قبل نحو أسبوعين طالعت خبرا عنوانه "على اللمبات المكسرة".. احتفال بأحد الأحياء الشعبية يغضب رواد مواقع التواصل..فيديو".
وشاهدت المقطع المصور قبل أن أقرأ محتوى الخبر؛ فوجدت نحو خمسين مراهقا، متجردين من ثيابهم العلوية يرقصون، في دائرة، على إيقاع، يضربه شاب في مركز الدائرة.
الاحتفال طابعه العام ذكوري، حاد، هو أقرب للعنف والغضب من الفرح، لوثة جماعية تشمل المحتفلين، المكان ينم عن فقر، مكان ضيق، في حارة تتلاصق شرفاتها، تقريبا.
تفاصيل الخبر قليلة: "انتشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" فيديو لأحد الأفراح الشعبية فى منطقة أرض اللواء. وظهر في الفيديو احتفالات غريبة يقوم بها الشباب الذين يرقصون نصف عارين فى منتصف أحد الشوارع".
التعليقات "الغاضبة" أشارت إلى "وضع اللمبات (المصابيح) الضوئية المكسرة كأرضية يرقصون عليها، ما أثار "استفزاز" رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وجاءت تعليقاتهم كالتالى: "ده مش احتفالات شيعة والا مولد سيدى العريان والا طقوس ماسونية ده فرح فى أرض اللواء".
استبعدت الشيعة والماسونية، لأني لم أجد للمقارنة معنى، وفكرت في المصابيح المتكسرة ومولد سيدي العريان، فكرت، إذن، في الخطورة على الصحة، وفي الرابط مع الفلكلور.
شركة مصر الوسطى لتوزيع الكهرباء، ضمن النشرة الدورية لمشروع التكامل اليورو متوسطي لأسواق الطاقة، تفيد بأن المصابيح الموفرة للطاقة، ومن بينها "الفلوريسنت التقليدية"، التي شاهدتها في المقطع المصور مكسرة وملقاة على الأرض، تحتوي على كميات صغيرة جدا من الزئبق.
ولتقريب الموضوع للقارئ تذكر النشرة أن لمبات (مصابيح) الفلورسنت التقليدية قدرة (16: 40) وات، والتى تعايشنا معها منذ عشرات السنين (وهي الموجودة على أرض فرح ارض اللواء)، تحتوي على كمية من الزئبق تتراوح بين 10- 30 ملليجرام، وبالمقارنة فان الترموميتر الطبي يحتوي على 500 ملليجرام زئبق، في حين أن كمية الزئبق الموجودة في حشو الأسنان تعادل 10 مرات كمية الزئبق الموجودة في اللمبات الموفرة للطاقة، الخطورة، إذا، ليست كبيرة، لكنها تظل موجودة.
نشرة "مصر الوسطى لتوزيع الكهرباء" تؤكد أن الزئبق عنصر أساسي في تشغيل اضاءة الفلورسنت. لذلك فإنها تقدم لجمهورها نصائح حول طرق الاستخدام السليم، وإعادة التدوير والتخلص منها بعد نهاية عمرها الافتراضي في حالة حدوث كسر فيها.
ففي حالة كسر اللمبة داخل المنزل: افتح شباك الحجرة وقم بتهوية المكان واخرج منها البشر والحيوانات لمدة لا تقل عن ۱٥ دقيقة. ارتدي قفازات وواقي علي الأنف والفم عند إزالة الأجزاء المتناثرة والبودرة لاسيما لو كانت بكميات كبيرة. اجمع كل الأجزاء المتناثرة الكبيرة وضعها في كيس بلاسـتيك وأغلقه بإحكام
استخدم شريط لاصق إن أمكن لجمع الأجزاء الصغيرة والبودرة المتناثرة وضعها في كيس بلاستيكي وأغلقه بإحكام. لا تستخدم المكنسة لأنه ستقوم بسحب بخار و بودرة الزئبق ثم تخرجه مع الهواء الساخن والذي سيزيد من تبخره و نشره في الغرفة بأكملها.
في حالة تعذر جمع جميع الأجزاء بدون استخدام المكنسة افتح الشبابيك وفرغ كيس المكنسة في مكان آمن خارج المنزل.
لكن نشرة شركة مصر الوسطى لتوزيع الكهرباء، ضمن النشرة الدورية لمشروع التكامل اليورو متوسطي لأسواق الطاقة، تؤكد، في النهاية، أن هناك مخاطر أخرى للمبات الموفرة للطاقة (والفلورسنت قبلها)، منها ما تنتجه تلك اللمبات من آشعة فوق بنفسجية؛ قد تسبب السرطان أو العمى بمرور الوقت مع كثرة التعرض، وهي مشكلة يمكن تجنبها لو تم رفع تلك اللمبات لمسافة قدمين على الأقل فوق رأس المستخدم بالإضافة للإمتناع عن النظر لمصدر الضوء بشكل مباشر".
