لاقت دعوة
المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من دولة
الإمارات، لإجراء حوار مع قوى ومكونات في جنوب
اليمن رفضا من قوى وكيانات لها
ثقلها السياسي على الواقع، وسط تساؤلات عدة حول دوافع المجلس المنادي بانفصال جنوب
البلاد عن شماله.
وكان زعيم الانفصاليين الجنوبيين، عيدروس الزبيدي، الذي
يتزعم المجلس، قد دعا لعقد حوار بين مجلسه والمكونات الجنوبية الأخرى، يجري
الترتيب له، منتصف الشهر الجاري، في العاصمة المصرية القاهرة، في مسعى للتوصل إلى صيغة تقارب معها، نظرا للعزلة المفروضة ضده بسبب سياسات القمع والتنكيل التي ينتجها
ضد الأطراف الأخرى في الساحة السياسية.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن المجلس الانتقالي يحاول من
خلال هذه الدعوة ترميم صورته لدى المكونات السياسية في محافظات جنوب اليمن، في ظل
القبضة الأمنية التي تفرضها المليشيات التابعة له على المشهد في مدينة عدن، جنوبا،
العاصمة المؤقتة للبلاد.
يتزامن ذلك مع رفض
المجلس الانفصالي تنفيذ بنود الشق الأمني
والعسكري من اتفاق الرياض، ومغادرة رئيس ووزراء الحكومة التي يشارك فيها لعدن،
منذ أشهر، فيما يهدف من خلال هذه المناورة للهروب من الضغوط التي تمارس عليها
بتنفيذ الاتفاق الذي رعته الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
"رفض قوى جنوبية"
وإزاء ذلك، أعلن وزير الداخلية اليمني السابق، أحمد
الميسري، رئيس المؤتمر الشعبي العام (جناح المحافظات الواقعة جنوب اليمن)، رفضه
دعوة الانتقالي للحوار.
وقال في بيان له، قبل أيام، إن دعوة المجلس للحوار غير
جادة ومشبوهة.
وأضاف وزير الداخلية السابق أن المؤتمر الشعبي العام
الجنوبي لن يدخل في حوارات جنوبية مع المجلس الانتقالي الجنوبي، مؤكدا أنه لن تنجح
أي حوارات جنوبية، إلا بعد تراجع الانتقالي عن ما وصفها بالشطحات والقرارات
والخطوات التي مارسها على الأرض.
وأكد الميسري أنه لا يمكن أن يكون الجنوبيون طرفا في أي
حوارات تديرها مشاريع خارجية تفتقد إلى أبسط مقومات الاستقلالية، وتهيمن عليها
سطوة التدخل الخارجي.
ورفض الوزير السابق ما أسماه "الارتهان
للخارج".
فيما قال رئيس المؤتمر الوطني لشعب الجنوب، محمد علي
أحمد، إن أي دعوة حوارية وراءها أي دولة من الدول الطامعة في البلاد، لن تكون
مقبولة من قبلنا أو من قبل شعبنا الحر.
وتابع القيادي الجنوبي في بيان له: نحن معَ المصالحة
الوطنية، دون تهميش أو إقصاء لأصحاب القرار المستقل عن الولاء والتبعية لأي دولة من
دول الإقليم الطامعة والمسؤولة على الدمار والقتل والتشتت ومعاناة أبناء شعبنا.
وأعلن استعداده التفاعل مع الدعوة الوطنية المستقلة التي
يتبناها طرف دولي وأممي محايد، لا طرف إقليمي طامع، بحسب وصفه.
رئيس مؤتمر شعب الجنوب، شدد على أن تكون الدعوة الوطنية
معبرة عن المصلحة الحقيقية لشعب وقضية الجنوب، وليس وفق مصلحة دولة من دول الإقليم
أو أدواتها المسؤولة، معتبرا أن دعوات الانتقالي "غير حقيقية"، هدفها تثبيت مصالح الطامعين، وتغطية جرائمهم، عبر شرعنة سياستهم الإقصائية.
وأكمل : "لن نقبل أن نكون تابعين لأي دعوة يتقدم
بها طرف من أطراف الحرب والصراع".
"هروب ومتنفس"
وفي هذا السياق، قال رئيس تجمع القوى المدنية في جنوب
اليمن، عبدالكريم السعدي، إن رفض القوى الجنوبية لدعوة الحوار التي أطلقها مكون الانتقالي جاءت كرد طبيعي على سلوكيات
وانحرافات مارسها أفضت إلى شرخ عميق في جسد النسيج السياسي والاجتماعي الجنوبي.
وأضاف في حديث
لـ"عربي21" أن الانتقالي أطلق دعوة الحوار الثالثة تقريبا، وشكل
لجنته التحضيرية لها بعيدا عن التوافق الجنوبي.
وأشار السعدي إلى أن المجلس الانتقالي تعاطى مع القوى
الأخرى من موقع الدولة التي تتعاطى مع معارضيها، وهو الأمر الذي لا يمت للواقع
بصلة.
ومضى قائلا: يدرك الانتقالي جيدا أن دعوته لن تلقى أي
قبول لأسباب عدة أهمها، أن هناك عدة لجان سبقتها شكلها هو ذاته، وانتهت إلى صمت
مبهم، وأفضت إلى تجميد بعض عناصر تلك اللجان لنشاطها في قوام هذا الكيان.
