نشرت صحيفة
"
التلغراف" البريطانية تقريرا، تحدثت فيه عن أحمد مسعود، البالغ من العمر
32 سنة، والملقب "بشبل الأسد"، الذي تخلى عن حياته في لندن، ليسير على خطى
والده في مقاومة
طالبان.
وقالت الصحيفة في التقرير،
الذي ترجمته "عربي21"، إن أحمد كان قبل أسابيع قليلة يعيش في لندن،
ويمارس حياته العادية رفقة أصدقائه الشباب، لكنه اليوم يعيش في معقل في قلب وادي
بنجشير بأفغانستان، وهو آخر إقليم في البلاد لا يزال خارج سيطرة طالبان، يحشد
قواته ويستعد للحرب.
ويُعتبر أحمد مسعود
الابن الوحيد لقائد المتمردين الأسطوري أحمد شاه مسعود، الملقب "بأسد
بنجشير"؛ لمقاومته لكل من السوفييت وطالبان قبل اغتياله من قبل القاعدة في سنة
2001، ويمثل الآن الأمل الأخير للأفغانيين لإنقاذ أفغانستان من الوقوع تحت سيطرة
المتطرفين الكاملة.
وفي الوقت الذي تسارع
فيه الحكومات الغربية وجيوشها إلى الفرار من البلاد قبل الموعد النهائي المتفق
عليه مع طالبان والموافق للحادي والثلاثين من آب/ أغسطس، تعهد مسعود، الذي أضحى
يقود آلاف المقاتلين بما في ذلك عناصر من الجيش الوطني الأفغاني والقوات الخاصة
الذين فروا إلى بنجشير، بمقاومة طالبان. وفي حديثه عن معركته الأخيرة، قال أحمد: "أنا ابن أحمد شاه مسعود. والاستسلام غير وارد في قاموس مفرداتي".
علاوة على ذلك، حذر
أحمد من أن رجاله مستعدون لما سيحدث بعد ذلك، مشيرا إلى أنه "إذا شن أمراء
الحرب من طالبان هجوما، فسيواجهون مقاومة شديدة من رجال "شبل الأسد".
وكان العقيد الأفغاني
السابق والملحق الدفاعي في المملكة المتحدة، أحمد مسلم حياة، أحد أصدقاء أحمد في
لندن، وآخر من ودعه قبل مغادرته إلى بنجشير. وكان أحمد مسلم، البالغ من العمر 58
سنة، من أبرز مساعدي المجاهدين الموثوق بهم لوالد مسعود خلال الحرب ضد الروس. وفي
سنة 1982، تلقى مسلم حياة تدريبا على يد القوات الجوية الخاصة في فنون حرب
العصابات المظلمة.
منذ اغتيال والده، أي
قبل يومين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كان مسلم حياة بمثابة العم بالنسبة
مسعود. وقد رافق مسعود البالغ من العمر 12 سنة آنذاك نعش والده في سيارة مصفحة
كجزء من موكب الجنازة، وكان يرفع ذراعه من حين لآخر أمام الآلاف من رجال القبائل
الطاجيكية وهم يهتفون حزنا.
رافق مسلم حياة أحمد
مسعود منذ طفولته، وظل مقربا منه حتى بلغ سن الرشد. وفي حديثه إلى مراسل صحيفة
"التلغراف" هذا الأسبوع في مطعم أفغاني بالقرب من منزله في غرب لندن،
استحضر حياة نصيحته الأخيرة التي قدمها للشاب الذي شاهده وهو يكبر لخلافة والده، وقيادة تحالف المقاتلين المناهضين لطالبان، والتي تطلق على نفسها اسم جبهة
المقاومة الوطنية الأفغانية.
وفي هذا الصدد، قال
مسلم حياة: "قبل مغادرته، أخبرت أحمد بأنه ينبغي عليه التحلي بالشجاعة، حتى
يتمكن من تقّلد منصب القائد في أفغانستان. فلا يجب أن يهاب أي شيء، وعليه التضحية
بنفسه من أجل تحقيق هدفه". وفي الواقع، انضم العديد من القادة الأفغان
المخلوعين إلى أحمد في بنجشير، بمن فيهم نائب الرئيس السابق، أمر الله صالح.
وبينما كان يحشد جيشه في الجبال، أشار أحمد مسعود إلى أنه ينوي إنهاء ما بدأه
والده.
حينها، ألقى أول خطاب
سياسي كبير له بالقرب من قبر والده، الذي لا يزال يزوره كل يوم. بالإضافة إلى ذلك،
كان جده، العقيد دوست محمد خان من الجيش الملكي الأفغاني السابق، يسعى لتحقيق
الغاية نفسها، لكنه قُتل في معركته مع السوفييت في باكستان.
ولد أحمد في قرية بيو
الريفية في تخار الواقعة شماليّ شرقيّ البلاد. وبعد اغتيال والده، قضى معظم طفولته
في طاجيكستان وإيران. وعلى الرغم من صغر سنه، إلا أنه كان يحمل شبها غريبا بوالده، ما دفع أجهزة المخابرات الغربية إلى مراقبة مسعود أثناء نشأته. وبعد أن أنهى دراسته
في إيران، عُرضت عليه فرصة للالتحاق بأكاديمية "ويست بوينت" العسكرية
الأمريكية، لكنه اختار بدلا من ذلك الالتحاق بأكاديمية "ساندهيرست"
العسكرية كطالب أجنبي في سنة 2010، بسبب تواجد أحمد مسلم حياة في لندن آنذاك.
