نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحفية ميسي رايان قالت فيه إنه عندما أخبر الرئيس بايدن زعماء العالم هذا الأسبوع أنه أنهى حقبة حرب أمريكا ضد المتمردين، بدا أن تأكيداته تتناقض بشكل حاد مع المهام العسكرية المطولة التي أغرقت أمريكا في صراعات منخفضة المستوى في إفريقيا والشرق الأوسط.
وتاليا نص المقال:
في حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، تعهد بايدن بإطلاق فترة جديدة من "الدبلوماسية التي لا هوادة فيها" بعد الحرب في أفغانستان والتوجه نحو آسيا بعد عقدين من حملات مكافحة الإرهاب التي بدأتها هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
قال بايدن: "أقف هنا اليوم للمرة الأولى منذ 20 عاما مع عدم كون أمريكا في حالة حرب.. لقد طوينا الصفحة".
وفي الوقت نفسه، تنتشر قوة من أكثر من 3000 من أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية في قواعد في جميع أنحاء العراق وسوريا، حيث يتخندقون في مهمة موسعة ضد تنظيم الدولة الإسلامية مما يعرضهم لمخاطر بما في ذلك هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ.
وفي أماكن مثل الصومال واليمن، تعمل كوادر أصغر من قوات العمليات الخاصة جنبا إلى جنب مع القوات المحلية كجزء من مهام أكثر غموضا ضد المقاتلين المرتبطين بالقاعدة وغيرهم، بينما تؤكد ضربات الطائرات بدون طيار من حين إلى آخر قوة النيران الجوية الأمريكية.
في أفغانستان، يقوم المسؤولون الأمريكيون بصقل الخطط لتنفيذ ما يسمونه ضربات مكافحة الإرهاب "من وراء الأفق" إذا ظهر تهديد إرهابي في الدولة التي كانت تؤوي القاعدة ولديها الآن فرع من تنظيم الدولة الإسلامية.
تجلت فورية هذه النزاعات في الآونة الأخيرة، مثل هذا الأسبوع، عندما شنت الطائرات الأمريكية هجوما على هدف مشتبه به لتنظيم القاعدة في شمال غرب سوريا.
قال ستيفن بومبر، الذي عمل كمسؤول في البيت الأبيض خلال إدارة أوباما وهو الآن رئيس السياسات في مجموعة الأزمات الدولية، إن رغبة بايدن في الابتعاد عن الحرب أمر مفهوم لأن الأمريكيين قد سئموا من التكلفة المالية والبشرية. وقال: "الحقيقة هي أن أمريكا ليست قريبة من إنهاء هذه الحروب".
وأضاف أن تصريح بايدن الواضح عكس ذلك "هو سياسة جيدة لكن يقلقني أنه ليس حوكمة جيدة".
وقال مسؤول كبير في الإدارة، تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه بموجب القواعد الأساسية التي وضعتها الإدارة، إن ذكر بايدن "لطي الصفحة" يشير إلى رحيل القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان. وقال المسؤول في رسالة بالبريد الإلكتروني: "بينما يمثل إنهاء الحرب في أفغانستان انفصالا تاريخيا عن 20 عاما من السياسة الأمريكية، فقد أوضح الرئيس أنها تتناسب تماما" مع الحاجة، كما قال بايدن في خطابه، لمواجهة التهديدات الإرهابية الحالية.
لكن بينما استشهد بايدن بالتحالفات الأمنية والأدوات المالية والتنمية الاقتصادية كوسيلة لمواجهة التهديدات المتطرفة البعيدة، لم يشر بشكل محدد إلى المهام الجارية في أماكن مثل العراق وسوريا، حيث يتجاوز العدد الإجمالي لأفراد القوات الأمريكية العدد الذي كان في أفغانستان عندما اتخذ بايدن قراره بالانسحاب.
قال بايدن في خطابه: "سنواجه التهديدات الإرهابية التي تظهر اليوم وفي المستقبل بمجموعة كاملة من الأدوات المتاحة لنا، بما في ذلك العمل بالتعاون مع شركاء محليين حتى لا نحتاج إلى الاعتماد بشكل كبير على عمليات انتشار عسكرية واسعة النطاق".
تأتي تصريحات الرئيس الأولى أمام الجمعية العامة في الوقت الذي يحاول فيه إعادة تركيز موارد الحكومة على الأولويات في الداخل، بما في ذلك الانقسامات السياسية العميقة ووباء فيروس كورونا. فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، أظهر بايدن أيضا استعداده للمخاطرة بأن يكون محل ازدراء في اتخاذ خطوات لترسيخ استراتيجية أمريكا حول المنافسة مع الصين، كما فعل في صفقة جديدة لمشاركة التكنولوجيا الحساسة مع أستراليا والتي أغضبت فرنسا.
تتصاعد التحديات السياسية لبايدن حيث يواجه معارضة من الكونغرس بسبب طريقة تعامله مع أفغانستان، حيث سقطت حكومة كابول في يد طالبان وسط انسحاب أمريكا وشاب العنف والاضطراب جهود الإجلاء الأمريكية التي تم ترتيبها على عجل.
