تسعى دول عربية عديدة إلى تقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر، لا سيما بعد الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الجزائري قبل أيام بقطع كافة العلاقات مع الرباط.
وفور إعلان قرار قطع العلاقات، تلقى وزير الخارجية الجزائري العديد من
الاتصالات التي توحي برغبة دول عربية كبرى في قيادة وساطة بين الجزائر والمغرب
لإنهاء هذه الأزمة المزمنة بين البلدين.
ودعا وزير
الخارجية المصري سامح شكري، خلال اتصال هاتفي بنظيره الجزائري، البلدين إلى تحريك
المسائل العالقة بينهما بالنظر إلى الدور المحوري الذي تضطلعان به.
وألحّ شكري على
ضرورة إعلاء الحلول الدبلوماسية، وتجاوز الأزمة التي شهدتها العلاقة بين البلدين، وهو موقف حرص الجانب المصري على إعلانه في
تصريح الناطق باسم الخارجية المصرية، بينما اكتفى البيان الجزائر بالإشارة إلى أن
المباحثات تضمنت الأوضاع في المنطقة المغاربية.
من جانبها، ألقت المملكة العربية السعودية، التي تحظى
بعلاقات قوية مع الجزائر والمغرب، بثقلها في الأزمة، من خلال اتصال جمع وزير
خارجيتها مع نظيره الجزائري.
وخلال هذا الاتصال
المتزامن مع الأزمة الجزائرية المغربية، تم استعراض العلاقات الثنائية وسبل
تعزيزها بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، إضافة لبحث التطورات الإقليمية
والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ودخلت لبنان من جهتها على خط الأزمة، وقالت خارجيتها في بيان لها إنها تأسف لما آلت إليه العلاقات بين الجزائر والمغرب، وذكرت أنها تأمل في أن يتمكن الطرفان من معالجة أسباب الخلاف بينهما بالوسائل الأخوية والدبلوماسية، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل لسيادة كل منهما، وحفظ مصالح البلدين بما يؤمن عودة العلاقة بينهما إلى مجراها الطبيعي.
بدء اتصالات الوساطة
ويشير محمد رابح، مدير موقع سبق برس الإخباري، إلى أن
الاتصالات من أجل الوساطة قد بدأت بالفعل بعد إعلان
الجزائر قطعها للعلاقات الديبلوماسية مع المغرب استنادا إلى أسباب ذكرها وزير
الخارجية، أبرزها تحول المغرب إلى القاعدة خلفية لأعمال عدوانية ضد الجزائر.
ويرى رابح في
حديثه مع "عربي21"، أن "فرص نجاح أي وساطة، خصوصا الوساطة السعودية، مرتبط بتراجع المغرب عن سلوكه العدواني، وتوقيف دعمه للجماعات المصنفة كإرهابية، ووقف الإضرار بمصالح الجزائر".
ويستطرد المتحدث
قائلا: "لكن هذا النجاح في الواقع تعوقه عدة أشياء، أهمها تورط المغرب في
تفاهمات مع الاحتلال الإسرائيلي، ورهن قراره الداخلي، وأيضا إبقاء قضية الصحراء الغربية في إطارها
العادي كونها قضية مدرجة في الأمم المتحدة كتصفية استعمار، وعدم اتخاذ الجزائر
شماعة من أجل انتهاك قرارات الشرعية الدولية والتعدي على حق الشعب الصحراوي في تقرير
مصيره".
ومن جهة الجزائر،
يعتقد رابح أنه لا يوجد ما يمنعها من قبول وساطات، بدليل تجاوبها مع مبادرات مشابهة سنة 1987، تم على
إثرها استئناف العلاقات، وفتح الحدود، كما أن الدبلوماسية الجزائر معروفة منذ
الاستقلال، حسبه، بالمبادرة لحل أزمات ديبلوماسية شائكة مثل الأزمة العراقية
الإيرانية والإثيبوبية الإيريتيرية، وهي تعمل حاليا على حل أزمة النهضة .
