قضايا وآراء

الأمم المتّحدة والمليشيات العراقيّة!

1300x600
لا يمكن نكران دور البعثات الدوليّة في ترطيب الأجواء بين القوى المتناحرة في دول تعاني من صراعات وتوتّرات أمنيّة وسياسيّة، ومن بينها العراق!

برزت تحركات بعثة الأمم المتّحدة في العراق (يونامي) بشكل واضح بعد العام 2007، ولكن بالمجمل لم يكن دورها متميّزا وناضجا رغم التفويض الذي تمتلكه بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1500، والذي يمنحها الأولويّة في تقديم المشورة والدعم لحكومة العراق وشعبه.

وبعيدا عن الملاحظات اللصيقة بأداء البعثة الدوليّة، سنحاول هنا الاقتصار على موقفها ودورها في الأزمة العراقيّة الأخيرة والمتعلّقة بنتائج الانتخابات البرلمانيّة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، حيث وجدت "يونامي" نفسها في مواجهة القوى الخاسرة في الانتخابات، وبالذات بعد إشادتها بالانتخابات وبسلاستها، رغم إشارتها إلى قلّة الإقبال عليها!

وخلال مرحلة ما بعد الانتخابات توالت التصريحات شبه اليوميّة الطاعنة في نزاهة الانتخابات من القوى الخاسرة، وآخرها تصريحات هادي العامري، زعيم تحالف الفتح، الذي أكّد أنّه تم تقديم طعن للمحكمة الاتّحاديّة فيه من الأدلّة الكافية لإلغاء نتائج الانتخابات، وأنه سيتمّ إلغاء 10 آلاف محطّة انتخابيّة. وفي ذات اليوم ذكرت مفوّضيّة الانتخابات أنّ الهيئة القضائيّة ألغت نتائج ستّ محطّات انتخابيّة فقط، ولأسباب قانونيّة!

ولا ندري كيف نتفهّم هذا الفرق الشاسع بين الرقمين!

وفي ذات السياق أكّد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وجود أدلّة تثبت التلاعب بنتائج الانتخابات!

وردّ عليه مقتدى الصدر بعد ساعات بأنّ العالم شهد على نزاهة الانتخابات!

ومع كلّ هذه الفوضى السياسيّة والإعلاميّة، سعت جينين بلاسخارت، الممثّلة الخاصّة للأمين العامّ للأمم المتّحدة، لتقريب وجهات النظر المُخْتَلِفة بين الخاسرين والفائزين بشأن نتائج الانتخابات وللوصول إلى تفاهمات مشتركة بينهم، ولكنّها هي الأخرى لم تسلم من الاتّهامات العلنيّة من القوى الخاسرة!

وفي ضوء هذه الاتّهامات الخطيرة رأينا خلال الأسبوع الماضي لقاءات حثيثة لزعماء القوى الخاسرة مع بلاسخارت، ومن بينهم قيس الخزعلي وهادي العامري وغيرهما!

وقد تكلّلت اللقاءات باجتماع عقده الإطار التنسيقيّ الشيعيّ بقصر عمار الحكيم في يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وبحضور الممثّلة الخاصّة، وذلك لتسليمها "أدلّة قاطعة" على تزوير الانتخابات، بحسب تصريحاتهم!

وبعد هذا الاجتماع بيومين (الثلاثاء 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021)، قدّمت الممثّلة الخاصّة إحاطتها إلى مجلس الأمن بخصوص العراق، وأكّدت أنّ الانتخابات كانت هادئة وحسنة الإدارة!

وأخطر ما في إحاطة بلاسخارت تأكيدها على أنّه لا يجوز تحت أيّ ظرف "السماح للإرهاب والعنف بإخراج العمليّة الديمقراطيّة العراقيّة عن مسارها"!

ويبدو أنّها لم تقتنع بأدلّة التزوير، وردّت على الخاسرين: "من المهم لأيّ حزب في نظام ديمقراطيّ، دراسة أسباب الخسارة والتعلّم منها"، وأنّ "القنوات القانونيّة تبقى متاحة، ولا دليل قانونيّا على وجود تزوير ممنهج"!

وأشدّ ما ذكرته بلاسخارت أنّ المشهد الحاليّ للعراق محفوف بالمخاطر، وما سيحدث في الأيّام المقبلة ستكون له أهمّيّة أكبر في مستقبل العراق القريب!

وهذه إشارة واضحة إلى مرحلة مظلمة مرتقبة في العراق، وبالذات مع تحذير واشنطن مواطنيها يوم الثلاثاء الماضي من السفر إلى العراق؛ تجنباً لعمليّات الخطف والإرهاب وأعمال العنف!

إحاطة بلاسخارت فتحت عليها نيران القوى الخاسرة والمالكة للسلاح لأنّها لم تغازلهم، ولم تأخذ بـ"أدلتهم" على التزوير!

وآخر التصريحات الهجوميّة ضدّها ما قاله هادي العامري بأنّ بلاسخارت تتدخّل في الانتخابات ونتائجها وكأنّها رئيس المفوّضيّة العليا، فيما اتّهمتها كتلة المالكي بأنّها تجامل أطرافا خارجيّة لإشعال الحرب الشيعيّة- الشيعيّة!

وبناء على ذلك نتساءل: هل بدأت مرحلة المواجهة بين البعثة الخاصّة والمليشيات المتنوّعة في العراق؟

وهل الحلّ السلميّ السياسيّ قد وصل إلى طريق مسدود؟

وفقا لهذه المعطيات المربكة، فإنّ المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التناحر والتصعيد من قبل القوى الخاسرة ضدّ شركاء الأمس وحتّى ضدّ المجتمع الدوليّ، ولهذا لا يمكن الجزم بإمكانية تشكيل الحكومة خلال الأشهر الستّة المقبلة حتّى لو تمّت المصادقة على نتائج الانتخابات؛ لأنّ غالبيّة القوى الشيعيّة قد وصلت التفاهمات بينها إلى "عنق الزجاجة"!

التحذيرات الأممية والأمريكيّة عن الأوضاع المستقبليّة، ربّما تشير إلى وصول العراق إلى نقطة الانحدار الحادّ باتّجاه الفوضى بأيّ لحظة ودون سابق إنذار، والتي لا يمكن التكهّن بشكلها وأطرافها ومآلاتها لأنّها مفتوحة على كلّ الخيارات!

وهذا ما حذّرنا منه سابقا ونحذّر منه اليوم!

twitter.com/dr_jasemj67