أدان الرئيس إيمانويل ماكرون، السبت، في سابقة هي الأولى من نوعها لرئيس فرنسي، "جرائم لا مبرر لها" ارتكبتها بلاده بحق جزائريين.
جاء ذلك خلال مشاركته في مراسم، أقيمت بالعاصمة الفرنسية باريس، إحياء لذكرى مجزرة فرنسية ضد متظاهرين جزائريين بقلب باريس قبل 60 عاما.
وقال قصر الإليزيه، في بيان، إن "الرئيس ماكرون أقر بالوقائع: إن الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون (قائد شرطة باريس يومها) لا مبرر لها بالنسبة إلى الجمهورية"، بحسب موقع "فرانس 24" المحلي.
وأوردت الرئاسة الفرنسية السبت أن "نحو 12 ألف جزائري اعتقلوا ونقلوا إلى مراكز فرز في ملعب كوبرتان وقصر الرياضات وأماكن اخرى. وإضافة إلى عدد كبير من الجرحى، قتل العشرات ورميت جثثهم في نهر السين. لم تتمكن عائلات كثيرة من العثور على جثث ابنائها الذين اختفوا في تلك الليلة".
وفي حين دان الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند عام 2012 "القمع الدموي" للتظاهرة، مضى ماكرون أبعد من ذلك قائلا في بيان الرئاسة إنه "أقر بالوقائع: الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون (قائد شرطة باريس يومها) لا مبرر لها بالنسبة إلى الجمهورية".
ووضع الرئيس الفرنسي إكليلا من الزهور في الضواحي الباريسية على ضفاف نهر السين بالقرب من جسر "بيزون" الذي سلكه قبل 60 عاما متظاهرون جزائريون وصلوا من حي "نانتير" الفقير المجاور، تلبية لدعوة فرع جبهة التحرير الوطني في فرنسا.
وتحولت هذه الذكرى إلى مناسبة لانتقادات وجهتها أطراف جزائرية رسمية لفرنسا، بالتزامن مع أزمة متصاعدة بين البلدين.
اقرأ أيضا: الجزائر تشترط احتراما فرنسيا كاملا لعودة سفيرها إلى باريس
ويعد ماكرون أول رئيس فرنسي يشارك في مراسم إحياء ذكرى الضحايا الجزائريين الذين سقطوا خلال تظاهرة بباريس في 17 تشرين أول/ أكتوبر 1961، لتكون أول خطوة نحو الاعتراف بجرائم فرنسا.
وأقيمت المراسم الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر بتوقيت غرنتش في حديقة يظللها جسر بمنطقة كولومب في الضاحية الشمالية الغربية للعاصمة الفرنسية باريس.
سابقة في تاريخ فرنسا
ولم يسبق أن شارك رئيس فرنسي في فعاليات ذكرى قمع المتظاهرين الجزائريين بباريس عام 1961 في خطوة ضمنية للاعتراف بالوقائع.
وتأتي هذه المشاركة في وقت تعيش فيه العلاقات بين فرنسا والجزائر توترا بسبب تصريحات ماكرون التي شكك من خلالها في وجود أمة جزائرية قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد عام 1830، وتساءل مستنكرا: "هل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟".
وادعى ماكرون، أنه "كان هناك استعمار قبل الاستعمار الفرنسي" للجزائر، في إشارة لفترة التواجد العثماني بين عامي 1514 و1830.
وتأتي هذه الخطوة قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع عقدها جولتين يومي 10 و24 نيسان/ أبريل 2022، حيث من المتوقع أن يعلن ماكرون عن ترشحه لفترة رئاسية ثانية.
وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1961، في خضم حرب الجزائر التي استمرت سبع
سنوات، تعرض 30 ألف جزائري ممن جاؤوا للتظاهر سلميا في باريس لقمع عنيف.
وسقط وفق التقدير الرسمي ثلاثة قتلى وستون جريحا، في حين بلغ عدد القتلى حوالي 200، بحسب روايات عديد المؤرخين.
انتقادات جزائرية رسمية لفرنسا
وبالمناسبة، نشرت وزارة الإعلام الجزائرية بيانا جاء فيه: "لقد تعرض هؤلاء المدنيون المتظاهرون لأبشع صور البطش والتنكيل والتعذيب والاغتيال".
وأوضح أن "القمع خلف في يوم واحد 300 شهيد منهم النساء والأطفال والمسنون في بلد يسوق لنفسه بهتانا وزورا دور المدافع عن حقوق الإنسان".
بدوره، نشر العيد ربيقة وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) تغريدة جاء فيها: "عشية إحياء الذكرى الستون لمظاهرات 17 أكتوبر، نستذكر تلك الجريمة ضد الإنسانية في حق أبناء جاليتنا من بني جلدتنا في المهجر".
وتابع: "هي شاهد آخر من شواهد سقوط قيم الانسانية لدى المستعمر الفرنسي، ومحطة من محطات الكفاح ونضال شعبنا الأبي المكافح".
والجمعة، نقل موقع الشروق أو لاين (خاص)، عن مسؤول وصفته بـ"السامي"، تأكيده أن عائلات ضحايا هذه المجازر "قرروا مقاضاة فرنسا أمام محاكم دولية حتى لا تمر هذه الجريمة دون عقاب".
ونظم المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان ) صبيحة السبت، ندوة نقاش حول هذه الجرائم. تحت عنوان: "النهر لا يزال دما في عيون الجزائريين" في إشارة إلى نهر السين الذي رمي فيه المتظاهرون الجزائريون بباريس.
وفي كلمة افتتاح للندوة، قال إبراهيم بوغالي رئيس المجلس: "هذه المجازر ستبقى وصمة عار في جبين المستعمر الفرنسي"، مشيرا إلى تصريحات سابقة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في هذا السياق.
وتابع بوغالي: "الجرائم الإنسانية لا يمكن أن تموت بالتقادم و لا بالخرجات غير المسؤولة التي لا تقيم وزنا للتاريخ".
ماكرون يدعو الجزائر للهدوء ويتحدث عن علاقة ودية مع تبون
فرنسا تستبق انتخابات الرئاسة بتشديد التأشيرات لدول مغاربية
ماكرون يصف الاتحاد الأوروبي بـ"الساذج" بعد أزمة "الغواصات"