يشكّل يوم 13 آب/ أغسطس 2020 منعطفا في تاريخ دولة إسرائيل، عندما اتّجهت دولة الإمارات العربية المتّحدة إلى إعلان تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ليس وفق ما جرى سابقا مع الدول العربية المطبّعة (مصر والأردن) ومن ثم منظمة التحرير الفلسطينية من أجل تسوية منفردة للصراع العربي- الإسرائيلي، تتضمن إنهاء لحالة الحرب وتسوية مواضيع تتعلّق بالأراضي والحدود، بل هدفت أبو ظبي من تلك الخطوة الاستقواء بتل أبيب أمام رياح قادمة عاصفة، في حال فوز المرشّح الرئاسي الأمريكي جو بايدن في الانتخابات بعد ثلاثة أشهر، الذي أبدى نيّة علنيّة في تجديد الاتفاق النووي مع إيران. تثنّى ذلك مع البحرين بعد أربعة أسابيع، التي تُشارك الإمارات مخاوفها تلك وتزيد عليها أن السلطات الحاكمة في المنامة تُواجه معارضة من الإسلام الأصوليّ الشيعي مدعومة من طهران.
كان هناك الكثير من المؤشّرات على أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو داعم للخطوتَين الإماراتية والبحرانية، ما دامت الدول الثلاث تخشى من تكرار سيناريو اتفاق أوباما عام 2015 وتخشى تداعيات خسارة ترامب، الذي سحب التوقيع الأمريكي عن ذلك الاتفاق، في الانتخابات أمام بايدن، ولكنه لاعتبارات داخلية سعودية لم يُجاهر بذلك الدعم، ولم يقدم على تثليث خطوتَي أبو ظبي والمنامة. في 23 تشرين الأول/ أوكتوبر 2020 قام عسكر السودان، الذي يسيطر على مجلس السيادة الحاكم، بإعلان تطبيع العلاقات مع إسرائيل معلنا هدفه الصريح، وهو رفع السودان عن «قائمة الدول الداعمة للإرهاب» وإزالة ديونه وفتح الطريق لعلاقات مع واشنطن، وفي 10كانون الأول/ ديسمبر 2020 أعلن المغرب إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع إسرائيل (كانت على مستوى منخفض منذ 1993 ثم تم تجميدها عام 2002) على خطى السودان؛ من أجل نيل الاعتراف الأمريكي بمغربيّة الصّحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وهو ما حصل من واشنطن بالتزامن مع تلك الخطوة تجاه تل أبيب، ويبدو أن الخرطوم والرباط تؤمنان بقول الرئيس الجيورجي السابق إدوارد شيفانيدزه بأن «الطريق إلى واشنطن يمرّ بتل أبيب».
حاولت موريتانيا ذلك عام 1999 عندما أقام معاوية ولد الطايع علاقات مع إسرائيل لتقوية نظامه، ولكنه لم يستفد من ذلك، وقد قام النظام الذي أطاح به عام 2005 بتجميد العلاقات مع إسرائيل عام 2009، ثم أنهاها في العام التالي. على العكس من الخطوتين السودانية والمغربية، كانت أبو ظبي والمنامة تفكّران بالاحتماء والاستقواء بإسرائيل ضد اتجاهات أمريكية مقبلة، ولكن رغم هذا، فإن الخطوات المذكورة تلك من العواصم العربية الأربع، تقود في النهاية إلى جعل إسرائيل قوة إقليميّة تحتمي بها دول وتمشي تحت ظلّها ضد دول إقليميّة أخرى، أو تستقوي بها ضد قوى دولية كما فعل عسكر السودان بعد انقلاب 25 تشرين الأول/ أوكتوبر 2021، عندما أيّدتهم إسرائيل (ودول إقليمية مثل مصر والسعودية والإمارات) فيما عارضت واشنطن ذلك الانقلاب.
هذا تطوّر نوعي في اللّوحة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط لم نشهد مثيلا له منذ إعلان دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل في عصر يوم الجمعة 14 أيار/ مايو 1948، حيث كانت إسرائيل مثل الذئب المنفرد في محيط إقليمي معاد لها، أو في حالة أخرى مثل «المخفر اليهودي» للغرب الأوروبي (حتى عام 1956) وللغرب الأمريكي (منذ عام 1964) لضبط المنطقة أو لضرب اتجاهات محليّة في الإقليم تشكل خطرا على الغرب (جمال عبدالناصر في حربي 1956و1967، صدّام حسين عند ضرب المفاعل النووي العراقي عام1981، منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وحروب إسرائيل الفاشلة في لبنان 2006 وغزة 2008-2009-2012-2014 و2021). كان هناك وظيفة إضافية لإسرائيل، هي أنها كانت مصدر المعلومات الرئيسية لواشنطن عن الاتحاد السوفياتي والكتلة السوفياتية منذ تبخّر آمال ستالين عام 1949 في أن تكون تل أبيب مدخل موسكو إلى الشرق الأوسط. وحتى عندما فكّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون - أمام الخطر الذي رآه في وحدة 1958 السورية- المصرية- في إقامة حلف إقليمي مع إيران وتركيا وإثيوبيا، فإنه لم يخرج عن عقلية «المخفر» أو «الذئب المنفرد» أو عقلية من هو في قلعة محاصرة، ويحاول نسج تعاون أو حلف مع من هم وراء أو خلف محاصريه.
ما قامت به أبو ظبي والمنامة والخرطوم والرباط أراح إسرائيل إقليميّا، أكثر ممّا فعله السّادات 1978-1979 والملك حسين 1994 وياسر عرفات 1993، وأعطاها قوّة إقليمية، وليس صدفة أن يبعث خليفة حفتر بابنه صدام إلى تل أبيب من أجل نيل الدعم لترشّحه للانتخابات الرئاسية الليبية نهاية هذا العام، وأن تُقلع الطائرة التي أوصلته إلى إسرائيل من الإمارات، طبعا مقابل أن يقدّم في حال فوزه بالانتخابات تطبيعا ليبيا مع إسرائيل، وربّما أبعد من ذلك (يوسي ميلمان، صحيفة «هآرتس»، 7\11\2021).
يلفت النظر، رفض بايدن في أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إعطاء الإذن لتل أبيب للقيام بعمل منفرد إسرائيلي ضد إيران؛ في محاولة من تل أبيب لاستئناف دور «المخفر اليهودي» ضد حالة يراها الأمريكان خطرة، ولكن تميل الإدارة الحالية إلى معالجتها عبر الاتفاق وليس عبر الحرب كما حصل مع عبدالناصر، ولو كانت حربا بالوكالة تولّتها إسرائيل عام 1967. ليس غريبا في حال فشل المفاوضات النووية مع طهران أن تستأنف واشنطن اعتمادها على «المخفر اليهودي» ضد إيران.
في السياق نفسه، وعبر تباعدات واشنطن وتل أبيب التي برزت في زمن أوباما واستؤنفت مع بايدن بعد أن تقاربا في عهد ترامب، يجب ملاحظة مدى التقارب الذي يحصل بين إسرائيل وروسيا والصين، وملاحظة مدى التنسيق الروسي – الإسرائيلي في أثناء الضربات الجوية الإسرائيلية لمواقع إيرانية عسكرية أو لقوات موالية لطهران موجودة على الأراضي السورية.