نشرت صحيفة "
بوبليكو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه
عن التغييرات التي قد تحدث في منطقة الشرق الأوسط بعد التقارب التركي
الإماراتي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"،
إن التقارب بين
تركيا والإمارات العربية المتحدة يعتبر من التحولات العديدة التي تشهدها
المنطقة مؤخرا، ومن أكثرها أهمية.
وقد طغت الخلافات على علاقة البلدين خلال السنوات الماضية،
حيث تبنى كلاهما وجهات نظر متعارضة بخصوص عدد من الملفات الحساسة في المنطقة.
وزار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أنقرة قبل أيام بدعوة
من الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد نحو عقد من الزمان من القطيعة بين البلدين. وقد بلغ
التوتر بين أنقرة وأبو ظبي ذروته، عندما اتهمت تركيا الإمارات بتدبير الانقلاب الفاشل
في تمّوز/ يوليو سنة 2016، والذي كاد يطيح بالرئيس التركي.
وحسب الصحيفة، فإن ولي عهد أبو ظبي هو الزعيم العربي الأكثر
نشاطا في مواجهة الإسلام السياسي، وهو شخصية حاضرة بقوة في جميع النزاعات الإقليمية
بهدف دعم الأنظمة الديكتاتورية التي وضعت حدا للتجارب الديمقراطية التي أعقبت ثورات
الربيع العربي.
أما الرئيس أردوغان، فإنه يُعرف -وفقا للصحيفة- بدعمه للمسار
الديمقراطي في ظل قناعته بأن هذه السياسة ستؤدي في معظم الحالات إلى وصول تيارات الإسلام
السياسي إلى الحكم، وهذا ما حدث بالفعل في مصر وتونس قبل أن تبدأ التدخلات الإماراتية.
تجاوز الخلافات
بفضل هذه الزيارة إلى أنقرة وتطبيع
العلاقات، يكون ابن زايد
قد سبق دولا أخرى في هذه الخطوة، مثل مصر والسعودية اللتين تعملان أيضا على إعادة العلاقات
مع تركيا بعد سنوات من العداء والاتهامات المتبادلة والضغوط.
وقد صرّح مسؤول تركي كبير بخصوص هذه الخطوة قائلا:
"لقد تركنا مشاكل الماضي مع الإمارات
خلفنا، ونحن بصدد دخول فترة تتميز بالتعاون من أجل المنفعة المتبادلة لكلا البلدين".
وترى الصحيفة أن هذه التحركات تشير إلى أن أردوغان قد راجع
مواقفه فيما يتعلق بتأييد الإسلاميين، وأصبح يتقبل الواقع الجديد للشرق الأوسط بعيدا
عن مقارباته الديمقراطية، حيث لا تظهر أي مؤشرات على تصحيح المسار السياسي، بل تتجّه
المنطقة بشكل ملحوظ نحو المزيد من الاستبداد.
والدرس المستفاد من هذا التقارب -حسب الصحيفة- هو أنه لا
توجد عداوات دائمة أو صداقات دائمة في العلاقات السياسية، وأن أردوغان يمكن أن يصبح
براغماتيا ويتخلى عن المبادئ الأيديولوجية التي كان يتبناها ويتمسك بها حتى وقت قريب.
الاتصالات مع مصر والسعودية
تضيف الصحيفة أنه بالإضافة إلى التقارب التركي الإماراتي،
تشهد العلاقات بين تركيا ومصر بعض التقدم رغم أن عديد النقاط لم تُحسم بشكل نهائي.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي
إن الحوار مع القاهرة يتقدم إلا أن البلدين ليسا مستعدين بعد لتبادل السفراء.
وتوضح الصحيفة أن هناك ثلاث عقبات تعرقل تطبيع العلاقات بشكل
كامل بين أنقرة والقاهرة، وهي ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، والحضور
التركي في ليبيا، وإقامة أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين المصرية في تركيا منذ انقلاب
السيسي سنة 2013.
وترجح الصحيفة أن ينتهي الأمر بأنقرة والقاهرة إلى التفاوض
على نوع من التفاهم على المدى القصير أو المتوسط، والذي سيسمح لهما بتقارب أكبر بعد
فشل جهود تطبيع العلاقات خلال الأشهر الماضية.
وعلى صعيد العلاقات مع السعودية، زار جاويش أوغلو الرياض
في مايو/ أيار الماضي وأجرى اتصالات مباشرة مع كبار المسؤولين السعوديين في أول زيارة
لشخصية تركية رفيعة المستوى بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول
سنة 2018.
وتؤكد الصحيفة أن السعوديين يتطلعون إلى طي ملف خاشقجي نهائيا،
رغم أن خطيبته التركية لا تزال تطالب بتحقيق العدالة.
اتفاقيات اقتصادية وسياسة براغماتية
بعد توقيع 10 اتفاقيات اقتصادية الأربعاء، يتضح -وفقا للصحيفة-
أن قادة تركيا والإمارات مهتمون بتعميق العلاقات الاقتصادية وأن الاقتصاد يشكل النقطة
المركزية في استعادة العلاقات السياسية.
واللافت أنه رغم تدهور العلاقات خلال السنوات الماضية، حافظت
الإمارات والسعودية ومصر على علاقات تجارية مهمة مع تركيا.
وترى الصحيفة أن التقارب الحالي كان على حساب تركيا التي
اضطرت إلى تقديم تنازلات أكبر، رغم أن الدول العربية الثلاث هي التي ارتكبت أخطاء فادحة
وكانت تريد من أنقرة التغاضي عنها وتجاوزها.
وتختم الصحيفة أن التطورات الأخيرة تدل على أن العلاقات السياسية،
خاصة في منطقة الشرق الأوسط، تتطلب قدرا كبيرا من البراغماتية والتخلي عن المبادئ،
وهو ما جعل الرئيس أردوغان يغيّر موقفه تجاه تحقيق العدالة والديمقراطية بسبب التصادم
مع قادة مصر والسعودية والإمارات.