ودافع الرئيس مرارا عن سياسته في أفغانستان، قائلا إن الخروج كان ضروريا وإن كان قرارا كريها بعد 20 عاما من الحرب. لم يقل المسؤولون الكثير عن مهام مكافحة الإرهاب الجارية في ما لا يقل عن خمس دول تدور رحاها إلى حد كبير بعيدا عن أنظار الشعب.
كما اجتذبت الحملات ذات الوتيرة المنخفضة أيضا تدقيقا أقل بكثير من الكونغرس مقارنة بالحملات في العراق وأفغانستان في أوجها، باستثناء الحالات التي أصيب فيها الجنود الأمريكيون أو قُتلوا.
تحدى المنتقدون الفكرة القائلة بأن أمريكا يمكنها حقا إنهاء الحروب مع المتمردين مع استمرار الضربات الجوية من بعيد، مما سلط الضوء على الخلافات حول كيفية تحديد متى تكون أمريكا في حالة حرب أو منخرطة في الأعمال العدائية.
بينما سلط مسؤولو البنتاغون الضوء على تركيز العمليات الجارية على دعم الشركاء المحليين، وقعت القوات الأمريكية في بعض الأحيان في معارك قاتلة، كما حدث في اليمن والنيجر في عام 2017.
قالت أندريا براسو، نائبة مدير مكتب هيومن رايتس ووتش بواشنطن، إن رد الكونغرس على القصف المميت الذي نفذته أمريكا في 29 آب/ أغسطس، وأسفر عن مقتل 10 مدنيين في كابول، من بينهم العديد من الأطفال، قد يشير إلى حدوث تغيير في هذه الديناميكية نظرا لمخاطر استراتيجية الاحتواء "من وراء الأفق" التهديدات المتطرفة في أفغانستان وأماكن أخرى.
تصارع أمريكا منذ فترة طويلة مع الخسائر المدنية من الضربات الجوية عن بعد. بينما اتخذ البنتاغون خطوات في ظل إدارة ترامب لمراجعة القواعد المتعلقة بعمليات الاستهداف، فإن غارة كابول الأخيرة، التي أخطأ فيها المسؤولون في تعريف موظف في منظمة إغاثة أمريكية على أنه أحد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، تظهر احتمالية ارتكاب أخطاء قاتلة.
قالت براسو: "إن ضربة 29 آب/ أغسطس دفعت الكثير من الأعضاء إلى طرح أسئلة حول الاستراتيجية طويلة المدى".
بينما كان مساعدو البيت الأبيض يجرون مراجعة لسياسات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك المبادئ التوجيهية لضربات الطائرات بدون طيار، يقول المسؤولون العسكريون إنه لا يوجد ما يشير إلى أن بايدن سيكشف قريبا عن تغييرات كبيرة في العمليات الجارية. ويشمل ذلك العمليات في المنشأة في خليج غوانتانامو، كوبا، حيث لا يزال 39 نزيلا رهن الاعتقال.
بينما أعلنت الإدارة هدفها المتمثل في إغلاق السجن، لا تزال هناك مجموعة من العقبات، ومن غير الواضح مقدار رأس المال السياسي الذي سينفقه بايدن في محاولة للقيام بذلك.
في غضون ذلك، يظل السجن رمزا عالميا للتجاوزات الأمريكية في أعقاب 11 أيلول/ سبتمبر.
قال ويلز ديكسون، محامي الدفاع عن أحد السجناء، على تويتر: "من المستحيل إنهاء عصر الحرب اللانهائية دون إغلاق غوانتانامو".
بالإضافة إلى ذلك، فإن إدارة بايدن، مثل غيرها من قبلها، قد استشهدت بتبرير قانوني عام 2001، أو تصريح باستخدام القوة العسكرية، كأساس لعمليات التمرد المستمرة.
لا يزال يتعين على مسؤولي الإدارة أن يدفعوا بشكل حاسم لإلغاء السلطة [التي مُنحت للرئيس] عام 2001، مما يشير إلى أنهم قد يفضلون أيضا الحفاظ على الوضع الراهن الذي يمنحهم حرية التصرف نسبيا في الخارج.
قال بومبر إن تأكيدات بايدن بشأن إنهاء حروب البلاد قد تكون أكثر إشكالية من حيث أنها تقلل من فرص إجراء حوار عام موضوعي قد يضع حدا للمهمات التي يود هو والعديد من الأمريكيين إنهاءها.
وقال: "إن مسألة ما إذا كانت أمريكا في حالة حرب تستحق المناقشة العلنية". وقال إنه من خلال إخفاء ما يحدث، "يمكن أن يؤدي في الواقع إلى استمرار الحروب إلى الأبد".
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
إيكونوميست: قوة أمريكا تضاءلت في ردع أعدائها وطمأنة أصدقائها
NYT: هل يجبر "تهديد خراسان" أمريكا على التعاون مع طالبان؟
WP: فوضى الانسحاب من أفغانستان زعزع ثقة الأوروبيين ببايدن