الأقل، ولا تقل نسبة الشباب المنخرط بالحزب
ممن تبلغ أعمارهم بين 18 و35 سنة عن 20 في المائة، والسيدات 20 في المائة.
تدمير رسمي للبيئة الحزبية
ويرى الناطق باسم حزب جبهة العمل الإسلامي،
ثابت عساف، أن النظام في الأردن يمارس عملية تدمير للبيئة الحزبية، وإغلاق ممنهج
للأفق السياسي، ما يوصل المواطن إلى قناعة بعدم جدوى الانخراط في العمل الحزبي.
وقال لـ"عربي21" إن الأردن يعاني
من "دسترة السلطة المطلقة لطرف من أطراف النظام، حتى مع التعديلات التي
قدمتها لجنة تحديث المنظومة السياسية"، مؤكداً أن "القوانين الحالية
نزعت الولاية العامة من جميع الأطراف، وأبقتها في يد رأس النظام".
ولفت عساف إلى أن التدخلات الأمنية في الحياة
الحزبية تنفّر عن الانضمام للأحزاب، مستشهداً بمنع حزبه من إقامة الفعاليات والأنشطة
المختلفة، "وتهديد العديد من أعضاء الحزب بفصلهم من وظائفهم إذا لم ينسحبوا منه،
واعتقال بعضهم الآخر، وإيقاف آخرين على المعابر والحدود، وسحب جوازات سفرهم، ومصادرة
أجهزتهم الخلوية وكمبيوتراتهم الشخصية".
وأضاف أن حزبه يشهد بشكل أسبوعي طلبات
استقالة من أعضائه، جراء الضغط الأمني، الذي يتمثل بالطلب من عضو الحزب أن يستقيل
كشرط لتوظيف شقيقه أو قريبه، مشيراً إلى أن "طلبة الجامعات يُمنعون من
الانضمام للأحزاب وممارسة العمل الحزبي بطريقة أو بأخرى".
وأوضح الناطق باسم أكبر الأحزاب الأردنية،
أنه "تحت الضغط الأمني والبيئة السياسية؛ نجد أن ثمة هندسة للانتخابات ولشكل الأحزاب
القادمة، إضافة إلى منظومة متكاملة من القوانين والممارسات التي لا تضمن تحقيق المخرجات
المطلوبة في تمثيل رأي الشارع، وإيصال صوته وإرادته".
وقال عساف إن ثمة حالة من الوعي تشكلت في
الشارع الأردني بعد ثورات الربيع العربي، مفادها أنْ لا جدوى من العمل السياسي
والحزبي، "فهناك جزء كبير من المواطنين لم يدلوا بأصواتهم في عدة دورات
انتخابية؛ لأنهم يرون أن أصواتهم لا تجد طريقها إلى التمثيل، وأن السلطة السياسية
تقوم بعملية تهشيم لصورة المؤسسات المنتخبة".
أسباب أخرى
من جهته؛ تطرق أستاذ علم الاجتماع في جامعة
البلقاء التطبيقية، حسين الخزاعي، إلى أسباب أخرى لعدم انخراط عامة الأردنيين في
العمل الحزبي، قائلاً إن المواطنين يعتقدون أن الأحزاب السياسية لم تفعل أي شيء يتعلق
بحل مشاكلهم، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.
وأضاف لـ"عربي21" أن
"الصورة النمطية المأخوذة عن الأحزاب في الأردن؛ هي أنها عائلية مصلحية، وأهدافها
منفعية آنية، ولم تعُدْ بالفائدة إلا على رؤسائها فقط"، لافتاً إلى أن "للآباء
والأجداد تجربة فاشلة مع العمل الحزبي، وبالتالي هم يحضون أبناءهم على تجنبه، حتى
لا يقعوا بالفشل مثلهم".
ولفت الخزاعي إلى أن عدم توفر ضمانات أمنية
للمنخرطين في الأحزاب؛ ساهم في ابتعاد الأردنيين عنها، متابعاً: "صحيح أن
المادة 19 من قانون الأحزاب رقم 39 لسنة 2015 تنص على أنه (لا يجوز التعرض لأي
مواطن أو مساءلته أو محاسبته أو المساس بحقوقه الدستورية أو القانونية بسبب
انتمائه الحزبي)، إلا أن ذلك غير مطبق على أرض الواقع".
وأكد "عدم وجود ثقة بشكل كلي بين المواطن
وبين الحكومة في أي قانون أو نظام أو تعليمات تصدر بخصوص الأحزاب السياسية"،
معللا ذلك بأن السلطة التنفيذية "لا تتعامل مع العمل الحزبي من خلال قاعدة
مطردة، فما تسمح به اليوم تمنعه غداً، والأنظمة التي تصدرها شيء، والتنفيذ على
الأرض شيء آخر".
وقال الخزاعي إن "هناك صورة سلبية في
المجتمع تجاه العمل الحزبي لن تتغير على الإطلاق، ناهيك عن تراكم المشكلات
الاقتصادية والسياسية وتفاقمها، وزيادة نسب البطالة والفقر، كل ذلك أدى إلى العزوف
عن العمل السياسي والحزبي، وخاصة من فئة الشباب".
وأشار إلى انتشار "حالة من فقدان
الأمل بكل المؤسسات التي تقدم الخدمات للمواطنين، فما بالك بالأحزاب السياسية؟"،
مبيناً أن "الاستطلاعات تشير إلى أن 15 بالمئة فقط هم الذين يثقون بالأحزاب السياسية،
وبعض الاستطلاعات تقول ما بين 8 و9 بالمئة".
وفي الأردن 50 حزباً مسجلاً لدى وزارة
الشؤون السياسية والبرلمانية، يُقدر عدد المنتسبين إليها نحو 35 ألف مواطن، في بلد
يبلغ عدد سكانه نحو 11 مليون نسمة، وفق آخر الإحصائيات.