نشرت صحيفة "صاندي تايمز" تقريرا أعده جيمس بول قال فيه؛ إن مؤسس
ويكيليكس جوليان أسانج أنهى في مثل هذا الشهر قبل عامين فترة سجنه لمدة 50 أسبوعا؛ لخرقه شروط الإفراج عنه بكفالة عندما كان يواجه عملية الترحيل إلى السويد بتهمة الاعتداء الجنسي.
ورغم زعمه أنه فر تجنبا لترحيله إلى الولايات المتحدة، إلا أنه ظل في السفارة الإكوادورية مدة سبعة أعوام. ومع أنه قضى محكوميته، إلا أن أسانج (50 عاما) لا يزال في سجن بيلمارش في جنوب لندن. ورفضت السلطات البريطانية الإفراج عنه بكفالة بذريعة الخشية من فراره، ولم توجه له أي تهم.
وفي الأسبوع الماضي، علم أسانج والعالم أنه كان سيواجه الأسوأ لو تم ترحيله إلى الولايات المتحدة، فقد كشف موقع "ياهو" أن المخابرات الأمريكية تحت إدارة مايك بومبيو، الذي أصبح وزيرا لخارجية دونالد ترامب، ومسؤولين آخرين؛ ناقشوا سلسلة من الخطط لاختطافه وحتى قتله. ولم تكن هذه هي الخطط الأكثر تطرفا التي تمت مناقشتها، فقد نوقشت أخرى، وهي نصب كمين له حال مغادرته ملجأه، رغم "احتمال معركة مع ناشطي الكرملين في شوارع لندن".
ولخوف عملاء الاستخبارات الأمريكيين من نقل الروس له إلى موسكو، فقد تحدثوا مع نظرائهم البريطانيين وطلبوا منهم إطلاق النار على أي طائرة روسية يعتقد أنها تحمل أسانج قبل إقلاعها، لو اقتضى الأمر. ولم يكن اغتيال أسانج على الطاولة حسب معدي التقرير، وهم زاك دورفمان وشين دي نيلر ومايكل إيسكوف، مع أن مصدرا أخبرهم بأن ترامب طلبه.
وبهذه الخطط، فقد أثبتت
سي آي إيه أن توقعات أسانج المتدنية منها صحيحة. وفي 2012 نشرت ويكيليكس بيانات حصلت عليها من تشيلسي مانينغ، كشفت عن وجود فرق موت أمريكية في أفغانستان، وسلطت الضوء بشكل غير مسبوق على وزارة الخارجية الأمريكية ونشاطاتها حول العالم من خلال 250 ألف برقية دبلوماسية.
ويقول بول، الذي عمل مع أسانج عدة أشهر عام 2010؛ إنهم كانوا يحاولون معرفة المدى الذي ستذهب إليه وزارة الخارجية لمنع الكشف عن البيانات التي لا تعجبها.
ورغم الموقف الضعيف، إلا أن إدارة باراك أوباما اعترفت في حينه بالواقع؛ لأن ويكيليكس كانت تنشر البيانات مع مجموعة من المؤسسات الإعلامية بما فيها نيويورك تايمز والغارديان، ولهذا فمن الصعب توجيه اتهام لأسانج بدون توجيه تهم لعدد من محرري الصحف الرائدة في العالم.
وفي الفترة ما بين 2010 و2017 حصل تغير كبير، وأدى أسانج دورا مهما في هذا التغير؛ لأنه ساهم بدور دراماتيكي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016. وكانت ويكيليكس هي التي نشرت بيانات ضخمة تتعلق بحملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، واحتوت على حوارات خارج النص مع الصحفيين والمسؤولين الديمقراطيين، وتعليقات شاجبة ضد المرشح الديمقراطي المنافس لها بيرني ساندرز وفريق حملته، بالإضافة لمعلومات عن متبرعين لحملتها الانتخابية.
وتم التسلل إلى الملفات من قراصنة يعملون نيابة عن الدولة الروسية ومررت إلى ويكيليكس، مع أنه لا توجد أدلة على معرفة الموقع بالمصدر. وكان القصد من التسريب هو تذكير الناخبين قبل فترة قصيرة من الانتخابات بعلاقة الرسائل الإلكترونية بكلينتون، وحرف النقاش الإعلامي عن تعليقات وفضائح ترامب الجنسية إلى فضيحة كلينتون.
ويمكن لأسانج المجادلة بأن الكشف عن الرسائل لا علاقة له بالسياسة، وأن الغرض هو توليد اهتمام واسع بالوثائق، ومن حق الناس التعامل مع هذا الرأي بشك.
