لم يكتمل مشهد عبور النفط الإيراني المهرب إلى لبنان في وضح النهار وأمام مرأى الجميع، خصوصاً الحكومة التي اختارت أن تضع رأسها في الرمال، إلا بمشهد احتفالي رافقه ابتهاج بنصر وهمي جديد حققه مستورد جديد للمشتقات النفطية، تحت ذريعة فك حصار متخيل يفرضه الاستكبار العالمي على جمهوره وجمهوريته. في مهرجان العبور تلاشت الدولة، التي فضلت الاختباء خلف ضعفها وقلة حيلتها، فهي عاجزة عن مواجهة جمهورية (بي سفن-B7) والرصاص الطائش أو المصوب أو العابر للحدود.
لحظة «B7» ليست انفعالاً وهي ليست فعلاً مدروساً، هي أكثر لحظة طبيعية للواقع اللبناني، تتجاوز فكرة إطلاق قذيفة صاروخية في الهواء احتفاء بصهريج مازوت، بل إن من أطلقها استهدف تكبير الفجوات في الفضاء الوطني، ورهانه لمن يملك السلاح الذي بات فوق الدولة والدستور والاقتصاد وقريباً القضاء، عوامل مجتمعة ترسم تحول الكيان إلى فناء خلفي للجماهيرية الشعبوية اللبنانية الجديدة.
عملياً أسست جمهورية B7 لمعادلة أن سيادة السلاح فوق سيادة الدولة، وسيادة الصهريج فوق سيادة الاقتصاد، وأن من يملك القوة يفرض شروطه وقوانينه التي تناسبه، وهو جاهز نهاراً وجهاراً عبر آلته الدعائية لتبريرها ورفع شعار «الكرامة ما بدها جمرك»، في تعدٍّ واضح على عمل الدولة التي تحتاج إلى ضرائبها حتى تتمكن من القيام بما يمكن من واجباتها. لكن الواضح أن الدولة أصبحت دويلة، والدويلة تقوم مقام الدولة، وهذا عملياً منع الدولة من إدارة شأنها العام والقيام بوظيفتها.
إذن تحت أصوات «B7» دخل المازوت السياسي إلى لبنان، وأعلن حزب الله أنه تمكن من كسر ما يدعيه الحصار المفروض على لبنان، تهليل الحزب الحاكم لانتصاره بكسر الحصار دفع النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي إلى التعليق بالقول «اخترعوا حصاراً ثم اخترعوا له انتصاراً»، أما الادعاء بأن هذا المازوت سيكون لوقف الذل الذي يعاني منه المواطنون على طوابير محطات الوقود، ولسد حاجة الأسواق ليس إلا عملية ربحية جديدة لمستورديه، حيث سيباع بأسعار عالية لا تخضع للشروط الضرائبية، تم إدخاله إلى لبنان عشية رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية، وهذا ما يفتح تساؤلات واسعة عن توقيت إدخاله.
فما تم إدخاله وما سيدخل مستقبلاً ليس بإمكانه تلبية الحد الأدنى من حاجة جمهوره الذي استقبل الصهاريج بالزغاريد ونثر الأرز، لكنه على الأغلب سيكون بكميات محدودة، لأنه سيثير انتقادات داخل إيران، فمن الواضح أن البيان الذي صدر عن الحكومة الإيرانية بأن النفط المرسل إلى لبنان قد سددت ثمنه مجموعة من رجال الأعمال اللبنانيين ليس إلا محاولة لإسكات الشارع الإيراني المستاء من تبذير ثروته الوطنية على مشاريع خارجية.
بالعودة إلى «B7» أو «RPG» هو قاذفة صاروخية ترمى من على الكتف وتستعمل ضد الآليات والمدرعات الثابتة والمتحركة، كما يمكن استخدامها ضد تحصينات العدو ومنشآته، اعتبرت فخر الصناعات العسكرية السوفياتية وتستخدمها الجيوش في الحروب التقليدية، ولكن تم استخدامها أيضاً في الاحتفال بكسر الحصار المزعوم، لذلك فإنها قابلة لاستخدامات متعددة في الفترة المقبلة، خصوصاً في حماية التهريب المنظم أو العشوائي، وفي ردع من يفكر في الاعتراض، وفي تطويع الحكومة التي عبّر رئيسها عن حزنه من مشهد الصهاريج، لكنه نسي أو تناسى أنه وصل إلى السراي على ظهرها، وأن B7 الأهالي العفوي من الممكن أن يطلق فوق السراي الحكومي أو يستخدم في تطويع القضاء أو في ترهيب قاض، فللأهالي في سلاحهم شؤون.
بعد انتفاضة 17 تشرين (أكتوبر)، أخذ حزب الله بصفته «الحزب الحاكم» على عاتقه حماية المنظومة، وعندما أثقلت كاهله قرر الاعتناء أكثر بمنظومته، فالحزب الذي اعتاد أن يتصرف كقوة إقليمية ضاع في دهاليز الاقتصاد والشؤون المعيشية، فمقولة «نحن ما رح نجوع» لم تصمد لأيام، وأما المازوت السياسي فهو كغيره من المشاريع الاقتصادية المتوهمة التي شكلت مشكلة داخل بيئته.
(الشرق الأوسط)