غادر مسعود أكاديمية
ساندهيرست العسكرية الملكية في سنة 2011. وفي السنة الموالية، تحصل على درجة علمية
في دراسات الحرب من كلية كينغز لندن، حيث أجرى بحوثا على مذكرات والده العسكرية
القديمة، وكتب أطروحته عن طالبان.
لقد ظل بعيدا عن
الأضواء بشكل متعمد في لندن، حيث كان يعيش في شقة مستأجرة من غرفة نوم واحدة
بالقرب من ويستواي، ويقضي وقتا مع مجموعة ضيقة من الأفغان المنفيين، بمن في ذلك مسلم
حياة. وبعد تخرجه من كلية كينجز، حصل مسعود على درجة الماجستير في السياسة الدولية
من جامعة سيتي بلندن.
بعيدا عن دراسته، عشق
مسعود الحياة في لندن. كان يلعب الغولف والتنس بانتظام، ويشاهد مباريات كرة القدم، ويذهب إلى السينما، ويطور اهتماما شديدًا بالبستنة وعلم الفلك. كما أنه التقى
بزوجته في لندن، وهي فتاة ولدت لعائلة أفغانية في إنجلترا، وتعيش في منزل والدها
العادي شبه المنفصل في غرب لندن، حيث يقيم مسعود عندما يزورها. تزوج الثنائي في
كابول سنة 2016، وأكملت زوجة مسعود درجة الماجستير في السياسة الدولية في كلية لندن
الجامعية خلال السنة الماضية.
وذكرت الصحيفة أنه مع
تنامي تهديد طالبان خلال السنوات الأخيرة، تنقل مسعود بين أفغانستان ولندن
استعدادا للحرب. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، استضاف الفيلسوف والكاتب الفرنسي برنارد
هنري ليفي في قرية والده جانغالاك في وادي بنجشير. كان ليفي قد أجرى مقابلة مع
والده في الماضي، والتقى بأحمد مسعود عندما كان صبيا. وعندما التقيا مرة أخرى خلال
السنة الماضية، قال ليفي إن التشابه الجسدي كان "مذهلا".
أطلع مسعود ليفي على
المكان الذي قُتل فيه والده على يد عناصر القاعدة، الذين تمكنوا من الوصول إليه
بالتظاهر بأنهم صحفيّون، وإخفاء قنبلة في كاميرا الفيديو الخاصة بهم. كما قدم بفخر
جولة في الحديقة التي زرعها والده، والتي كان يقوم في الوقت الراهن بالاهتمام بها.
وقال ليفي عندما ناقش
قيادة مسعود للحرب ضد طالبان: "أخبرته 'أنت عالم وأكاديمي، هل أنت متأكد أنك
تريد هذا؟' أجاب: 'نعم أنا متأكد. إنه واجبي الأخلاقي'". وفي هذا السياق، قال
ليفي إنه خلال فترة وجودهما معا، كان الزوجان لا يتحدثان سوى باللغة الإنجليزية.
وأضاف ليفي قائلا: "حتى سنوات قليلة ماضية، كان مشروعه أن تكون له حياته في
إنجلترا، حيث إن جزءا كبيرا منه متعلق بالثقافة البريطانية".
وأفادت الصحيفة بأنه
بينما كانت قواته تخزن الأسلحة والذخائر لعقود من الزمن، وهي خبيرة في حرب العصابات
في قمم الجبال الوعرة شديدة الانحدار في بنجشير الواقعة شمال كابول، شدّد مسعود
على الحاجة الماسة للدعم الدولي للحفاظ على ما يسميه "آخر معقل للحرية
الأفغانية"، وإنقاذ البلاد من أن تصبح مرة أخرى أرضا خصبة للهجمات الإرهابية
على الغرب. في الأيام الأخيرة، وجّه دعوة عاجلة للقادة الغربيين لتوفير الأسلحة
الثقيلة والإمدادات والدعم التكتيكي؛ لتمكينهم من الصمود في وجه طالبان.
يدعو مسعود إلى حكومة
شاملة تحترم المطالب الدولية بشأن حقوق المرأة وحرية التعبير، وإجراء انتخابات
ديمقراطية، ووقف كل أنواع القمع. وعلى الرغم من التفجير الانتحاري المروع في مطار
كابول هذا الأسبوع، استبعد مسعود الانضمام إلى صفوف طالبان ضد تنظيم الدولة ولاية
خراسان. وعموما، ستساعد الفوضى التي تجتاح البلاد إلى درجة مهاجمة تنظيم الدولة
ولاية خراسان الجماعة الإرهابية المنافسة، القاعدة، والمرتبطة بشكل وثيق مع
طالبان.
وأشارت الصحيفة إلى
أنه حتى أثناء التفاوض، أفادت التقارير بأن مقاتلي طالبان حاصروا الوادي الذي يبلغ طوله
60 ميلا، ورفضوا السماح بدخول الطعام والوقود والإمدادات الطبية عن طريق البر. وفي
حال فشل محادثات السلام والاضطرار إلى الاستسلام، كما تقول حياة، الذي لا يزال على
اتصال شبه يومي مع مسعود، "فستذبح" طالبان كبار قادة المقاومة.
أثناء استعداده للحرب
في الجبال، بعيدا عن زوجته والحياة التي كان يأمل أن يعيشها في لندن، اختار مسعود
التركيز على حبه لعلم الفلك. وبدلا من التحديق من خلال تلسكوبه في سماء لندن
الليلية، يتطلع مسعود إلى النجوم في بنجشير. لقد بدأ مستقبله في التشكّل للتو.