اقرأ أيضا: هل تسمح طالبان للنساء بالدراسة في الجامعات؟
توجس من بعض
الدول
لكن هناك في الجزائر من ينظر بتوجس لبعض بوادر الوساطة التي بدأت تظهر في
الأفق، لاعتقاده أن هناك من الدول العربية من هو متورط في الأزمة الحالية.
وقال ناصر حمدادوش، مسؤول الإعلام بحركة مجتمع السلم، إن "البعض
يريد أن يعالج النتائج ولا يريد أن يعالج الأسباب، وهو ما سيبقي الأزمة قائمة
ومستمرة".
وأوضح المتحدث في تصريح لـ"عربي21" أن هناك أسبابا وتراكمات تاريخية بين البلدين لم تعالج، كان أخطرها التطبيع، فهو تهديد جدي، والدليل هو التصريح الخطير من الوزير الصهيوني ضد الجزائر من الأراضي المغربية..
لكن القيادي في
حركة مجتمع السلم عقّب على كلامه بالقول: "نرحب بكلِّ جهد صادق وجِدِّي
لحلِّ الأزمات من جذورها، من أصدقاء الجزائر لا من المتآمرين عليها، بعيدا عن
الاستثمار في أزماتنا والتوظيف لها عبر أدواتهم الداخلية والخارجية..".
وتحفظ حمدادوش
عن بعض الدول، دون ذكرها بالاسم، مشيرا إلى أنها طرف أساسي في المشكلة، وتريد أن
تجعل من نفسها طرفًا في الوساطة،
غير أن التقدير في الأخير، حسبه، يرجع إلى صاحب الصلاحية الدستورية والقرار
السيادي فيه، في إشارة إلى الرئاسة الجزائرية.
ضغط القمة العربية
ويبدو السياق الزمني الذي أعلن فيه عن قطع العلاقات بين
الجزائر والمغرب محرجا للأجندة الدبلوماسية العربية، نظرا لاعتزام القادة العرب
تنظيم قمتهم في الجزائر قبل نهاية هذا العام.
ولهذا السبب، كان أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، أول من دعا الجزائر والمغرب إلى ضبط النفس وأصدر بيانا يحث فيه على عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين.
وكانت الجولة الأخيرة التي أجراها لعمامرة لكل من
مصر والسودان وتونس، قبل الإعلان عن قطع العلاقات مع المغرب، مخصصة في جزء منها
للترتيب للقمة العربية التي تأمل الجزائر في نجاحها بالنظر إلى الأزمات الكثيرة
التي تمر بالمنطقة العربية.
ويتوقع مع
اقتراب موعد هذه القمة، التي أعلن سابقا أنها ستكون إما في شهر أكتوبر أو نوفمبر
المقبل، أن تزداد حجم الوساطات العربية، خاصة على البلد المضيف الجزائر، لاستعادة
علاقاته مع المغرب.
ويقول زين العابدين غبولي، الباحث في العلاقات الدولية، في هذا الصدد، إن الجزائر من خلال قرارها الإبقاء على المصالح القنصلية قائمة بين البلدين قد تكون تركت نافذة لإمكانية تحسين العلاقات مستقبلا مع المغرب.
لكن غبولي، في
حديثه مع "عربي21"، يستبعد عودة سريعة للعلاقات ومصالحة بين البلدين،
ما لم تقم المغرب، حسبه، بخطوة إصلاحية رسمية، وهو ما لم تظهر مؤشرات عنه لحد الآن.
والجزائر، حسبه،
التي اتخذت القرار بناء على معطيات واقعية، لا يمكنها أن تكون السباقة للمصالحة،
لأن ذلك سيناقض قرارها، وهي تحتاج على الأقل إلى ضمانات بعدم تكرار ما بدر عن المغرب
مستقبلا.