فلطالما تعامل أسانج مع شجب كلينتون لتسريبات مانينغ بشكل شخصي، مع أن وظيفتها كوزيرة للخارجية هو الرد على
التسريبات بأقوى العبارات. ورأى هو من حوله إمكانيات في فوز ترامب، فقد نسق حساب ويكيليكس على تويتر مع حساب دونالد ترامب جي آر، بما في ذلك الطلب من ترامب مشاركة بيانات ويكيليكس، واقترحوا أن على ترامب رفض النتائج لو خسر، والقول إن الانتخابات مزورة (وهو ما فعله بعد أربعة أعوام). وكان تبادل المعلومات عبر تويتر من جانب واحد، مع أن دونالد ترامب جي آر رد في ثلاث مناسبات.
وتعلم أسانج الدرس الأساسي في السياسة: لا تتوقع الشكر بعد تقديم الخدمة. وعادة ما لا يجذب أسانج التعاطف ويخلق مشاكل لنفسه، فالرد المفرط والخطير من سي آي إيه جاء بعد تصعيد من ويكليكيس نفسه. وبدأ الموقع في عام 2017 بنشر شيفرات تجعل من السهولة على الآخرين التسلل إلى سي آي إيه، وهو ما أدى إلى انتقام.
وفي الوقت نفسه كان أسانج مطلوبا للسويد؛ ليواجه تهما قدمتها ضده امرأتان زعمتا أنه اعتدى جنسيا عليهما. والقضية ليست مرتبطة بترحيله إلى أمريكا التي كانت ستواجه صعوبات من السويد وبريطانيا في ملف الترحيل، فهي تحتاج لمواقفتهما. لكن أسانج خلط بين الأمرين وقال؛ إن ترحيله إلى السويد هو واجهة لترحيله إلى الولايات المتحدة، وفر إلى شقة صغيرة في السفارة الإكوادورية، حيث أقام علاقة أنجب فيها طفلين من محاميته الجنوب أفريقية ستيلا موريس (38 عاما). وخلال فترة إقامته، أزعج أسانج مضيفيه لدرجة سمحوا للشرطة البريطانية بدخول السفارة واعتقاله، وفي النهاية كان أسانج ضحية في مصيدة صنعها لنفسه.
ويقول التقرير؛ إنه مهما فعل أسانج، فعلينا الاعتراف أن الرد المفرط من سي آي إيه هو خطير وأحمق وذو تداعيات خطيرة، وأكثر مما فعله مؤسس ويكيليكس. وكانت محاولة أمريكا القبض على أسانج، هو منع عمليات تسريب واسعة في المستقبل، التي بات نظام الصحافة يعتمد عليها. ومن المفارقة أن أسانج نجا بسبب تدخل الجزء التقليدي في الحكومة الأمريكية، وزارة الخارجية، التي توصلت لنتيجة هي أن خطط سي آي إيه ليست قانونية فحسب، بل وخطيرة ومجنونة. فمن استمعوا لرسالة أسانج في الماضي، سيقرأون تقرير ياهو ويعودون لدعمه، ومن انتقدوا تسريباته في مرحلة ما بعد مانينغ، قد يعودون ويستمعون إليه.
وعندما تخطط سي آي إيه الانتفام من ناشر معلومات لا يدعو للعنف، فهي قادرة على عمل أي شيء. وربما تم التعامل مع خطط إدارة ترامب على أنها انحراف، لكن إدارة بايدن تواصل ملاحقة أسانج. والولايات المتحدة لا تلاحقه بسبب تسريبات جديدة، ولكن تريد محاكمته لأنه نشر ملفات مانينغ التي سجنت بناء عليها.
ولم تقدم إدارة بايدن أي تبرير لخلافها مع إدارة أوباما التي اعتقدت أن ما نشره أسانج يعني محاكمة كل من نشروه، ولكن بايدن يريد ملاحقة الناشر الأصلي فقط. وسيواجه طلب الترحيل معوقات جديدة بعد الكشف، فهل يمكن للمحاكم البريطانية الحصول على تأكيدات من أمريكا حال تسليمه، وهل ستحميه وتوفر له الرفاه لو تمت محاكمته؟ وبطريقة غريبة لم يخدم أسانج نفسه ولا سي آي إيه، بل الآخرين. فقد دفع أسانج بترامب ورئاسته الغريبة، وفي المقابل أعادت الدولة الأمنية الأمريكية صورة أسانج كمقاتل من أجل الحقيقة، وأعادت في الوقت نفسه صورته كمصدر للأعمال القذرة، كما يقول بول.
النص الأصلي للتقرير