وهو الأمر
الذي انعكس سلبا، وفقا للسياسي اليمني، على
مصداقية أي دعوة يطلقها الانتقالي لاحقا.
أما السبب الثاني، فيتمثل في "محاولات القفز التي
يمارسها التيار المتطرف في المجلس الانتقالي على حقيقة الاختلاف والخلاف الجنوبي
الكامن في محاولته اختطاف التمثيل الجنوبي بوسائل لا تمت للعمل السياسي بصلة، بل
على الحشد المناطقي والقبلي والقروي.
فيما يبرز السبب الثالث -بحسب رئيس تجمع القوى المدنية
في جنوب اليمن- في عجز مكون الانتقالي عن إدارة المناطق التي يفترض أنها تحت
سيطرته، إذ فشل فيها فشلا ذريعا، انعكس سلبا على قناعات الناس بمصداقية الشعارات
التي يرفعها، ومنها القضية الجنوبية وعدالتها.
ويرى السياسي السعدي أن انتهاج المجلس الانتقالي دعوات
الحوار كمتنفس له، للهروب من واقع يكاد الناس يلفظونه بسببه، لولا سطوة القوة
والإرهاب التي تمارسها مليشياته ضد سكان المناطق الواقعة تحت قبضته.
ويعتقد المتحدث ذاته أن الحوار الجنوبي لن يكتب له
النجاح، إلا إذا تبناه طرف مستقل ووطني لا تبعية خارجية له، تلقي بظلالها على
قراراته، ويؤمن بقدسية الدفاع عن السيادة الوطنية قبل أي قضايا أخرى، فضلا عن
إيمانه أبناء الجنوب جميعا بالعيش في وطنهم والمشاركة في رسم ملامح مستقبله مهما
اختلفت توجهاتهم ومشاربهم.
"فرصة ثمينة"
من جهته، قال باسم فضل الشعبي، رئيس مركز مسارات
للاستراتيجيا والإعلام، إن فريق الحوار المشكل من قبل الانتقالي ما يزال يواصل
مشاوراته مع القوى والمكونات الجنوبية المختلفة، وهناك استجابة كبيرة للمشاركة في
الحوار.
وتابع حديثه لـ"عربي21": من الطبيعي أن تكون
هناك قوى رافضة، غير أنه يبقى على قادة فريق الحوار عدم اليأس، واستمرار التواصل
والإقناع معها.
وأضاف الشعبي: "الحوار الجنوبي يعدّ فرصة ثمينة
أمام المكونات والشخصيات الجنوبية في الخارج لتوحيد الرؤى والأهداف".
وأشار رئيس مركز مسارات إلى أن المجلس الانتقالي عبّر عن
مسؤولية وطنية كبيرة، وهو يستجيب لمطالب الشعب في الجنوب بأهمية إجراء الحوار
الجنوبي في هذه المرحلة الهامة.
وأردف: "وفي تقديري، أنه مع مرور الوقت، وإحداث
التقارب، ستزول القضايا الخلافية، وسيمضي الحوار إلى وجهته لتقرير مستقبل الجنوب".
وأوضح رئيس مركز مسارات للإعلام أن إيمان المجلس
الانتقالي بالحوار مع المكونات والشخصيات الجنوبية هو بحد ذاته انتصار للقضية
الجنوبية، لما يمثله المجلس من ثقل سياسي وجماهيري وتنظيمي داخل الجنوب.
وأبدى تفاؤله بنجاح الحوار المزمع عقده، قائلا:
"هناك مبشرات كثيرة لنجاح الحوار، استنادا إلى حجم الاستجابة والتفاعل الذي
أبدته مكونات وشخصيات وأحزاب عديدة للمشاركة في الحوار".
ولفت إلى أن الذين يرفضون دعوة الحوار والمبادرة التي
وضعها الانتقالي ينبغي احترام مواقفهم، رغم أن ذلك قد يؤدي إلى شعور الشعب
بالخذلان كونه المحرك الرئيسي لمبادرة الحوار التي أطلقها المجلس.
وكان عيدروس الزبيدي قال في تصريح أدلى بها للقناة
التلفزيونية التابعة للمجلس الذي يتزعمه: "إن الدعوة للحوار
جاءت من أجل السلام، إيمانا من الانتقالي بأن وحدة الصف الجنوبي هي خير ضامن
لمستقبله السياسي".
وأشار: "ذهبنا بأنفسنا إلى من لا يستطيع المجيء
إلينا كما وعدنا، فلنحافظ على هذا التقارب من خلال المشاركة بفاعلية"، معتبرا
أن "عناصر قوة الجنوبيين الحقيقية تكمن في تمسكهم الواعي والراسخ بمبدأ
التسامح والتصالح الجنوبي".
وتعيش العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، انقساما شعبيا
حادا، وموجة غضب واسعة، بعد أن تحولت إلى ساحة مفتوحة للفوضى والعبث، تنتشر فيها
المليشيات المسلحة، ويغيب عنها أي مظهر من مظاهر الدولة.
كما تشهد عدن، التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي،
اختلالات أمنية متعددة، بدءا بالاغتيالات والاختطافات، مرورا بعمليات الاعتداء
والنهب لممتلكات خاصة وأخرى عامة، وصولا إلى صدامات مسلحة بين مجموعات مليشياوية
تابعة له، ضمن صراعها على مصادر الإيرادات في المدينة وغيرها من المصالح.