المحتفلون بفرح في أرض اللواء لا يرقصون على الخطر عرايا، فقط، عيشهم كله في خطر، خطر بالغ، طقسهم الغريب هذا، إبداع في مواجهة الفقر والجهل والبطالة والحرمان الجنسي، وقائمة طويلة غير هذا كله.
لكنهم يفرحون وتلك قدرة فريدة، ما شاهدته ينم عن طاقات هائلة مكبوتة من واقع اجتماعي جلي وظاهر، في عدم المساواة، وقمع طبقي وسياسي غير خفي.
المقطع المصور الذي لا يتجاوز نصف الدقيقة إلا بقليل، لم ينل حظه من المشاهدة، فقد تم نشره يوم 9 سبتمبر، وأنا اكتب هذه الكلمات اليوم، وعدد المشاهدات على "اليوتيوب" 402 مشاهدة، فقط.
فلماذا اهتم بموضوع يبدو أنه لا يشكل ظاهرة، حدث فردي؟
ظني أنه أبعد مدى مما يبدو، ظني أن هناك آلاف الموضوعات التي تحتاج لبحث اجتماعي عميق، فالظاهر أن هناك مشكلة كبرى في تعبير المصريين الفقراء عما هو أساسي في الحياة، هنا فرح يتم التعبير بشكل "غريب"، قد يكون راجع لفكرة فردية، مجموعة مراهقين، لكنني شاهدت تعبيرات كثيرة ممثالة، تحتاج لبحث علمي عميق.
بقى الجانب الفلكلوري- الفني.
مولد سيدي العريان الذي جرت الإشارة إليه في تعليقات المتابعين، ربما يكتسب معناه من تلك المشاهد في فيلم "أمير الظلام" (2002)، بطولة عادل إمام، وإخراج رامي إمام.
لكني عدت لكتاب "مقدمة في الفلكلور القبطي"، تأليف عصام ستاتي، وقد أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة، في عام 2010، ضمن سلسلة "الدراسات الشعبية"، فوجدت أن تعريفا للمولد بأنه: عـيد شعبى دينى لأحد الأولياء بـالنـسـبة لـلـمسـلمـين وأحـد القـديـسين بـالـنسـبـة للمسيحيين"، وأن مولد العريان؛ أحد قديسى القرن الثالث عشر، أحد تلك الموالد.
ويذكر، ستاتي، أن "برسوم العريان.. عاش وسط الضيق الشديد يحمل إيمانًا حيًا، وولد في 1257 من أبوين تقيين، وكان والده يدعى الوجيه مفضل، اتخذته الملكة شجر الدر كاتمًا لأسرارها، تقبله الوالدان كعطية إلهية ثمرة صلوات وأصوام طويلة، لذا ربياه في مخافة الله واهتما بحياته الروحية ودراسته في الكتاب المقدس".
الغريب في أمر احتفال فرح أرض اللواء أنه تزامن مع حلول موعد المولد، فبحسب ما ذكره، ستاتي، فإن "الاحتفال يقام في العاشر من سبتمبر حتى السابع والعشرين من الشهر نفسه، ويمتد من مسجد التوحيد حتى مدخل الدير، ويحضره العديد من الأقباط والمسلمين الزائرين، ويستمر نحو 20 يومًا، ويحضره عدد من الأساقفة، ويشهد الاحتفال عروضا وطنية ومسيحية لكورالات وأوبريتات من كنائس القاهرة".
ثم إن "عيد الأنبا برسوم العريان، من الأعياد المهمة للمسلمين قبل الأقباط، حيث ارتبطت معجزاته بالكثير من المسلمين، وظلوا حتى تسعينيات القرن الماضى يحتفلون مع الأقباط، ويقيمون حول ديره الخيام، ويعتقدون فيه الشفاعة..فالاحتفال بمولد «العريان» مظهر من المظاهر الذى تتفرد بها مصر، حيث يشهد جوًا من التسامح الدينى بين المسلمين والأقباط، فالعامة من المسلمين يشيرون له بـ"سيدى محمد البرسومي" أو بـ"سيدى العريان"، في الوقت الذى يقدسه المسيحيون، معتبرين أنه قائد نهضة الكنيسة في فترة كاحلة عليها، وأن المسلمين يقومون بزيارة دير الأنبا برسوم الخاص في منطقة حلوان، فهم يرونه وليًا مسلمًا وليس قديسًا مسيحيًا استنادًا إلى قصته الشهيرة، والتى تذكر أنه استطاع أن يعيش مع حية 20 عامًا بعد أن نزع منها الشر".